أوكتاي يلماز - أخبار تركيا

اهتمام دولي غير طبيعي بما يجري من تطورات في مدينة عين العرب السورية التي باتت تعرف باسمها الكردي “كوباني”  حيث محاولات حثيثة لخلق أسطورة مقاومة في هذه المدينة!

تساؤلات تثار حول المدن السورية والعراقية العديدة التي سقطت بأيدي التنظيم نفسه من قبل وحصلت فيها مجازر ولم تشهد هذا الاهتمام! في الحقيقة أن مدينة كوباني التي يثار حولها كل هذا الضجيج، لم يبق فيها مدنيون يُخشى عليهم المجازر!  كل من فيها مقاتلون من داعش والأكراد، أما المدنيون فقد لجؤوا إلى تركيا حيث يتمتعون فيها  بالأمن والرعاية.

طبعا لا نسعى إلى التقليل من أهمية مدينة كوباني بالنسبة إلى الأكراد وهي فعلا مهمة لهم حيث إنها إحدى ثلاثة كانتونات أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية من جانب واحد وهي تتوسط منطقتي القامشلي وعفرين اللتين يسيطر عليهما الحزب. استيلاء تنظيم الدولة على المدينة يعني إضعاف التواصل بين المناطق الكردية ومن ثم إفشال مطامع حزب الاتحاد في إقامة إقليم كردي شبه مستقل في شمال سورية على غرار إقليم كردستاني في شمال العراق.

وبالنسبة إلى داعش فإن السيطرة على هذه المنطقة تعتبر مكسباً إستراتيجياً له، حيث يمكنه ذلك من إخضاع مناطق واسعة تمتد من مدينة حلب السورية إلى بغداد العراقية، فضلا عن موقع تلك المدينة الذهبي كبوابة عبور نحو الخارج.

أما تركيا فإن سيطرة داعش على تلك المناطق المتاخمة لحدودها، تضعها أمام تحديات صعبة، أهمها إثارة أكراد تركيا ضد الحكومة التركية، وهو ما حدث بالفعل، ونجحت محاولات إثارة الفتنة في اندلاع أعمال شغب وتخريب واسعة في العديد من المدن التركية تحت شعار التظاهر وحث الحكومة على التدخل العسكري في “كوباني”.

أعمال الشغب تلك التي أججتها دعوات بعض الساسة الأكراد وقيادات المعارضة التركية، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الأكراد بأيدي أكراد آخرين، فحزب العمال “بي كا كا الإرهابي” هاجم بالفعل عناصر تنظيمات كردية أخرى ما تسبب بسقوط هؤلاء القتلى، فضلا عن أعمال التخريب الواسعة التي طالت الممتلكات العامة والخاصة والمدارس والأبنية الحكومية وغير الحكومية، كما تطور الأمر إلى استشهاد ضابطين من الشرطة التركية إثر تعرضهما لإطلاق النار من قبل عناصر تنظيم  الـ “بي كا كا” الإرهابي.

وقد سارع قادة بعض التنظيمات الكردية إلى الربط بين تدخل تركيا في “كوباني” وعملية السلام الداخلي التي أعلنتها الحكومة التركية منذ سنوات وباتت تحصد نتائجها خلال الفترة الأخيرة.

إنها فرصة لزعزعة استقرار تركيا وحكومتها، هكذا رأت بعض قيادات الأكراد وقيادات المعارضة في أحداث “كوباني”، فسارعوا بنشر الإشاعات والادعاءات مدعومين بوسائل الإعلام الغربية إضافة إلى إعلام النظام السوري وحلفائه، وباتت هذه المنظومة تبث ليل نهار دعايتها في عقول المواطنين الأكراد.

وأول المزاعم، ما أشاعته عن قيام تركيا بغض الطرف عن تنظيم داعش وممارساته في المدن السورية، بل إن الإشاعات وصلت إلى الترويج بقيام تركيا بدعم التنظيم بالمال والسلاح.

ولم ينتبه كل هؤلاء إلى أن داعش يمثل الكثير من المخاطر على تركيا، فسيطرة التنظيم على المناطق الحدودية يعتبر في حد ذاته عنصر تهديد لأمن واستقرار البلاد خاصة أن تركيا قد تضطر في وقت ما إلى مواجهته عسكريا.

كما أن سيطرة داعش على تلك المناطق، يسبب لتركيا الكثير من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترافقة مع موجات النزوح الجماعي للاجئين متعددي  الطوائف  والإثنيات والأعراق.

وهناك عامل آخر يمثل الدليل الأكبر على الاختلاف المنهجي بين تركيا وداعش، ففكر التنظيم قائم على السلفية الجهادية، بينما المنهج الإسلامي التركي يقوم على الصوفية المعتدلة، وهذا المنهج تحديدا يتهمة داعش بالكفر والضلال.

وماذا فعلت تركيا لـ “كوباني”؟

تركيا لم تقصر في واجباتها والتزاماتها تجاه الشعب السوري عامة وسكان مدينة عين العرب “كوباني”، ولكن الهجمة الإعلامية الشرسة ضدها غطت على كل ما قامت به، فهي على سبيل المثال لا الحصر:

-        استقبلت جميع من لجأ اليها من أهل كوباني وما حولها أكراداً وغير أكراد، حيث وصل عدد من دخل الأراضي التركية خلال أقل من أسبوعين إلى نحو مئتي ألف لاجئ، وهي لم تكتف باستقبالهم وحسب، بل وفرت لهم المأوى والمأكل والمشرب وحتى الملبس، وهي بذلك قد تبعت سياسة الباب المفتوح تجاه كل لاجئ يطرق بابها، ما جعل عدد اللاجئين السوريين بمختلف أطيافهم وطوائفهم ودياناتهم بصفة عامة يصل في تركيا إلى أكثر من مليوني لاجئ، كلفوها حتى الآن أكثر من 4.5 مليارات دولار، في وقت وقف العالم فيه موقف المشاهد.

-       فتحت ممرا إنسانيا لإيصال المساعدات من تركيا إلى داخل مدينة كوباني نفسها، وأرسلت حتى الآن أكثر من 600 شاحنة للمتضررين من سكان المدينة.

-       استقبلت نحو 600 مصاب كردي لعلاجهم في المستشفيات التركية.

لماذا ترفض تركيا التدخل العسكري؟

هناك محاولات مستميتة ومستمرة للزج بتركيا في أتون الأزمة السورية منذ بدايتها، وها هي أنقرة الآن تُطالب بالتدخل العسكري في مدينة عين العرب “كوباني”، أو مساعدة عناصر تنظيم “بي كا كا” الإرهابي ونسخته السورية “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” في قتالهما ضد داعش.

مهما تكن الضغوط فموقف أنقرة واضح وصريح من محاولات جرها للحرب، فهي أكدت أنها لن تدخل في حرب من طرف واحد دون مشاركة دولية ووفقا، ولن توافق على أي حلول جزئية لا تشمل إطاحة النظام السوري الذي يقف وراء كل هذه الكوارث.

كذلك مطالبة تركيا بمساعدة تنظيم “بي كا كا” الإرهابي مفارقة تثير السخرية والعجب، فكيف لتركيا التي عانت الأمرين من ذلك التنظيم الذي قتل وشرد وجرح آلاف الأتراك وهدد أمن واستقرار تركيا وما زال من خلال عملياته الإرهابية المستمرة، كيف لها أن تضع يدها في يده فقط لمجرد الانصياع لضغوط خارجية قبل أن تكون داخلية.

كما أن مطالبة تركيا بمساندة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية غير منطقية ، فهذا الحزب يعد النسخة السورية من تنظيم “بي كا كا” الإرهابي، كما أنه مازال يحافظ على علاقاته بالنظام السوري ويتجنب العمل مع المعارضة السورية المعتدلة.

تارة يتهمون تركيا بدعم التنظيمات الإرهابية، وتارة يطالبونها بوضع يدها في يد التنظيمات الإرهابية، ولا ضير أن يدعونها إلى مخالفة كافة الأعراف والمواثيق الدولية بالحرب لمصلحة طرف ضد طرف في دولة أخرى، ولا مانع من الزج بها في أي أزمة أو كارثة طالما ستؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرارها وأمنها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس