مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

تشهد العلاقات التركية الأوروبية مزيدا من التوتر والخلافات المتصاعدة عبرت عنها في الآونة الاخيرة تصريحاتُ الساسة الأتراك وعددٍ من قادة دول الاتحاد الأوروبي.

ملفات كثيرة يختلف الجانبان حولها ، وعلى رأسها مماطلة بروكسيل في قبول أنقرة في الاتحاد الأوروبي، حيث سئمت تركيا من الموقف المتعالي للاتحاد الأوروبي من مفاوضات انضمام تركيا بالمقارنة مع دول أخرى أقل أهمية ونفعا، كما تنتقد أنقرة دعم الاتحاد الأوروبي لحزب "بي كا كا" الإرهابي، حيث تعتبر أنقرة أن الاتحاد يقدم دعما غير محدود للمنظمة الإرهابية، كما تحمي أعضائها المتابعين قضائيا.

قال جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي :( إنه توجد متابعات قضائية ضد 4500 عضو في حزب العمال الكردستاني موجودين في ألمانيا لكن ثلاثة منهم فقط تمت إعادتهم إلى تركيا).

كما عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن صعوبة فهم المواقف الأوروبية المتناقضة، معتبرا الديمقراطية التي تدعيها بعض الدول الأوروبية محدودة وغير مكتملة، قائلا:( لا يمكننا فهم المواقف الأوروبية، فهي متناقضة، الإرهابيون يسرحون ويمرحون في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، ولا أحد يلقي لهم بالا).

و لا يفوت الرئيس التركي مناسبة إلا وانتقد فيها الاتحاد الأوروبي وأعضائه وعدد ما فيهم من أمراض وعيوب،  ومشاركته  في مراسم افتتاح مسجد "مينسك" ب "بروسيا البيضاء" نبه إلى بعضها قائلا:( إن أمراضا مثل التعصب وعدم تقبل الآخر، ورؤية من ليس منهم عدوا، تتفشى في بعض دول أوروبا مثل الوباء) .

وبعد أن شن الإعلام التركي هجوم ضخم غير مسبوق على الاتحاد الأوروبي واصفاً الدول الأوروبية بأكبر حاضنة وداعم للإرهاب الدولي تحت عنوان " أوروبا أكبر دعم للإرهاب"، نظم أتراك أوروبا في عدة مدن أوروبية على رأسها بروكسل وبرلين وأمستردام مظاهرات للتنديد بالإرهاب ودعم للديمقراطية، واحتجاجاً على موقف أوروبا الداعم والمحتضن لتنظيم بي كا كا الإرهابي، تحت شعار: "لا للإرهاب ونعم للديمقراطية".

وأصدر المتظاهرون في نهاية فعاليتهم الرافضة لدعم أوروبا للإرهاب، بيان مشتركا أكدوا فيه تمسكهم بالديمقراطية والحقوق الأساسية والحريات العامة والقوانين، وأعربوا عن قلقهم حيال ابتعاد أوروبا عن قيمها التي تعتبر عنوانًا للرفاهية والسلام، مؤكدين أن أوروبا غدت بحاجة إلى القيم التي تلقنها لغيرها ترهيبا وترغيبا، كما طلبوا قادة الاتحاد الأوروبي بتبني موقف صريح وقوي ضد المنظمات الإرهابية وداعميها سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات، وأن الإرهاب وأصحابه  واحد سواء كانوا في الغرب أوالشرق.

موقف الرئيس التركي أردوغان والإعلام التركي والشعب التركي، موقف صحيح، وشواهد صحته كثيرة منها:

- الترخيص للمظاهرات التي ينظمها أعضاء منظمة "بي كا كا" الإرهابية وغيرها أمام البرلمان الأوروبي وباقي المؤسسات الأوروبية، والتي تكثر كلما أراد الاتحاد الضغط على تركيا في ملف من ملفات المختلف فيها.

- الترخيص لجمع أموال لصالح لمنظمة "بي كا كا " والتي تعد بالملايين من يوروهات.

- ممارسات المنظمات الإرهابية أنشطتها المعادية لتركيا وأمنها القومي تحت الحماية المؤسسات الأوروبية.

- الدعم المباشر والغير مباشر في مساعدة هذه المنظمات على تشكيل لوبيات تدعم هذه المنظمات وتدافع عليها وترعى مصالحها في أوروبا وغيرها.

- عدم دعم تركيا في محاربتها للإرهاب، وتجاهل جهودها في ذلك، والتشفي فيها كلما تعرضت لعملية إرهابية من إحدى المنظمات الإرهابية سواء كانت "داعش" أو "بي كاكا" ، وأكبر هذه العمليات الإرهابية في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف تموز الماضي، والتي تأخر الاتحاد الأوروبي في رفضها وشجبها، وتقديم الدعم للسلطة الشرعية والانتصار للديمقراطية وإرادة الشعب التركي، الذي وقف مع الحكومة المنتخبة واستجاب لنداء الرئيس التركي في التصدي لإرهاب منظمة "غولن" الإرهابية.

- قضاء محكمة بلجيكية بأن أعمال القتل التي تقوم بها منظمة "بي كاكا" لا يمكن اعتبارها أعمالا إرهابية، هذا الحكم القضائي اعتداء مباشر على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتناقض واضح من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر رسميا "بي كاكا" منظمة إرهابية.

- وصف المفوضية الأوروبية لمنظمة "فتح الله غولن" الإرهابية المسؤولة عن محاولة الانقلاب الفاشلة بـ "حركة غولن" في تقرير التقدم السنوي الخاص بتركيا، في تجاهل فج لدورها في الانقلاب الخامس الفاشل وما خلف من الشهداء-246 شهيدة وشهيد- وأضرار مادية ومعنوية لتركيا والشعب التركي.

- التناقض الغير المفهوم في التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية حول تركيا، حيث انتقد تقرير المفوضية التدابير التي تتخذها أنقرة لمواجهة منظمتي "فتح الله غولن"، و"بي كاكا" الإرهابيتين، بينما أشاد في الوقت نفسه بجهود تركيا في محاربة تنظيم "داعش".

-  اعتبار الاتحاد الأوروبي محادثات انضمام تركيا إليه، سلاحا فعالا لتدخل الأوروبي في شؤون تركيا الداخلية حسب تعبير رئيس البرلمان الأوروبي "مارتن شولز"، والذي صرح بأن ترك هذا السلاح يعد خطأ فادحا، سيفقد به الاتحاد الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من التدخل في شؤون تركيا الداخلية.

هذا "غيض من فيض"، والذي جعل الساسة الأتراك ييأسون من محادثات الانضمام بلادهم للاتحاد، ويزيد زهدهم في الانضمام إليه، حال الدول المنظمة حديثا للاتحاد، وخروج بريطانيا، وعدم حاجة تركيا لأوروبا كما كانت قبل حكم العدالة والتنمية.

وما دعوت الرئيس التركي الطيب أردوغان لاستفتاء شعبي حول استمرار الحكومة التركية في محادثات الانضمام الاتحاد الأوروبي، وابداء استعداده للموافقة على مشروع قانون الإعدام، وتلميحه إلى إمكانية انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي للتعاون، إلا دليل على أن تركيا تتجه إلى قطع حبل السري الذي يربطها بالاتحاد الأوروبي.

لاشك أن أوروبا والغرب يوظف المنظمات الإرهابية أمثال "بي كاكا" ومنظمة "غولن" وتنظيم "داعش" لعرقلة تقدم الدولة التركية، واستمرار نجاحتها المبهرة في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة، والتي جعلت شعوب العالم تحترم تركيا والأتراك، وتشد على أيديهم.

في كثير من الاستفتاءات الشعبية بتركيا يكون خيار التخلي عن الانضمام للاتحاد الأوروبي هو أكثر حصدًا لأصوات الأتراك الذين استفتوا، وهذا يدل على أن عدم الانضمام للاتحاد أصبح خيار شعبي بتركيا، يتجاوب معه الرأي السياسي للقادة الأتراك.

و حسب رأي أحد الكاتب الأتراك "قد يتفكك الاتحاد الأوروبي قبل أن تنظم إليه تركيا".

فهل بدأت تركيا بشحذ سكينها لقطع الحبل السري الذي يربطها بالأوروبيين واتحادهم المسيحي؟

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس