ترك برس

لم تعر الحكومات التركية التي سبقت فترة حكم حزب الوطن الأم (1983 ـ 1991)، اهتمامًا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة جنوب شرق تركيا، مما أدى إلى انتشار الجهل والفقر والسخط الشعبي على الحكومة، وأخيرًا ظهور تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي.

ويرى الكاتب التركي محرم صاري كايا أن حملات النهوض الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالإقليم ظهرت إبان حكم حزب الوطن الأم برئاسة تورغوت أوزال، فعلى الرغم من الحزم الاستثمارية المتعددة التي تم اعتمادها من قبل الحكومات المتتالية، إلا أنه لم يتم حل مشاكل المنطقة بشكل جذري، وهنا يجدر التساؤل عما إذا كانت الحزمة الأخيرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء بن علي يلدرم كفيلة بإنهاء معاناة الإقليم؟

في إجابة على التساؤل أعلاه، يؤكّد صاري كايا على أن بعض النقاط التي احتوتها الحزمة الأخيرة تدل على أنها ستكون أكثر عمليةً من الحزم السابقة التي ظهرت بأسماء متعددة مثل "حزمة خطة جنوب الأناضول العملية"، و"خطة مكافحة الإرهاب"، و"خطة الشفقة" و"التعبئة الأخوية".

وأشار صاري كايا في مقاله بصحيفة خبر ترك "المفاجأة قادمة"، فإن شمولية الحزمة الأخيرة لجميع القطاعات الاقتصادية: الحيوانية، والزراعية، والصناعية، والتجارية، وتزامنها مع مكافحة الإرهاب عسكريًا وحملات توعوية اجتماعية تهدف إلى استيعاب أهالي المنطقة بكافة الوسائل والسبل بعد تجاهلهم لعقود طويلة، يتضح في الأفق أن احتمالية نجاحها كبيرة.

ورأى صاري كايا أن نجاح الحزمة منوط بالمتابعة الصارمة من قبل الحكومة، حيث يجب على الحكومة عدم الاكتفاء بتكليف فريق من البيروقراطيين بتنفيذ المشروع، بل عليها أن تنفذ وتتابعة الخطة عبر موكل حكومي رفيع المستوى.

ونقل صاري كايا الذي رافق رئيس الوزراء التركي في رحلته إلى مدينة ديار بكر، حديثه مع المهندس الأول لحزمة الاستثمار لطفي ألوان وزير التنمية التركي الذي أكّد له أن الكثير من أهالي المنطقة رحلوا منها مضطرين لعدم وجود مقومات الاستثمار اللازمة من تمويل وتوجيه حكومي وغيره، وكان هذا بالطبع إهمالًا من الحكومات السابقة للمنطقة التي تملك إمكانيات للتحول إلى جنة زراعية لو تم الاهتمام بها بشكل جيد.

وبيّن ألوان أن الحكومة التركية مُلزمة بدعم هذه المنطقة، وسيتم متابعة عمليات التمويل والاستثمار من قبل البنك التنموي التابع للحكومة. ووفقًا للخطة، سيتم تسليم مبنى المصنع الجاهز والمكائن للمستثمرين الراغبين دون أي مقابل، كما سيتم تقديم قروض للراغبين بفوائد أقل بثمان نقاط من القروض الأخرى.

وأضاف أن الحكومة ستقدم قروضًا لم يرغب ببناء مصنعه بنفسه وحسب المعايير التي يراها مناسبة، وستبذل الحكومة جهودًا حثيثة لتوفير الأمن للمناطق الصناعية والمشاريع الاستثمارية في المنطقة.

وعن عملية السلام المرتقبة، صرح رئيس الوزراء التركي في مؤتمره الصحفي في ديار بكر، أن عملية السلام لن تبدأ إلا بعد إتمام قوات الأمن سيطرتها الكاملة على كل زاوية من زوايا المنطقة، مشددًا على أن الجيش التركي لن يتراجع قيد أُنملة في استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني ومن يشد إزرهم في كل مكان وزمان.

وأشار يلدرم إلى أن العمليات العسكرية ضد الإرهابيين تسير بدعم شعبي واسع، مبينًا أن شركات الإحصاء أظهرت أن 78% من الشعب يؤيد عملية جرابلس، و91% يدعم الحرب ضد "إرهابيي الكيان الموازي" و56% يساندون الحكومة في حربها ضد عناصر حزب العمال الكردستاني.

وألمح رئيس الوزراء إلى أن المشاريع الاستثمارية المرتقب تنفيذها في جنوب شرق تركيا، نابعة من حاجة حقيقية للحيلولة دون لجوء الشباب العاطل والمحروم من حقوقه الاجتماعية إلى أحضان حزب العمال الكردستاني، والحقيقة هي أن الحكومة مُلزمة بتوفير الخدمات لهذا الإقليم الذي يعتبر أحد أضلاع الهلال الخصيب.

واستشهد رئيس الوزراء خلال حديثه بالتجربة الإنجليزية والإسبانية والكولومبية، مشيرًا إلى أن هذه الدول اتبعت أسلوب التأهيل الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والثقافي للمناطق التي تعاني من احتضان الإرهابيين، ونجحت بعضها في إقناع المنظمات الإرهابية بتوقيع اتفاقيات السلام، والبعض الآخر تمكن من كسب قلوب الجماهير التي اجتثت العناصر الإرهابية من مجالسها ومناطقها.

الجدير بالذكر أن الحكومة التركية أعلنت في شباط/ فبراير من العام الجاري، على لسان رئيس الوزراء السابق أحمد دواد أوغلو، أنها عازمة على تنفيذ "الخطة الرئيسية" لحل المشكلة الكردية في تركيا، كبديل لعملية السلام المبنية على التفاوض مع حزب العمال الكردستاني، موضحةً أن الخطة ستشمل تأهيل المناطق ذات الكثافة الكردية اقتصاديًا واجتماعيًا، وبذلك تُعد الباقة الاستثمارية الأخيرة أحد أذرع خطة الحكومة التركية لإحلال السلام في تلك المناطق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!