محمد عمر زيدان - خاص ترك برس 

لطالما كان هناك صراع أزلي بين الحق والباطل بين قوى الخير وقوى الشر بين أن أكون ولا أكون وقد أتخذ كل  طرف من الأطراف شعارات وألوان، فصُبغ اللون الأبيض بلون الخير والسلام وصُبغ اللون الأسود بلون الشر والوبال ولكن مفهوم اللون ودلالاته تغيرت مع تغير مفاهيم الناس وقيمها فلم يعد الأبيض والأسود هما اللونان الرئيسيان للدلالة على الخير والشر فحسب وإنما خضع اللون لفعل المجموعة التي تستخدمه فإن كانت أفعالها خيّرة فهو خير وإن كانت أفعالها شريرة فهو شر.

كانت الثورة السورية التي انطلقت شرارتها الأولى في 15 آذار/ مارس 2011 ثورة شعبية عفوية سلمية بكل مقاييس الثورات العالمية ويشهد على ذالك القاصي قبل الداني والعدو قبل الصديق، وكانت شعاراتها سلمية وأفعالهم موزونة ومدروسة فلم يلجأ أحد من  الثوار في الأشهر الست الأولى إلى أي عمل من أعمال العنف والتخريب أو أي عمل يمس بكيان الدولة، ولكن النظام الفاجر الذي أجبر السوريين على عبادته عقود طويلة من خلال زرع شعارات إلى الأبد يا حافظ الأسد في حياته والقائد الخالد بعد مماته وتشبيهه بالإله، دفع الثورة إلى العسكرة رغمًا عنها وذالك من خلال ممارسة هذا النظام الفاجر تلك الممارسات التي وثقتها أعين السوريين قبل أن توثقها كميراتهم من قتل وسحل وملاحقة وإخفاء قسري، ولم يكن يدر في مخيلة السوريين أن هذا النظام الذي تفانى معظمهم بخدمته والسهر على بقائه في مقامه أن يلجأ إلى هذا الإجرام.

ولكن هذه الأعمال لم تكن عن عبث أو وليدة لحظتها ولكن كانت مخططًا كبيرًا يهدف فيه نظام البعث إلى تصفية معارضيه بكل الطرق حتى لو كانت النتيجة قتل الآلاف وتهجير الملايين ولكن السوريين الذين خرجوا أحسنوا الظن بالنظام أسوة ببلدان الربيع العربي (تونس ومصر وليبيا) التي انصاع حكامها للمطالب الشعبية وترجلوا عن كراسيهم ولكن غاب عن حسابات السوريين بأن من يحكم سوريا نظام طائفي لا يؤمن بالتعددية وإنما بسلطة الفرد  والطائفة والعائلة الواحدة وبعين الحقد والحسد والضغائن وعلى الرغم من أن نظام قاصر دمشق قد أفلح في دفع الثورة إلى العسكرة ولكنه لم يفلح بالقضاء عليها وسحقها على الرغم من مئات الآلاف من الشهداء وآلاف المعتقلين وملايين المشردين في بلاد الجوار.

وبعسكرة الثورة بدأ فصل جديد من فصول الثورة المباركة وكان لزامًا على الثوار تنظيم أنفسهم والعمل الجاد على تأمين مصادر لتمويل وتكوين شبكة من الأصدقاء لدعمهم واتخاذ شعار لهم وتكوين كيان مستقل يتحدث باسمهم وفعلًا عمل الثوار جاهدين على ذالك فقد أسسوا المجلس الوطني ككيان سياسي يتحدث باسمهم وشبكة من الأصدقاء العربية والعالمية والاعتماد على تمويل ذاتي بداية ثم على بعض الأصدقاء واتخذوا من علم الاستقلال شعاراً لهم في رمزية إلى العلم الذي رفرف في سماء دمشق بين عامي (1936-1958) والذي نال السوريون بموجبه الاستقلال من فرنسا بينما تمسك النظام بعلمه الذي كان في يوم من الأيام علم للوحدة ولكنه تحول فيما بعد إلى شعار طائفي يمثل الحزب الحاكم ألا وهو حزب البعث.

وحيث أن علم الاستقلال بألوانه الأبيض والأسود والأخضر يرمز إلى دول الخلافة الراشدة والأموية والعباسية وفيه اللون الأخضر الذي يشير إلى الدولة الراشدة تلك الدولة التي أسسها خير البشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم وحيث أن اللون الأخضر يرمز إلى الخير والنماء فقد أصبح لون الثورة بحيث أن كل منطقة يحررونها تصبغ باللون الأخضر فيما حرص النظام على التمسك بعلمه ذا الألوان الثلاثة وهي الأحمر والأبيض والأسود الأحمر يشير إلى دم الشهداء كما علمونا والأبيض إلى البركة والأسود إلى المعارك ولكن الحقيقة التي أراد النظام إخفاءها وهي أن اللون الأحمر يدل على السيوف المخضبة بدم الأعداء وهذه حقيقة هذا اللون منذ اتخاذ هذا العلم شعاراً للدولة المتحدة واليوم يثبت أن الأعداء ما هم إلا أبناء الشعب السوري والسيوف ما هي إلا آلات القمع والتدمير من طائرات وغيرها والدم هو دم السوريين الذي أريق على تراب الوطن  وهكذا ظهر جليًا حقيقة هذا العلم وبعده الطائفي منذ تكوينه.

وفي صراع بين الأحمر والأخضر دارت رحى حرب طاحنة لم تشهد لها المنطقة مثيلًا  وكانت جلّ جولاتها للأخضر الذي أصبح يحكم أكثر من 65% من أراضي سورية بينما النظام المتهالك الذي لم يعد يتحكم إلا بمساحة بسيطة بمعونة دول العالم ولولا التدخل السافر للدول العظمى مثل روسيا لأصبح الأخضر يغطي سوريا وعم الخير على الشعب السوري، أما وقد تعددت الأيدي الخارجية _روسيا وإيران و حزب اللات وتفانت في خدمة النظام مما أطال عمره ولكن لفترة قصيرة ولكن هذا الدعم سرعان ما سوف يتوقف لعدم استطاعة النظام من دفع الفاتورة الروسية ولن تستطيع قوى الأرض مهما تكالبت على ثورتنا أن تنهيها فالأخضر باقي ويتمدد والأحمر باغي ويتبدد ومن إدلب الخضراء سنرفع أغصان الزيتون في وجه العالم وسنقول لسنا طلاب ثأر ودم وإنما طلاب حرية وكرامة وسنحرر بلدنا من نير المستعمر وسنصلي في جامع بني أمية الكبير وسيكون علم الاستقلال بلونه الأخضر شعارنا ما حيينا.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس