د. سامي العريان - خاص ترك برس

من الواضح ان الذين يكتبون ويعلقون على قانون "الجاستا" يجهلون تماما تاريخ هذا القانون ولا يعرفون الكثير عن النظام السياسي والقضائي الأمريكي. ولا أدري لماذا هذه المحاولات للتقليل من شأن وفاعلية القانون؟ هل هو "للحس" التهديد السعودي بسحب أو التخفيض من الأرصدة والتي تقدر بأكثر من 750 مليار دولار.

ليس صحيحا على الإطلاق أن إيران هي المقصودة بهذا القانون لسبب بسيط هو أن أي دولة أو منظمة على قائمة إلارهاب يمكن مقاضاتها أصلا في المحاكم الأمريكية بدون هذا القانون وهذه الحالة واقعة منذ عشرات السنين. وللعلم هناك أحكام صدرت ضد إيران وصلت إلى أكثر من 46 مليار دولار، ولقد قامت الحكومة الأمريكية بمصادرة مبنيين قبل عدة أعوام بقيمة تقدر بأكثر من 2 بليون دولار.

هاتان البنايتان كانتا للشاه وأعطيتا لإيران كجزء من اتفاقية تسليم الرهائن عام 1981 بشرط ألا تبيعهم إيران ولا تحوّل عوائدهم خارج أمريكا. وغير صحيح بالمطلق الخبر​الذي يقول​ إن الرئيس الأمريكي أو حتى الكونجرس لهما القدرة على الاعتراض على حكم أي محكمة حتى لو كانت الأحكام ضدهم. 

الأحكام القضائية في أمريكا  بعد الاستئناف نهائية. يمكن فقط تغيير القانون من قبل الكونجرس بشرط عدم تناقضه مع الدستور (ولكن هذا التغيير لا يستطيع إيقاف أو إلغاء أية أحكام صدرت سابقة على إلغائه وإنما ينهي فقط أي أحكام مستقبلية). ذكرت بعض المقالات أن قانون "الجاستا"  تغير بعد اعتراض الرئيس الأمريكي عليه​ وأصبح بلا أنياب. هذا القول أيضا خاطئ ومضلل. ليس صحيحا أن الرئيس أو وزيري الخارجية والعدل قادرون على تعطيل أو إيقاف العمل بالقانون. الصحيح أن القانون يعطي الحق لأي متضرر من أعمال إرهابية (كما تعرّفها الحكومة الأمريكية) بمقاضاة أي دولة أو شخصية عامّة حتى ولم تكن على قائمة الإرهاب. لقد كان هناك المئات من القضايا التي رفعت ضد السعودية منذ أحداث أيلول 2001 ولكن الغالبية العظمى منها أسقطت بفضل قانون ​صدرعام ​1976​ و​الذي يحمي مقاضاة الدول التي ليست على قائمة الإرهاب أو في حالة حرب (إيران، السودان، سورية، منظمة التحرير ومنظمات أخرى. بالمناسبة هذه الدول والمنظمات باستثناء سورية عليها أحكام بعشرات المليارات.)​

لذا لا بد ألاّ يكون هناك أدنى شك أن المقصود الأول في هذا القانون هو السعودية وما تمتلكه من أرصدة واستثمارات في الولايات المتحدة. ثانيا، ما يتيحه القانون لوزير الخارجية هو أن يطلب من القاضي إيقاف العمل بنتائج الحكم (أي في حال حكم المحلفين بإدانة الدولة وقبول القاضي لهذا الحكم) لمدة 6 شهور حتى تتفاوض الحكومة الأمريكية مع الدولة التي قد يحكم القاضي ضدها والوصول إلى تسوية بدلا من صدور حكم بالاستيلاء على الأرصدة كما حدث مع إيران وهذا الأمر أيضا خاضع لموافقة القاضي. القانون أيضا يسمح لوزير العدل أن يطلب من القاضي 6 أشهر إضافية بعد أن يقرر القاضي أن المفاوضات مع الحكومة المعنية جادة. بعد انقضاء السنة علي التفاوض سيكون الحكم نهائيا مع العلم أن المتضرر يحق له الإستئناف. الاستئناف الفيدرالي في أمريكا درجة واحدة ثم يمكن بعدها رفع القضية إلى المحكمة الدستورية العليا التي تقبل أقل من 100 قضية سنويا من بين آلاف القضايا المقدمة لها.

أي أن قبولها لأي قضية من هذا النوع هو شبه معدوم. كما يجب أيضا فهم طبيعة النظام القضائي الأمريكي. الذي يحدد إدانة المدعى عليه ليس القاضي أو الحكومة الأمريكية (بل إن الحكومة الأمريكية لن تكون طرفا أصلا في أي من هذه القضايا والتي تعتبر قضايا حق مدني بين طرفين ليست الحكومة الأمريكية إحداهما.) الذي يقرر الإدانة من عدمها في هذه القضايا هو 12 شخص من عامة المواطنين قد يكونون أصلا متعاطفين مع الضحايا (بدلا من حكومات أجنبية) ولا تهمهم أي انعكاسات سياسية أو نتائج سلبية نتيجة قرارهم. أما القول إن اليابان وفيتنام وغيرهما سيقومون بتشريع قوانين ضد أمريكا مثل هذا القانون هو أيضا مضلل لأن هذه الدول ليست هي المعنية بالقانون ولأن مصالحها الاقتصادية والأمنية مع أمريكا لن تجعلها تتخذها أصلا.

الملخص:

1) ​ستكون هناك آلاف القضايا المقدمة للمحاكم الأمريكية ضد السعودية كحكومة وعائلة حاكمة وأمراء.

​​2) للدفاع عن أنفسهم ستضطر الحكومة والعائلة والأمراء أن يدفعوا عشرات إن لم يكن مئات الملايين من الدولارات كمصاريف لفرق المحامين (والتعويضات بالبلايين​ في حالة الإدانة).

​3) ​كما ذكرت آنفا ليس مهما في القانون الأمريكي أن يكون المتهمون أبرياء. المهم إقناع 12 شخص ببراءة أو إدانة المتهمين، والبراءة​ ستكون صعبة إذ أن الأمر يختص بأحداث سبتمبر وفي ولاية نيويورك تحديدا.

​4) ستستخدم هذه القضايا كمحاولات لابتزاز الحكومة السعودية طالما أن لها مئات البلايين كأرصدة واستثمارات. [ملاحظة: كل متضرر من عمليات أيلول 2001 أخذ من الحكومة الأمريكية منذ أكثر من عشر سنوات ما بين 2 مليون دولار (إذا كان جريحا) إلى أكثر من 10 مليون دولار (لعائلته اذا كان قتيلا)].

 5) معظم الدوائر الصهيونية وكل المنظمات المعادية للعرب والمسلمين في أمريكا وقفت مع هذا القانون ودعمته بقوة لأهداف سياسية وإيدولوجية لا تخفى على أحد. كما أن أعضاء الكونغرس المدافعين بشدة عن هذا القانون ذكروا أنهم غير عابئين برد فعل سعودي قوي لأن في رأيهم أن السعودية لن تقوم بسحب أية أرصدة لكونها بحاجة إلى الحماية الأمريكية كما أن أمريكا يمكنها ان تثير العديد من المشاكل للسعودية في حال أقدمت الأخيرة على أي رد من شأنه أن يؤثر سلبيا على الاقتصاد أو السوق أو السياسة الأمريكية.

إن التحدي الحقيقي هو: ​هل الحكومة السعودية لديها الإرادة والقدرة على مواجهة هذا التحدي وتنفيذ التهديد الذي أعلنته قبل صدور القانون؟

إن الرد الوحيد على هذا القانون لمآلاته الكارثية هو في بدء الحكومة السعودية بسحب الأرصدة والاستثمارات، ليس بالضرورة كل شئ ومرة واحدة. ولكن لتبدأ الحكومة بسحب 3-5% كل شهر حتى يتم إلغاء القانون. في هذه الحالة فقط ستكون هناك ضغوط هائلة من الشركات وبيوت المال والاستثمار لالغاء القانون. وعليه فإنني أؤكد أن إمكانية الغائه ستكون عالية جداّ حينها خصوصا في وسط أوضاع اقتصادية غير مستقرة وفي سنة غير انتخابية. أما إذا لم يحدث ذلك فأؤكد أيضا أن القضايا المقدمة ضد السعودية والعائلة الحاكمة ستكون بالمئات أو الآلاف ومن المؤكد أن بعضها سيكون رابحا في المحاكم وعندها ستصدر أحكاما بعشرات ان لم تكن مئات البلايين والخاسر وقتها لن تكن فقط الحكومات ولكن أيضا الشعوب المقهورة والتي ليس لها من أمرها وثرواتها المنهوبة شيئا.

الخوف أن الابتزاز الواضح والمفضوح سيؤدي إلى نتيجة سيئة وهي الانبطاح الكامل بأن تقنع الدوائر الأمريكية الحكومة السعودية بدفع تعويضات قد تصل إلى 100 بليون دولار بدلا من مواجهة الآف القضايا في المحاكم. الشعوب التي تملك إرادتها وتحترم نفسها قطعا لا يمكن أن تخضع لمثل هذا الابتزاز الرخيص. نأمل من الشعب السعودي أن يطالب صاحب القرار بالدفاع عن كرامته ومصالحه وأن يعبر بحق عن إرادته ولا يخضع للابتزاز وأساليبه المفضوحة.

عن الكاتب

د. سامي العريان

أكاديمي فلسطيني ومفكر


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس