عبد القادر سلفي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

بعد كل هذه التطورات على الساحة السورية وتعاظم قوة تنظيم الدولة الاسلامية، فاننا نقدم على مرحلة جديدة من المباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

يبدوا أن الولايات المتحدة متشوّقة للزّج بتركيا في الحرب ضدّ تنظيم داعش. يريدون القضاء على هذا التنظيم من دون أن يقحموا بجندي أمريكي في هذا الحرب. فهم يخطّطون للقصف عن طريق الطائرات والصواريخ البعيدة المدى، ويزجّون بجنود دول المنطقة برّيا بقيادة تركيّة.

إنّ القيادة التركية في أنقرة ليست غافلة عن هذه اللعبة. فهذه ليست المرة الأولى التي نفاوض فيها الأمريكان. فقد بتنا نعلم أسلوب الأمريكيين في المباحثات. فهم يطلبون دائما من دون أن يقدّموا شيئا للطّرف الأخر. فعلى سبيل المثال:

قبيل شنّ الولايات المتّحدة الأمريكية حربها على العراق سنة 2003، جلسوا على طاولة المفاوضات مع تركيا وبحوزتهم لائحة مطالب طويلة. فقد طلبوا من الحكومة التركية آنذاك السّماح للقوات الأمريكية باستخدام مطارات كل من محافظات ( أفيون، أضنة، باتمان، مالاطيا، أرزوروم، أرزينجان، دياربكر، ماردين، موش، غازي عنتاب ومطار صبيحة كوكشان) للأغراض العسكريّة. كما طلبوا استخدام موانئ اسكندرون ومرسين وازمير لنفس الغرض.

ولم تقتصر المطالب الأمريكية عند هذا الحد، بل طالبت الإدارة الأمريكية آنذاك بفتح مراكز تخطيط ودعم لوجستي لقواتها البرّية في منطقة "ميديت" التّابعة لولاية ماردين جنوب البلاد. وطلبوا أيضا أن نفتح لطائراتهم المجال الجوي في جنوب البلاد لإجراء مناوراتهم العسكرية في هذا المجال. بالإضافة الى ذلك طالبوا بإصدار قرار ينص على عدم المساس بالجنود الأمريكان أثناء تواجدهم على الأراضي التركية حتّى في حال إخلالهم بأمن الدولة التركيّة وقوانينها.

لقد طالب الأمريكان حينها بكل شيء. لكنّهم لم يرغبوا بدخول القوّات التركية الى شمال العراق آنذاك لردع خطر تنظيم "بي كا كا" والحد من تدفّق اللاجئين الى الأراضي التركية.

وبالطبع رفض البرلمان التركي المطالب الأمريكية آنذاك. ولم يسمح للقوات الأمريكية باستخدام القواعد العسكرية من أجل شنّ عدوان على العراق.

لقد كانت القيادة التركيّة ترغب في الدّخول برّيا الى شمال العراق آنذاك. لكن الأمريكان رفضوا هذا الشيء. وبعد اتّخاذ البرلمان التركي قرار رفض المطالب الأمريكية، قامت الولايات المتّحدة بعرض ثلاثة خيارات جديدة من أجل اقناع القيادة التركية للسّماح لها باستخدام هذه القواعد. وهذه الخيارات على الشّكل التالي.

1 – السّماح للقوّات التركية بالدّخول الى مدينتي تكريت (مسقط راس صدّام حسين) و السامرّاء.

2 – السّماح للقوّات التركية بالدّخول الى محور نهر الفرات التي تضمّ المنطقة الواقعة بين جنوب بغداد وشمال الانبار والمتمثّل بمنطقتي الفلّوجة والرّمادي.

3 – السّماح للقوّات التركية بالسيطرة على منطقة الأنبار والتي تمتدّ من بغداد الى الحدود السورية.

عندما قدّمت الولايات المتّحدة هذه الخيارات للقيادة التركية، وكأنّ لسان حالها كانت تقول ( اختاروا أيّ بلاء تريدون). لأنّ هذه المناطق كانت مراكزا للمقاومة السنيّة التي قاومت القوّات الأمريكية بعد احتلالها للعراق. فلم تستطع القوّات الأمريكية حينها من اقتحام تلك المناطق التي عرضتها على القيادة التركية.

والجدير بالذكر ان القوّات الأمريكية والقوّات المتحالفة معها آنذاك عقدة مؤتمرا في بولونيا للتباحث في موضوع وتفاصيل الغزو. ولم يقوموا حينها بدعوة تركيا للمشاركة في هذا المؤتمر. لكن بعد أن رفضت كافة الدّول المتحالفة اقتحام هذه المناطق برّيا، قامت الولايات المتّحدة بعرضها على تركيّا.

الولايات المتّحدة الأمريكية تحاول في هذه الأيام تكرار سيناريو 2003. لكن هذه المرّة في سوريا. فهناك بلاء جديد اسمه تنظيم الدّولة الاسلامية. حيث ترغب الولايات المتّحدة اقحام القوّات التركية في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش. وينفرد الانكليز بالمناطق الغنيّة بالبترول.

أعتقد أن الأمريكان خطّطوا لايقاع تركيا في مستنقع المواجهة مع تنظيم داعش منذ عام 2002.

خلال فترة الاحتلال الأمريكي كانت تركيا ترغب في الدّخول الى شمال العراق للحدّ من خطورة تنظيم بي كا كا وللحدّ من تدفّق اللاجئين الى الأراضي التركية. لكن الأمريكان رفضوا ذلك ولم يسمحوا للقوّات التركية بالدخول الى تلك المنطقة.

واليوم نرى أن القيادة التركيّة هي التي تبادر بالطّلب. حيث تصرّ على اقامة مناطق آمنة في الدّاخل السوري، كما تطلب من التّحالف تحديد مناطق حظر للطّيران الأسدي، كي تشارك في التّحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش. أمّا فيما يخصّ الشأن العراقي، فقد طلبت الحكومة التركية ضرورة التمثيل العادل للعرب السنّة العراقيين في قيادة البلاد.

موقفنا واضح

اثناء عودتنا من مدينة "ملاطيا" برفقة رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، سألته عن الموقف التركي حيال الأوضاع الدّائرة في المنطقة. فأجاب عن السؤال بطرح أربعة احتمالات. وهي على الشّكل التّالي.

"الاحتمال الأول: هو الجلوس مكتوفي الأيدي. يعني أن يسحب الجميع يده من هذا الموضوع. فهذا الاحتمال يولّد مخاطر كبيرة وله عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.

الاحتمال الثاني: ان تخطط القوى العظمى التي تتحكّم بالعالم ونقعد نحن من دون أن نتدخّل في شيء. فتركيا لا تستطيع أن تقف متفرجا على ما يحدث من حولها من دون أن تتدخّل. لان هذا يؤدّي الى عزلة تركيا عن معادلات الشّرق الأوسط مستقبلا.

الاحتمال الثالث: ان تضع الدّول المتحالفة خططها وتعطي للدولة التركية مهام ووظائف ضمن هذه الخطّة. فهذا الاحتمال مرفوض أيضا. لاننا اذا كنا أكثر المتضرّرين بما يجري من حولنا، فلا يعقل أن لا نكون أصحاب القرار في حل هذه الأزمات.

الاحتمال الرابع: إنّ تركيا لديها مخاوف. كما لديها أولويّات وقدرات وامكانيّات. فتركيا تعرض أفكارها ومقترحاتها على طاولة المفاوضات وتنظر الى أفكار ومقترحات الدّول المتحالفة وبعد ذلك نحاول أن نجد الحل المناسب لهذه الأزمات. والاحتمال الرابع هوالأساس الذي نبني عليه مفاوضاتنا مع الولايات المتّحدة الأمريكية حيال أزمات المنطقة بأكملها.

فالمسائل التي تنفق حولها مع الأمريكان، نتّخذ خطوات مشتركة لحلّها. أمّا الأمور التي لا نستطيع أن نتفاهم عليها، فإننا نتّخذ اجراءاتنا بموجب أولويّانتا ومقتضيات مصالحنا الوطنيّة"

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس