بكر هازار - صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس

"أهلاً وسهلاً يا أخي في الدين"، هكذا خاطبه السيد أحمد حمدي باشا. فلقد استقبل أهل اليمن هذا الضيف الآتي من بعيدٍ بحرارة ودفء. وكانوا ينادونه بــ "أخونا المسلم عبدالله منصور". ولا ينفكون عن خوض النقاشات الدينية الساخنة معه حتى الصباح. بعربيته الخارقة بدا عبدالله منصور عالماً إسلامياً بكل ما للكلمة من معنى!، والجميع استمعوا له بدهشة وتعجب. لكنه لم يكن في الحقيقة سوى جاسوس تابع للمخابرات الإنجليزية، واسمه الحقيقي (ويمان بوري). هذا الجاسوس لم يترك مكانا في الشرق الأوسط لم يدخله تحت اسم (عبدالله منصور)، ومن الأماكن التي زارها أرسل آلاف التقارير إلى لندن، فعلى سبيل المثال، كتب مرة إلى الملكة من الحجاز ليُخبِرها عن أولئك الذين ظنوه شيخاً: "إن الذين يشعرون هنا بعدم الارتياح اتجاه إسطنبول كثيرون، وعلينا الاستفادة من هذا الأمر"، وهو صاحب كتاب "انزعاج العربية السعودية".

وهناك شخص آخر تعلم العربية في أوكسفورد، والفارسية في الهند، كما تعلم الإسلام على أيدي عدد من علماء المسلمين. وكان يتحدث 25 لغة، كما يتحدث لغته الأم، ومن ضمنها التركية. اندس بين مسلمي السند مرتدياً ثياباً أفغانية. واختتن بعمر الثلاثين. ولم يترك دولة مسلمة إلا وذهب إليها من مكة وحتى صحارى أفريقيا. وكان يقوم بشرح الإسلام في تلك الأماكن التي ذهب إليها. إنه السير ريتشارد فرانسيس بورتون. ولشدة حذره واحتياطه كان يتبع سنة النبي في كل ما يفعل. فهو أحد رجالات المخابرات العسكرية الإنكليزية الذين كانوا يرسلون تقارير بكل ما يرونه إلى الملكة.

أنتم تعرفون لورانس جيداً، فلا داعٍ لنشرح لكم عنه.

ونذكر أيضاً في معرض حديثنا الجاسوس الإنجليزي كيم بيلبي الذي كتب في مذكراته: "لقد كنا نحن من نفذ العمليات في الساحل الأحمر على البوسفور في إسطنبول"، كان أيضاً شاهداً على التاريخ في الخيمة التي رُسمت فيها خريطة الشرق الأوسط. فقد كان المستشار الخاص للرجل الذي سيُعلن ملكاً على الأردن فيما بعد. أما الشخص الذي قام برسم تلك الخريطة ووضعها أمام المنتظرين بلهفة فهو السير (بيرسي كوكس). وفيما بعد قام ذلك الرجل بتوبيخ الشخص الذي سيصبح ملك السعودية، وهو يصرخ في خيمة الخريطة تلك قائلاً: "أنا جاهز لافتداء بريطانيا بكل شيء"، في حين أنه كان ينظر إلى الرجل الذي سيحكم الكويت بعين الرضا ولسان حاله يقول: "أحسنت صنعاً يا بني"، وذلك لإعلانه ارتباطه بــ (إنكلترا). لقد وصل بناء الشرق الأوسط إلى ما هو عليه اليوم نتيجة ما أعطاه السير بيرسي كوكس -الجاسوس الانكليزي- من دروس في جامعة الأزهر في القاهرة لمدة عشر سنوات كاملة. ولم يكن ذلك سهلاً، فبهذه الطريقة فقط يمكن امتلاك القدرة لرسم الخرائط على أرض الواقع. وكم من جاسوس إنكليزي -مختون وغير مختون- جعل الناس يركضون خلفه لظنهم أنه عالم إسلامي كبير، فيقوم بنشر أفكاره في كل مكان وطأه.

في لوزان لم نستطع التفاهم حول موضوع الموصل. لذلك جلسنا فيما بعد مع "الإنكليز" حول طاولة واحدة في ولاية إسطنبول. ويا للغرابة! فقد كان الرجل الذي خرج لمقابلتنا كممثل لإنكلترا في مؤتمر القرن الذهبي هو السير بيرسي كوكس راسم الخرائط نفسه، والذي أعطى الدروس للمسلمين في جامعة الأزهر لمدة عشر سنوات. وفي أثناء تلك المفاوضات، كان يتمسك بقوله: "أريد هكاري وبيت الشباب أيضاً"، لذلك لم نتفق. ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن العضو الأول والأهم في فريق السيد بيرسي كوكس كانت السيدة بيل المشهورة بــ "ملكة الصحراء"، وهي جاسوسة عادت إلى لندن، بعد أن تجولت في الشرق الأوسط مرتدية اللباس الإسلامي. فبعد مقتل زوجها في تشنق قلعة، تجولت في طول البلاد وعرضها، وهي تقول: "أنا مسلمة"، وليس ذلك إلا من أجل الانتقام".

ولا يوجد داعٍ لنتحدث عن جمال الدين الأفغاني، الذي جعل الآلاف من الناس في مصر يتبعونه، بعد أن أسس طريقته الخاصة لخدمة الإنكليز. فبعد سنوات قام الرجل بالإفصاح عن أنه رئيس المحفل الماسوني في مصر.

أما اليوم فلا حاجة لأمثال السير بيرسي كوكس أو السير ريتشارد فرانسيس بورتون. فإن هناك الكثير ممن يُسمّون بــ "أحمد ومحمد" يقومون بذلك العمل على أكمل وجه، ويتبعون كل من يقول: "أنا أأتمر بأمر الغرب". وهم يقومون الآن بقصف الشعب التركي بالمروحيات والطائرات الحربية، في الوقت الذي يتم فيه تقسيم الموصل مرة أخرى، ورسم الخرائط من جديد في الشرق الأوسط."

ولنتذكر أيضاً ما كان يقوله محمود شوكت باشا في تلك الأيام: "لم علينا التحالف مع الانكليز من أجل قريتين مثل قطر والكويت". لقد أساء هذا الشخص كثيراً للسلطان عبد الحميد خان، وقام بإرسال أتباع إيمانويل كاراسو من أجل إسقاطه عن العرش، واصفاً إياه بــ "الوحش". وأنا أتساءل هنا عن الذين يتعاون معهم أحفاد إيمانويل كاراسو في تركيا اليوم.

إن السائق الذي خدم الإيمانويلجي الاتحادي محمود شوكت باشا لــ 25 سنة مظهراً التوسل والتضرع له، ذهب فيما بعد إلى القدس، ليستريح فيها بعد تقاعده، وليمارس هناك يهوديته على حائط المبكى.

ومهما كتبنا لن ننتهي من العد. فإن الخونة الذين يمارسون الإرهاب ويبيعون ويشترون ويخادعون متسترين بعباءة رجال الدين.. هم نفسهم اليوم كما البارحة. يقول جيلاس مارتين المدير العام للنشر في مجلة ماتش باريس: "إن السياسيين في أوروبا يرون بوتين وأردوغان استبداديين، لأنهما جاءا من الصفوف الدنيا للشعب. ولأنهما ما زالا يقفان في مسيرتيهما وقفة قوية بالنسبة إلى غيرهم، وهذا هو ما يزعج الآخرين". ثم يضيف: "إن القيام ببروباغاندا سوداء ضد أردوغان في الغرب لهو دليل على أنه يسير في الطريق الصحيح."

نعم إنهم قلقون لأننا أقوياء ولأننا نسير على الطريق الصحيح. ولذلك فهم حريصون على وجود أناس بيننا يأتمرون بأوامرهم ويخضعون لهم. بعضهم يلبسون لبوس الدين، وبعضهم الآخر غرلٌ من أعضاء البي كي كي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس