مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

تصريحات قادة الاتحاد الأوروبي خصوصا وبعض الدول الغربية المنزعجة من النظام الرئاسي الجديد، وانتقاداتهم لنجاح حملة نعم ما هو إلا ردة فعل طبيعة على خاسرة متوقعة، والسبب أنهم كانوا جزء من حملة "لا" في شأن تركي داخلي بأبعاد إقليمية ودولية، ترجع به تركيا إلى مصاف الدولة الفاعلة عالميا، فضاعت جهودهم وضل  مساعهم وخب ظنهم وفشلت حملة "لا"، ونجح الشعب التركي في قول كلمته الفصل، ووافق بأغلبية -في عملية ديمقراطية شفافة- على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي، والذي كان حلم قادة ونبوءة زعيم، وسعي قائد ورئيس، وسيرة سلاطين ووعي شعب.

16 نيسان/ أبريل 2017 يوم تاريخي دفن فيه  الشعب التركي دستور أتاتورك وإرث جمهوريته العلمانية ، و17 نيسان يوم يخصص أتاتورك تركيا الجديد" الطيب أردوغان" لزيارة رموز دينية وحضارية ووطنية: الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصار والسلطان محمد الفاتح و سليم الأول وأربكان وأوزال وعدنان مندريس.

هذه الزيارات تحمل إشارات قوية بمعاني كثيرة لا تخفى على أحد، ويزيدها وضوحا، استثناء ضريح كمال مصطفى أتاتورك من هذه الزيارات، وهذا يؤكد سعي أردوغان في طريقه لإرجاع تركيا إلى هويتها الإسلامية وثقافتها التركية الأصيلة وعمقها الاستراتيجي العربي الإسلامي.

التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب التركي، هي الدفعة القوية ونفس جديد لاستمرار تركيا في تحقيق رؤيتها الاستراتيجية الثلاثية - 2023 - 2053 – 2071، وحصن قوية يحمي تركيا من حلقة النار التي تحيط بها، ومن حلف الغدر الذي يتربص بها.

فمباشرة بعد ظهور النتائج الغير الرسمية والنهائية والتي اعلنت فوز حملة "نعم"، صرح الرئيس التركي أردوغان بعزمة تطبيق هذه التعديلات والعمل على تحقيق رغبة الشعب التركي في استرجاع قرار السياسي البعيد عن الوصاية الغربية، والتخاذل الداخلي وابتزاز المنظمات الإرهابية.

فلا يهم أردوغان رضى الغرب وحلفائه على نجاح حملة "نعم" ولا رأيه بخصوصها، ما يهمه وهو أن الشعب التركي قرار وأمر، وهو سينفذ كعادته مع شعبه.

قال الرئيس التركي الطيب أردوغان: "إرادة الشعب هي الحاكمة ومن الان وصاعدا لن نجلس ولا لثانية لون نضيع الوقت أو نتوقف عن خوض هذا الطريق الذي نعرف أنه مليء بالصعوبات".

وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: "أشكر على الشعب التركي على التصويت في هذا الاستفتاء التاريخي، لقد اتخذ شعبنا خياره ووافق على النظام الرئاسي وأظهر مرة أخرى أنه لن ينحني أمام أي وصاية أو تدخل خارجي أو تهديد".

16 نسيان..حدث وحديث

استفتاء 16 نيسان حدث تاريخي من عدة وجوه، أعظمها أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية  التي يتغير فيها النظام بإرادة مدنية شعبية عبر صناديق الاقتراع بطريقة ديمقراطية وليس بالانقلابات العسكرية، يوم تحقق فيه حلم ديميرال وأوزال وأربكان وتوركيش في الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يحمي تركيا من زلال الحكومات الائتلافية وتشتت الصلاحيات التنفيذية ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يوم16 نسيان يوم أنهت فيه تركيا نقاشًا دام أمد طويلًا حول طريقة إدارة الدولة، وجدلا حادا حول هوية تركيا الجديدة" Yeni Türkiye"، ودور أبو الاتراك الجديد "الطيب أردوغان" في مستقبل تركيا.

هذا الأمر فطن إليه الإعلام الغربي فكانت بعض مقالته وعناوينه تشير إلى هذا الأمر، كتقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية بعنوان "فوز أردوغان المتواضع قسم تركيا"، خلصت فيه إلى  أن التعديلات الدستورية ستغير هوية تركيا العلمانية الحديثة باتجاه مشروع الأسلمة الذي يقوده الرئيس التركي أردوغان، والذي يحاول دائمًا الإشادة بأمجاد الإمبراطورية العثمانية.    

أما مجلة الأمريكية فورين بوليسي فقالت أن نتيجة الاستفتاء في تركيا لا تعني مجرد فوز وانتصار العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب أردوغان بل هو انتصار أنهى مرحلة كاملة من تاريخ تركيا الحديث، ورفض لعلمانية وحداثة "كمال أتاتورك"، ونتيجة الاستفتاء تفويض لأردوغان وحزبه صريح لإعادة تنظيم  الجمهورية التركية بالقضاء على المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية منذ 1921، واسترجاع الهوية الإسلامية.

وكذلك قالت التايمز البريطانية في عنوان لها: "استفتاء تركيا ينهي علمانية أتاتورك".

هذه حقيقة تفزع قادة أوروبا وساستهم، فهذا زعيم حزب ألماني يعترف بقيمة يوم 16 نيسان بالنسبة للغرب ولتركيا لكن بنتائج متناقضة، تناقض الهوية والرؤية والمشاريع قائلا: " 16نيسان/ أبريل يوم أسود في تاريخ تركيا".

ليست أوروبا وحدها المتخوفة والمنزعة بل كذلك إيران المنافس الإقليمي لتركيا، فإعلامها لخص نتيجة الاستفتاء في العنوان التالي: "التعديلات الدستورية قدمت هتلر جديد لتركيا، وعودة العثمانية الجديدة، و قضاء على العلمانية وإرث أتاتورك".

أوروبا تخشى أن تقوم تركيا ورئيسها بإقامة تحالفات استراتيجية بديلة عن الاتحاد الأوروبي، كما تخشى إيران وحلفائها من استرجاع تركيا لدورها الإقليمي في القضايا الإقليمية وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان، مما يشكل تهديدا لنفوذ الإيراني بالمنطقة، وزيادة عزلة إيران عن محيطها الإقليمي والدولي.

كل من انتقد نجاح حملة "نعم" في استفتاء يوم 16نيسان/ أبريل، يدرك يقينا أن الموازين القوى سترجح لصالح تركيا وتزيد بالنظام الرئاسي قوتها وتأثيرها، كما يزيد تدخلها في القضايا التي تتعلق بأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.

لاشك أن يوم 16نيسان/ أبريل2017 كان وفيا ليوم 15 تموز/ يوليو 2016، وأحد ثماره ونتائجه، يوم سيكون بداية ربيع تركيا الجديدة، تركيا الوفية لقيمها وهويتها وحضارتها وتاريخها ودينها.

فهل سيسعى أعداء تركيا لإفساد ربيعها، كما فعلوا مع الربيع العربي وثوراته؟

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس