ميشيل كيلو - خاص ترك برس

كتب الأستاذ علي العبد ﷲ ردين على مقالتين كنت قد نشرتهما في "العربي الجديد،" أولاهما حول ورقة مؤسسة راند الأمريكية بشأن الحل السياسي في سورية، وثانيتهما حول مشروع البايادا في الشمال السوري. لم يذكر الأستاذ علي اسمي، لأن ذكره كان سيحول على الأرجح بينه وبين السخرية مني في رده الأول، واتهامي بالغباء في الثاني، بالنظر إلى ما كان بيننا من علاقات طيبة، وما تشاركنا فيه من نضالات على امتداد سنوات عديدة قبل وخلال الثورة.

لن أرد هنا على الشخص، رغم إساءاته، بل سأرد على ما أورده من أقوال ونشره من ملاحظات. فإلى البايادا، ثم إلى وثيقة راند.

جعل الأستاذ علي العبد ﷲ عنوان مقالته كلمتين تضمنتهما مقالتي عن مشروع البايادا، قلت فيهما إن السوريين لن يسمحوا بقيام "إسرائيل ثانية" في بلادهم، ووصفت تكتيك الحزب الكردي المذكور فيها "الصهيوني"، لأنه ينتهج سياسات تقلد الصهاينة في فرض واقع سياسي على الشعب السوري يتناقض مع إرادته وأهدافه، مستغلا ما أنزله بطش النظام بدولة ومجتمع من ضعف، كي يبطش بدوره بهما.

في رده، قال الأستاذ علي إن "من الغباء" تشبيه مشروع البايادا بالمشروع الصهيوني، لأن الصهاينة غزاة أغراب جاؤوا من الخارج ليحتلوا فلسطين، بينما الكرد أبناء منطقة ووطن وتاريخ مشترك.

واستشهد الأستاذ من أجل تأكيد "اكتشافه" بمادة تاريخية كثيفة تثبت ما لم ينكره أحد، وهو أن الكرد من أهل المنطقة، قديما وحديثا، وليسوا أجانب أو أغراب فيها. هذه المادة، والطريقة التي اختارها الأستاذ لتعريف الصهيونية وبالتالي للرد علي، لم تلامس الموضوع المطروح من قريب أو بعيد، إلا إذا كان يحق لمن هم من أبناء المنطقة احتلال أراضي بعضهم البعض، وإعطاء أنفسهم الحق في تهجير وقتل من لا ينتمون إلى حزبهم، وإجراء تطهير عرقي واسع النطاق في ما يدعون أنه أرضهم التاريخية... إلخ.

وكنا نحن الاثنين على قدر من الغباء نختلف معه على ما لا خلاف عليه، وهو أن الكرد ينتمون إلى منطقتنا، وهم مواطنونا الذين يجمعنا بهم تاريخ مشترك.

ركز الأستاذ على مسألة غير مطروحة أصلا، ليهرب من أخذ موقف من مشروع البايادا ومناقشتي في ما قلته، وليمرر فكرة يستميت كحزب في إقناع العالم بها تزعم أن مشروعه ليس حزبيا، بل هو مشروع الكرد، جميع الكرد، وإن أي انتقاد يوجه إليه هو انتقاد شوفيني/ عنصري للكرد، في حين غيب البايادا، والأستاذ عبد ﷲ المشروع التاريخي لكرد سورية، الذي كنا، جنابه وأنا، من مؤيديه، عنيت المشروع الديمقراطي الوطني الذي ناضلوا وضحوا من أجل تحقيقه، بينما كان البايادا ينشط كأحد أفرع مخابرات الأسد، ويقمع الكرد بلا رحمة، ويدين انضواء معظهم في الصف الديمقراطي وتعاونهم معه.

هذه المماهاة بين حزب البايادا والكرد تذكر بموقف يتبناه الروس وجماعة "هيئة التنسيق،" يرى أن غياب الحزب عن الهيئة العليا للمفاوضات يعادل غياب الكرد عنها، رغم أن منسق الائتلاف في الهيئة هو الدكتور عبد الحكيم بشار، الكردي. إذا كان حزب البايادا هو الكرد، فكيف سياساته حيال الكرد السوريين، الذين يخون ويعتقل ويعذب نخبهم وجماهيرهم المعارضة له ولمشروعه، ويلاحقهم ويهجرهم ويبطش بهم بواسطة عناصر مسلحة ليست من كرد سورية، استجلبها من جبل قنديل وتركيا وإيران؟

وكيف نصدق أن الكرد السوريين، الذين لعبوا دورا مهما في ثورة الحرية، قرروا فجأة ممارسة اعتداءات منظمة ومسلحة على إخوانهم وجيرانهم العرب والتركمان والآشوريين والسريان في الجزيرة، وطردهم من قراهم وبيوتهم، وانتزاع أراضيهم وإطلاق أسماء كردية على مناطق سكنهم التاريخية وضمها إلى 43 ألف كيلومتر مربع احتلتها قوات الحزب، بزعم أنها أرض كردستانية يحق له إقامة دولته القومية عليها، دون أن يكون لأكثرية سكانها العرب الحق في أن يكون لهم رأي حولها، بحجة أنهم محتلون ومستوطنون، وأن حق الأمم في تقرير مصيرها لا يعطي المستوطنين أي دور في تقرير مصير مستعمراتهم. ذهب الأستاذ علي إلى المسعودي وابن كثير، ليثبت ما لا حاجة إلى إثباته، وهو أن الكرد أبناء منطقتنا، بينما تجاهل الواقع الحالي وما يفعله الحزب في المناطق التي يمكنه طيران أمريكا من احتلالها.

وقصر الأستاذ الصهينة على أصل الغزاة، وتعامى عن أفعالهم، التي طواها تحت عباءة تاريخ لا علاقة له بأوضاعنا الحالية، متخليا بذلك عن التعرض لمسائل جوهرية كالصفة التي يجب إطلاقها على ممارسات حزب تتطابق كل التطابق مع ما كان الصهاينة يمارسونه في فلسطين من تهجير وترحيل وقتل ومصادرة أراض وممتلكات، وتجريف قرى، وتدمير مصادر عيش السكان الأصليين، تشبه مزاعمه التاريخية عن وجود أرض كردستانية في سورية يجب تحريرها من محتليها العرب، الأغراب في هذه الحالة، مزاعم الصهيونية التي حولت فلسطين إلى "أرض ميعاد" يهودية، رغم أنف التاريخ، علما بأن مشروع الحزب سيجعل أرض "كردستان سورية" متاحة لأي كردي ممنوعة على أصحابها الأصليين، مثلما جعل المشروع الصهيوني فلسطين المحتلة أرضا ليهود العالم يحظر على من ليس منهم امتلاك أي شبر منها.

ومثلما أسهم المشروع الصهيوني في كبح نهضة العرب ووحدتهم، يريد مشروع الحزب تدمير المشروع الديمقراطي السوري، بتفكيك سورية كدولة وكمجتمع، وبفرض مشروع عنصري تناقض مقوماته ما أقرته وثيقة جنيف والقرارات الدولية للسوريين كشعب واحد من حق في إقامة دولة ديمقراطية تقر بحقوق مكوناتها، بما في ذلك القومية منها، يمكن أن تكون اتحادية في حال توافق السوريون وطنيا على هذا الشكل من نظامها الديمقراطي، بينما يقوم مشروع البايادا، الذي ينال دعما أمريكيا غير محدود، على معادلة مقلوبة تجعل قيام الدولة الديمقراطية رهنا بما يفيض عن كيانات خاصة بالأقليات.

كانت هيلاري كلنتون قد روجت لها في أحاديث عن سورية القادمة كـ"ديمقراطية أقليات،" تذكر أيضا بنظرية "الفوضى الخلاقة،" التي أعلنتها مستشارة الأمن القومي الأمريكية "كوندوليزا رايس،"وتقول بصراحة إن بلداننا ستمر بمرحلة تفكيكية ـ تجري تحت أعيننا بمنتهى الوحشية منذ سنوات ـ تليها أخرى تركيبية، تقدم "وثيقة مؤسسة راند" أحد سيناريوهاتها، وتؤكد أن تنفيذها يتم الآن عبر رسم حدود دولة البايادا بقنابل طائرات واشنطن. ألا يجب علينا كمواطنين ينتمون إلى المشروع الديمقراطي، ويدافعون عن حق الكرد في المواطنة المتساوية والإدارة الذاتية، أن نتحسب لهذا التقاطع، الذي يبطل تماما ما أقرته وثيقة جنيف والقرارات الدولية حول الحل في سورية، وأوردته حول سورية كدولة موحدة وذات سيادة، غير أن سياسات أمريكا تجاه البايادا، التي تعتبره من "قوات التحالف"، وتقصر دعمها عليه في الحرب ضد "داعش،" وتحجبه عن الجيش الحر، الذي يقاتل "داعش" في مناطق كثيرة، وتلعب ورقة البايادا ليس فقط سوريا، وإنما كذلك إقليميا، ضاربة عرض الحائط بما يتزل بشعب سورية من كوارث، نتيجة لذلك.

يتحاشى الأستاذ المسائل الراهنة ويذهب إلى المسعودي وابن كثير، ليستنتج أنه لا يجوز وصف أفاعيل حزب البايادا بالصهيونية. ومع أنني لا أريد الوقوف طويلا عند رأي الأستاذ حول تحديد الموقف من الصهاينة بمعيار غير صحيح، هو أنهم أغراب وأجانب، فإنني ألفت نظره إلى أن 95٪ من سكان إسرائيل كانوا حتى عام 1967 من يهود البلدان العربية، التي أمدتهم بعد حرب 1967 بحوالي 300 ألف مهاجر إضافي رحلتهم إلى فلسطين، هم في منطق الأستاذ أبناء منطقة وتاريخ  مشترك ووطن وليسوا أغرابا، ولا يجوز بالتالي اعتبارهم صهاينة.

بقي كلمة: للكرد حقوق مواطنة متساوية، وحقوق قومية في سورية، وطنهم، سيكون تحقيقها أحد أعظم إنجازات ثورة الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، فإن تمسكوا بالنظام الاتحادي، وجب إجراء حوار وطني جاد حوله، للوصول إلى أفضل الخيارات حوله، في إطار الدستور ووحدة الدولة والمجتمع، وتلبية طموحاتهم. وللعلم فإن أحدا في سورية، لا البايادا ولا غيره، سينال حقوقه دون تعاون وثيق ومفتوح مع القوى الديمقراطية، المناضلة من أجل إسقاط النظام. دون هذا التعاون، وفي حال قمع النظام الثورة، لن يكون هناك دولة أو إقليم كردي في غير أوهام البايادا، وفي حال انتصرت الثورة، سيكون هناك بالتأكيد تدقيق مسؤول في ما إذا كانت مساحة أرض كردستان السورية 43 ألف كيلومتر مربع، وكان كل حامل سلاح مع البايادا سوري حقا، وكانت سياسة الأمر الواقع ونتائجها ستعتبر وطنية ومقبولة. بصراحة، ليس مشروع البايادا وطنيا أو مدروسا، ولن تكون نتائجه إيجابية على العرب والكرد. أما بديله: عنيت تعاون مكونات الجماعة الوطنية لسورية لإسقاط النظام وإقامة الديمقراطية، فهو سبيلنا إلى بلوغ ما نصبو إليه من حقوق شخصية وعامة وقومية، بكل أخوة وتعاون.

وثيقة مؤسسة راند

 يقول الأستاذ علي إن مقالتي أثارت قلقا وحيرة: "القلق من المحتوى الذي نسبه المثقف الهمام ـ الذي هو أنا ـ إلى الخطة، والحيرة من صفاقة نخبة المعارضة التي لا تتأخر في التقاط الرسائل والإشارات الإقليمية والدولية بخصوص قضية تنطحت لإدارتها وتصدر صفوف العاملين لأجلها فحسب، بل وتلجأ إلى تبرئة الذات بالتحدث عن عجز وفشل الآخرين من المعارضة وكأنها ليست جزءا بارزا منها".

لا أعرف لماذا يعتبر الأستاذ أن "من الصفاقة" قيام من يسميه "نخبة" المعارضة بواجبها في "التقاط الرسائل والإشارات الإقليمية والدولية بخصوص قضية تنطحت لإدارتها وتصدرت صفوف العاملين لأجلها". أليس هذا واجبها، وبأي منطق يكون من الصفاقة أن تقوم النخبة بواجبها؟. يبدو أن الأستاذ قرر إطلاق شتائمه علي لأنني أقوم بواجبي في التقاط... إلخ. فليكن له ما يثلج صدره ويعبر عن طبعه. أما موضوع تبرئة الذات، فلا بد له أنه يعرف ـ وهو الذي يعرف كل شيء من عصر المسعودي وابن كثير إلى اليوم ـ أن الائتلاف يضم تيارات وتوجهات متنوعة تتبنى وجهات نظر غير متطابقة بالضرورة حول القضية السورية وتعقيداتها، وأنه يقر بحق الائتلافيين في اعتماد قراءات مختلفة لهذا الحدث أو ذاك، فإن فشلت قراءته كان من حق أعضائه القول بأن فشلها يعبر عن عجزه، دون أن ترى قيادته في ذلك رغبة لدى نقاده في تبرئة ذواتهم، خاصة إن ثبت أن قراءتهم كانت صحيحة. من الغريب أن لا يرى الأستاذ هذه الحقيقة التي يوجد ما يماثلها في كل تجمع سياسي يضم تيارات ووجهات نظر متباينة. والغريب أنه لا يتخيل وجود نوع من الانتقاد لا يكون بالضرورة شهادة براءة لأصحابه، لأنه ينطلق من الحرص على تصحيح أخطاء لا يصح اقترافها. والآن أريد ان أسأل الأستاذ علي: ما العلاقة  بين  شتائمه، التي تأخذ شكل تصفية حساب شخصي معي، وبين ما كتبته عن وثيقة مؤسسة راند؟.

في عرضه لمضمون الوثيقة الأولى، التي كنت قد قصرت مقالتي عليها، لا يورد الأستاذ نقطة واحدة لم أتعرض لها بكل تفصيل وموضوعية. لذلك أستغرب جدا قوله إن عرضي للوثيقة أثار الحيرة والقلق لدى كثير من السوريين، وأن عرضه، الذي لا يختلف عن ما قله في أية نقطة، سيطمئنهم ـ بالمناسبة تتراوح جماهير الأستاذ بين 54 و180 قارئا يهتمون بمقالاته في موقع المدن الإلكتروني!.

يؤكد الأستاذ ما تقوله خطة راند حول وجود "مسارين نحو السلام يختلفان في نتائجهما: المسار الأول هو "التركيز على توسط في تسوية سياسية شاملة بين الاطراف السورية المتحاربة ورعاتهم الخارجيين٬ متضمنة اصلاح مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة جديدة وخطة لانتخابات تترافق مع وقف لاطلاق النار والبدء بعملية البناء". أما المقاربة الثانية فهي "ضمان اتفاق على وقف إطلاق فوري للنار تتبعه مفاوضات إضافية حول شكل الدولة والحكومة السوريتين اللتين يعاد بناؤهما". ويضيف أن كتاب الوثيقة "يرون استحالة بلوغ نتيجة مرضية عبر المسار الأول، ويتبعون المسار الثاني باعتباره أكثر واقعية".

لا أعتقد أن الأستاذ قرأ حقا ما كتبته وجوهره أن كتاب الوثيقة تخلوا عن جنيف والقرارات الدولية وخطة الحل السياسي المعتمة فيهما، وهو ما يؤكده بقوله: "في ضوء هذا العرض المكثف ـ عرضه هو ـ نكتشف أننا امام خطة تقنية، لا تتعرض لطبيعة الحل ومرجعياته، لذا لم تذكر جنيف 2012، القرارات 2218 (الصحيح 2118) و5422". ما الذي قلته في نصي وأثار الحيرة والقلق غير فكرة رئيسة هي أن الوثيقة تتخلى عن مرجعيات الحل السياسي الدولية، وأن هذا أمر خطير، لأن هذه المرجعيات تتضمن الإقرار بحق الشعب السوري في تغيير نظامه، وحكم نفسه بحرية، والانتقال بوطنه إلى نظام ديمقراطي يقوم على تراض وطني عام، يعني تخلي الوثيقة عن هذه الحق أخذ سورية إلى وضع مغاير وفي حالنا الراهنة، مناقض، لما تقرر دوليا أن يكون النتيجة المحتمة للحل: قيام نظام ديمقراطي لدولة ومجتمع موحدين، يلبي حقوق ومصالح جميع السوريين، بانتماءاتهم المتنوعة. أن ما يقترحه كتاب الوثيقة، يلقي بحقوق السوريين المعترف بها دوليا إلى سلة المهملات، باعتراف الأستاذ حول مقترحهم الذي ليست القرارات الدولية مرجعيته. إذا ما تذكرنا الآن ما يورده كتاب الوثيقة حول التعقيدات التي يعترفون بأنها ستصاحب تطبيقها، والشكوك التي تساورهم حيال نجاحها، يكون من الطبيعي أن نتمسك بالمسار الأول، الذي يرفضه الأستاذ، رغم أنه يعرف حقوقنا، ويحدد آليات بلوغها، ومسارها التفصيلي، ومآلها النهائي، ويقدم ضمانات دولية حول وصولنا إليها؟. أليس من الطبيعي أيضا أن نرفض المسار الثاني، التقني، لأننا قد نضيع بقية عمرنا في العمل لتحقيقه، لأسباب منها وضعنا الذاتي، والتخلي الدولي عامة والأمريكي خاصة عن تطبيق الوثائق والقرارات الدولية، التي أقرها الخمسة الكبار وعطلتها خلافاتهم؟. ألم يلاحظ من يدافع عن وثيقة راند تحت عنوان عدم الدفاع عنها، أننا نتخبط منذ سبعة أشهر في ما تقترحه الوثيقة كمدخل إلى الحل، أعني الهدنة، التي لم يترتب عليها وقف إطلاق نار دائم، كما تفترض الوثيقة، بل نشبت بعد عقدها أعنف معارك الحرب ضد السوريين، بسبب رفض روسيا وإيران ومرتزقة حزب ﷲ والعراق تطبيقها على أرض الواقع، ووقوف واشنطن مكتوفة اليدين حيال انتهاكها؟. من سيغير هذا الوضع في ظل علاقات القوى القائمة اليوم، ورفض الروس والإيرانيين وصفتها الساذجة ومراحلها الافتراضية الوهمية؟.

ومن "سيقنع" الدول التي تقترح اقامتها بعد وقف إطلاق النار بالتخلي عن مناطقها وكياناتها، سواء منها الدولة سورية الأسدية المفيدة، المحمية بقوات روسية، أم دولة الباياديه، المحمية بقوات أمريكية تقاتل ميدانيا لإقامتها؟. يعتقد الأستاذ أن المسار الثاني أكثر واقعية، رغم أنه فشل في إثبات واقعيته خلال الأشهر السبعة الماضية، وعجز حتى عن تخفيض وتائر صراع توظفه أمريكا وروسيا لأهداف لن تلزمهما مقاربة الوثيقة حول تطبيق الهدنة المزعومة بالتخلي عنها، ناهيك عن تحقيق حل سياسي يسبق تحقيقها. ما عدا ذلك ليس غير أوهام يحسن بنا أن لا نصدقها أو نروج لها، وإلا توهمنا أن واقعنا ستغيره نصوص وتصورات الوثيقة، رغم علمنا أنها عاجزة عن فرض مقترحاتها على واقع دولي شديد التعقيد، يخدم سياسات ومصالح لا علاقة لها بما قامت الثورة السورية من أجله، وأن من الخير لنا أن لا نصدق أن "الخطة ـ خطة راند - قدمت توصيات عدة لتغيير النهج الأمريكي حيال الصراع السوري... لأن من المهم أن تساعد الولايات المتحدة وشركاؤها في تقرير الحكم المحلي والأمن في تلك المناطق ـ التي تنقسم سورية إليها اليوم، ليس لتكريس الانقسام وإنما لإدامة السلام والاحتفاظ بـ"إمكانية" إعادة التوحيد".

لا يتوقف الأستاذ عند المعنى الخطير لتراجع واشنطن عن تطبيق وثيقة جنيف وقرارات دولية شاركت في صياغتها والتصويت عليها، ادعت طيلة أعوام سفك خلالها دم سوري كثير أنها تسعى لتطبيقها بكل ما لديها من قدرات، ديبلوماسية وغير ديبلوماسية، وها هي تطبق خطة تشبه ما جاء في وثيقة راند، تتراجع من خلالها عن التزاماتها الدولية تجاه الحل في بلادنا، وتأخذنا إلى أوضاع تناقض تماما ما وافقت عليه في وثيقة جنيف واحد والقرار 2118، وتتنكر لكل ما كانت هي و"المجتمع الدولي" قد اعترفا لشعبنا به من حقوق غير "تقنية"، وضمانات دولية بينها بطبيعة الحال الضمانة الأمريكية؟. هل التخلي عن هذا كله واستبداله بـ"حكم محلي" سيعطي الأسد ونظامه مناطق من سورية، يخرج حكمه لها موضوع بقائه في السطلة من أي حوار وتفاهم وطني أو قرار دولي، والبايادا عشرات آلاف الكيلومترات المربعة من الأرض السورية بحجة كردستانيتها، هو الذي سيوفر "إمكانية" توحيد لن يكون الأسد وإيران وروسيا متلهفين لتحقيقها، سيعني السعي لتوحيدها استئناف الحرب من جديد، في حال تم بالفعل بلوغ الهدف الذي تقول تطورات ما بعد هدنة القرار 5422 أنه مستحيل: أعني تحويل الهدنة إلى وقف إطلاق نار دائم.

ماذا يبقى لنا من عقل، إن كنا نصدق أن هدنة تفضي إلى حكم محلي معزز باحتلالات متصارعة ومدعومة بمصالح وسياسات دولية متناقضة هي سبيلنا إلى حقن دماء شعبنا وتلبية مطالبنا، بينما تساقط عدد من براميل الأسد المتفجرة خلال أشهر الهدنة القليلة الماضية، التي افترض القرار الدولي الذي أقرها أنها المدخل إلى وقف إطلاق نار دائم، يعادل كل ما تساقط خلال الأعوام السابقة لها؟.

بعد هذا كله، يطالبني الأستاذ ببراهين على أن التمسك بتطبيق جنيف والقرارات الدولية أفضل من خطة راند، وإن سورية الديمقراطية الموحدة دولة ومجتمعا أفضل من دولة البايادا ودولة الأسد ودولتي الجيش الحر شمال وجنوب سورية، المحتلتين بدورهما، ومن  دولة "داعش" التي سيوضع ما يحرر من أراضيها تحت وصاية أممية!.

عن الكاتب

ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس