محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

حقيقة كثر الكلام والتكهنات والتحليلات حول المؤتمر الذي سيعقد في الأستانة عاصمة جمهورية كازاخستان  في 23 كانون الثاني/ يناير الحالي بين نظام الأسد من جهة والفصائل المسلحة المعارضة من جهة أخرى من أجل الوصول إلى حل مرض للأزمة السورية والتي دخلت عامها السادس بدون أي تقدم يذكر لأي طرف على حساب الطرف الأخر وبدون أي بصيص أمل للتوصل إلى حل يرضي جميع أطراف النزاع ,وأخيراً جاء الروس بمقترح لم شمل الأطراف المتنازعة بغية تحقيق حل مبدئي تتوافق عليه جميع الأطراف، ولكن وبالنظر إلى الدعوات الموجهة للأشخاص الذين سيشاركون بالمؤتمر يجد المراقب الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب حول كون هؤلاء الاشخاص؟ ومدى فاعليتهم على الأرض؟ومن ثم مدى قدرتهم على الحوار وما مدى خلفيتهم الثقافية؟ وهل هم بالفعل قادرون على امتلاك آليات فن التفاوض؟ كل هذا الأسئلة تجعل من المراقب في حيرة وريب مما يجري. ولكن لِما الغرابة والحال كذالك فروسيا تتعامل مع الواقع من خلال حلقات مصالحها ومصالح حليفها وريث بائع الجولان ولا تتعامل مع المعارضة بطريقة الند للند وإنما بطريقة الوصاية والسيادة بعدما استطاعت تحقيق أهدافها في حلب وإخراج المعارضة المسلحة منها.

ومما يدلل على خبث الروس في هذا المؤتمر هو تحييد الائتلاف السوري المعارض ولجنة المفاوضات بحجة استبعاد الكورد بالمقابل، وبهذا استطاع الروس طعن الثورة في خاصرتها ودق أول مسمار في نعش المفاوضات وبهذا الاستبعاد للائتلاف واللجنة العليا للمفاوضات تفقد المعارضة السورية مفاوضين من الطراز الرفيع بعدما حصلوا على خبرة ودراية في أعوام الثورة الست المنصرمة، كما أن عدم استدعاء الشخصيات الوطنية المستقلة وأصحاب الفكر الواعي والأقلام الرصينة يدل على أن روسيا تريد مفاوضين لا يحسنون فك الحرف حتى يحسنون فن التفاوض، ولكن الروس يعرفون ومن ورائهم حلفائهم في دمشق بأن مجرد استدعاء هذه القامات الوطنية التي لا تجيد فن التفاوض بشكل ممتاز إلا أنها تستطيع قراءة ما وراء السطور الروسية وتعلم خلفية كل كلمة ومدلول أي جملة ولا يمكن الضحك عليها أو التلاعب بها أو استجرارها لأي منزلقات يمكن من خلالها تضييع الدماء السورية وتضحياتهم.

لذالك ضغط الروس وبحنكة سياسية وبدغدغة للعواطف الشعبية على استدعاء قادة الفصائل - الفاعلة على الأرض - ومن يعرف حقيقة تلك الفصائل يجد أن كلمة فاعلة على الأرض مجرد كلمة رنانة ليس لها قيمة حقيقية  فكلمة فاعلة تستوجب بسط النفوذ والسيطرة على رقعة جغرافية يكون قرارها السياسي نابعًا من قناعات ذاتية ومعبرة عن آمال وطموحات الحاضنة الشعبية وقرارها ليس مرتهن بالداعم أو الوصي وبالنظر إلى واقع المناطق المحررة لا نجد ما يدلل على هذه الفاعلية.

ألم يكن الحري بهذه الفصائل - الفاعلة على الأرض - أن تكون موحدة في الداخل وعلى قلب رجل واحد وأن تجتمع مسبقًا وتخرج بقرار موحد وورقة عمل منظمة تعرض على استفتاء شعبي وإن لم يتثن لها ذالك تعرض على مثقفي المناطق المحررة وأكاديمييها للخروج بنظرة تتماهى مع تطلعات هذا الشعب، وطبعًا هذا لم يحدث وذهبت تلك الفصائل إلى أنقرة للمشاورات منفردة وبرؤى مختلفة وبخلافات عميقة ولكن غير ظاهرة للعيان.

هذا والحال كذالك فكيف لهؤلاء القادة أن يمثلوا الشعب السوري ويعبروا عن نبض الشارع والسؤال الأهم ما هي خلفيتهم السياسية والثقافية وحتى العسكرية وما أدراهم بفن المفاوضات هل يحسنون صف عشر كلمات بالعربية عداك عن اللغات الآخرى أليس من العار أن يمثل الشعب الحر أبو فلان وأبو علتان  والكثير من هؤلاء القادة جاؤوا من خلفيات أمية أو شبه أمية وإن كنا لا ننكر أن لهم قصب السبق في الانضمام للثورة في أيامها الأولى ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئًا فالسياسة ليست كتاب فقه أو حديث والتفاوض ليس جلوس طرفان متقابلان وينتهي الأمر بتبويس طرف شوارب  الطرف الآخر وكأنها جلسة عرب، لا أيها السادة المفاوضات علم مبني على أصول وقواعد دقيقة فمن لا يحسن هذا الفن لا يجب عليه أن يشارك، وبما أن الغرور وجنون العظمة تغلغل إلى الكثير من النفوس المريضة فظن الكثير منهم بأن مجرد وصول بطاقة الدعوة للحضور فإن العالم مهتم بهم وبفصائلهم ولكن الحال ليس كذالك كما نعلم.

وما استدعاء هذه الفصائل وتوجيه الدعوات للكل إلا نقطة سلبية لا بل في غاية السلبية وفي هذه النقطة بالذات عرفت روسيا من أين تأكل الكتف  وهنا يمكن لها بسهولة تعزيز الفرقة بينها والاستفراد بها كاستفراد الذئب بالغنم القاصية ولكن كل العتب على تركيا الطرف الضامن لهذه الفصائل فكما دفعتها للمشاركة في مؤتمر الآستانة كان الحري بها أن تضغط عليها للخروج بمجلس عسكري موحد ومنظم وبمساعدة طرف مدني سياسي  تستطيع الصمود بوجه الدب الروسي.

وجل ما يخشاه الشارع السوري أن يتحول هذا المؤتمر إلى سلسلة من المسرحيات الهزلية كسابقاتها من المؤتمرات السابقة كجنيف عندما تحول إلى جنيف 1 ثم جنيف 2 ثم وثم والخوف أن يتحول الآستانة إلى واحد ثم اثنين ثم ثلاثة وهلم جرًا.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس