يغيت بولوت – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

لقد كتبت قبل عدة أشهر مقالة بعنوان "هل يتم دفع العالم الإسلامي لصراع داخلي كبير؟"، وقد نشرت عدة نقاط هامة في ذلك المقال سأعيد كتابة بعض منها هنا، فالمرحلة التي وصلنا إليها، أثبتت –للأسف- صحة بعض التنبؤات التي ذكرتها حينذاك، لكن ما يمنحنا الأمل، هو وقوف تركيا، كما في الماضي، وكما كان طيلة تاريخها العظيم، وقوفها بقوة "كمركز وحيد يسعى لإيقاف هذه الألعوبة".

أعزائي القرّاء، سأحاول مساعدتكم للإجابة على سؤال سطحي يسأله الكثيرون وهو:" لو أنّ تركيا لم تفعل ذلك لما حصل ما حصل، هل هذا صحيح؟"، أدعوكم لقراءة النقاط التالية وبعدها أعيدوا التفكير مجددا في الأحداث التي جرت وما زالت تجري. إليكم تلك النقاط:

1-    يرى " صامويل هنتنجتون" أنّ العالم عبارة عن ثلاث حضارات وهي:

·       الحضارة المسيحية-اليهودية

·       الحضارة الإسلامية

·       حضارة الشرق الأقصى-البوذية.

2-   لم تكن الفكرة الأساسية "لهنتنجتون" تتحدث عن صراع بين هذه الحضارات، وإنما كان الحديث عن صراعات داخلية في الحضارة البوذية المنغلقة على نفسها، واستمرار الصراعات الداخلية في الحضارة الإسلامية.

3-   والهدف من خلق هذه النزاعات، هو إضعاف الحضارتين البوذية والإسلامية، من أجل إبقاء سيطرة الحضارة الثالثة، وهي الحضارة الغربية، عليهما.

4-    اليوم نحن نعيش هذه التوقعات بتفاصيلها، فالذي ينظر بتمعن إلى صراع الحضارات، يرى أنّ جوهر الصراع قد بدأ فعليا في العالم الإسلامي مركز الكرة الأرضية!

5-   تحوّل العالم الإسلامي اليوم إلى مُنتج بيد الغرب، يريدون العودة به إلى ما كان عليه الوضع قبل ما يزيد عن ألف عام، فهم يحاولون اليوم إقحامه في نزاعات داخلية لا حصر لها، فبدؤوا بتشكيل المذاهب والأحزاب، وساهموا في زيادة حدة الاستقطاب بين الأطراف في العالم الإسلامي.

6-   هدفهم لا يقتصر فقط على الحرب الطائفية، فهم يريدون قدر المستطاع ضرب الحابل بالنابل، من خلال خلق حالة نزاع بين كل عناصر العالم الإسلامي، ليقسموه ويفتتوه أكثر فأكثر، بحيث يكون كل قسم جديد عدوا للقسم الآخر، ونستطيع اليوم نرى الكثير من النزاعات والصراعات التي وضعوها ضمن مخططاتهم الشمولية، بما في ذلك حرب القبائل.

7-    وهنا لا بد من ذكر نقطة هامة وهي أنّ هدفهم الرئيس من إيجاد هذه النزاعات هو خلق محورين متنازعين، وهما محور السنة-الشيعة، ومحور العرب-الأكراد. وعند النظر من هذه الناحية نرى أنّ موقف تركيا مهم جدا، فهي برغم ذلك مستمرة في عملية السلام مع الأكراد، وهذا أمر غاية في الأهمية، لأنّ تركيا كما عودتنا تقف في منتصف هذه المعادلة ولن تسمح لها بأن تحدث مهما حصل، كي تمنع أهدافها البغيضة.

أيها الأصدقاء الأعزاء، ما نراه اليوم واضح جدا، وهو أنّ الغرب يريد إدخال العالم الإسلامي في صراعات ونزاعات قد تستمر لأعوام طويلة تصل إلى 40-50 عاما، وما زال العالم الإسلامي يترنّح على مشارف هذه الهاوية التي أوجدتها الحضارة الغربية ضدنا. ولا شك أنّ أحد العوامل الهامة في تأجيج هذا النزاع والصراع، هي وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك ما يزيد عن 50 قناة على اليوتيوب، مصدرها من أقصى الغرب وحتى إسرائيل، تعمل ليل نهار من أجل الإيقاع بين المذاهب والطوائف في العالم الإسلامي، ويتم تمويلها بصورة مجنونة من الغرب، وللأسف البعض منا يدعمها ويساهم في نشرها وفي تحقيق أهدافها من خلال كتابة التعليقات التي تؤجج الصراع وتحقن القلوب.

وهناك معلومة أخرى يجب أن ندركها جميعا، وهي أنّ الإعلام الغربي أهمل ويهمل –عن قصد- كل الأحداث التي تجري في العالم الإسلامي، لهذا ترى دولا بأسرها مغيبة ولا تعلم حقيقة ما يجري في منطقتنا، وهنا لا بدّ أن نسجل لتركيا موقفها المشرّف، بوقوفها في وجه هذه الماكينة الإعلامية، والدليل على ذلك حالة الوعي والإدراك للشعب التركي لما يجري حوله على حقيقته، دون تشويش مؤثرات الإعلام الغربي.

***

النتيجة: كل من يقول "لو أن تركيا لم تفعل ذلك"، وينظر إلى الموضوع من "زاوية ضيقة"، عليه أن يحاول مشاهدة الصورة كاملة وشاملة، من أجل أن يعيد النظر في حقيقة الأحداث الجارية.

الكلمة الأخيرة: المركز الوحيد الذي بإمكانه إيقاف "الصراع الكبير" هي تركيا! لذا علينا أن نفكّر جميعا بصورة موحدة لإيجاد الطريقة الأمثل لمنع هذه الألعوبة، بدلا من توجيه الانتقادات لبعضنا البعض.

ملاحظة هامة: على كل أطياف الشعب التركي، وأجناسه وأعراقه ومذاهبه، أن يتعاملوا بحذر شديد مع أي محاولات لاستفزاز طرف لحساب طرف آخر، وعلينا دوما أن "نحسن" الظنّ بالآخرين، من أجل المحافظة على تماسكنا ووحدتنا. هذه هي القاعدة الذهبية التي ستقودنا للخروج من هذا النفق المظلم بسلام، فما علينا القيام به واضح، وهو عدم إعطاء الفرصة لأي كان، يحاول زرع بذور الفتنة والتفرقة بين أطياف شعبنا.

عن الكاتب

يغيت بولوت

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس