ترك برس

وصف المؤرخ التركي المرموق "كمال كاربات" انتصار الإرادة الشعبية التركية على محاولة الانقلاب بأنه نعمة فريدة، موضحًا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى منصبه بفضل سواعد الشعب، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة عصره بعصر السلطان عبد الحميد الذي وصل إلى العرش بواقع معادلة التحصيل الحاصل.

يتساوى عمر البروفسور الدكتور المؤرخ "كمال كاربات" مع عمر الجمهورية التركية، ويُصنف على أنه من أبرز المؤرخين وأعلمهم بتاريخ تركيا والإمبراطورية العثمانية. نشر عددًا كبيرًا من الكتب، وصُنف كتابه "تسييس الإسلام" الذي نُشر عام 2004 بأنه أفضل الكتب التي تناولت عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

عبر كاربات أكثر من مرة عن شكواه من ضعف الوعي التاريخي السياسي في تركيا والشعوب الشرقية بشكل عام، واصفًا المقارنات التي تتم بين عبد الحميد الثاني والرئيس أردوغان بالركيكة والمُسيسة.

وفي حديثه مع موقع الجزيرة ترك، قال كاربات إن السلطان عبد الحميد الثاني تعرض للكثير من الإهانات التاريخية، إلا أنه عاد مؤخرًا كالنجم اللامع المسيطر على المواضيع التاريخية السياسية، مشيرًا إلى أن نسيانه لفترة ومن ثم إعلاء شأنه يدل على قدر الجهل بالتاريخ الموجود داخل المجتمع، متسائلًا كيف تكون شخصية تاريخية "حقيرة" في فترة زمنية معينة ومن ثم تصبح شخصية "بطولية" في فترة زمنية أخرى؟

وأضاف أن المجتمع التركي يتحرك وفقًا للعواطف وليس وفقًا للمعطيات التاريخية الراسخة، وما سلف ذكره أكبر دليل على ذلك، موضحًا أن السلطان عبد الحميد صُوّر على أنه شخصية تاريخية سيئة من قبل الفئة التي عزلته عام 1909 ومن ثم من قبل الكماليين، وبالتالي تأثر المجتمع من هذا التصوير.

وكتقييم موضوعي لشخصية عبد الحميد، أشار كاربات إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني من أبرز الشخصيات السياسية العثمانية، كان يتصرف وفقًا لما اقتضته الظروف آنذاك، مؤكّدًا أن فهم شخصية عبد الحميد وعصره غير ممكن إلا من خلال دراسة الظروف الداخلية والخارجية التي كانت موجودة حينذاك.

وفيما يتعلق بالظروف الداخلية المحيطة بعصر عبد الحميد الثاني، نوّه كاربات إلى أن البيروقراطية بدأت بالسيطرة على مقاليد الحكم بعد عصر "التنظيمات"، وبالأخص وزارة الخارجية التي أصبحت تشكل الإطار العام للسياسة الخارجية للدولة العثمانية أكثر من السلطان نفسه، موضحًا أن السلطان عبد العزيز، عم السلطان عبد الحميد، حاول استعادة سلطته من البيروقراطية ولكن تم عزله ومن ثم تم اغتياله، ليحل محله السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876، ليحاول بعد ذلك استعادة السلطة ببطء وحذر.

أما فيما يتعلق بالظروف الخارجية، فقد أوضح كاربات أنها كانت سيئةً جدًا، إذ اندلعت حرب البلقان عام 1877 واستمرت حتى عام 1878، الأمر الذي هزّ أركان الجيش العثماني المُنهك أصلًا بسبب دفع التعويضات للإمبراطورية الروسية، مضيفًا أن الدولة العثمانية خسرت مساحات واسعة من البلقان جراء تلك الحرب، وكل ذلك يناط بالسلطان عبد الحميد الثاني، إلا أن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فالسلطان عبد الحميد تولى مقاليد الحكم عام 1876، وأعقب توليه إعلان القانون الأساسي "الدستور" الذي ظنّ معدوه أنهم بذلك سيصدّون الأطماع الغربية عن الدولة العثمانية، ولكن ذلك لم يحدث، وليس لعبد الحميد دورٌ في حرب البلقان التي ظهرت للسطح بإعلان صربيا ومملكة الجبل الأسود ورومانيا وبلغاريا الحرب فجأةً على الدولة العثمانية التي تعيش على وقع الاحتدام الصامت بين السلطان الذي يسعى لإرجاع سلطته والبيروقراطية التي تسعى للحفاظ على سلطتها.

وألمح كاربات إلى أن الحرب اندلعت في وقت لم يكن السلطان عبد الحميد يمسك فيه بكافة زمام الحكم بعد، مشيرًا إلى أن البيروقراطية والباحثين والقوميين وغيرهم كانوا يتنازعون على مناصب الدولة، وفي ظل هذه الفوضى ما الذي يستطيع السلطان عبد الحميد الجديد على الحكم فعله لصد حرب البلقان؟

أما بشأن ما يُقال عن تسليم السلطان عبد الحميد الثاني قبرص للإنجليز، يرد كاربات على ذلك بقوله إن السلطان عبد الحميد اضطر لذلك في إطار التحالف مع الإنجليز لصد الهجمات الروسية التي توالت منذ تسلمه مقاليد الحكم وحتى عزله عنها.

وأضاف كاربات متسائلًا: كيف يمكن مقارنة عصر مليء بالحروب مثل عصر عبد الحميد، بعصر مليء بالتهديدات مثل عصر أردوغان، التي مهما تعاظمت لن تصل إلى حدة المخاطر التي تشكلها الحروب المستمرة؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!