مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

لقد صدق من قال: (إن استفتاء 16 نيسان/ أبريل على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي بتركيا، هو تصويت على مصير تركيا، والتخلي عن الهوية الكمالية المصطنعة، والتصالح مع الهوية الإسلامية، وبداية الخروج الصريح من الوصاية الأوروبية الغربية).

 هذا ما يؤكده رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حينما قال: (حسب نتائج الصناديق فقد فازت تركيا وفاز الشعب، هذه النتيجة بداية العهد الجديد).

وقال الكاتب التركي ابراهيم كاراغول معلقا على فوز حملة "نعم": (تم تغيير الجمهورية تغييرًا جذريًا، الآن لحظة تحول تاريخي، النصر للأصدقاء والهزيمة لأعداء تركيا).

العهد الجديد والتغير الجذري للجمهورية، المقصود به انتهاء عهد الجمهورية التركية العلمانية الكمالية، جمهورية مصطفى كمال أتاتورك ومعاهدة لوزان الثانية، والتي تأسست الجمهورية التركية الحديثة بناء عليها عام 1923، المعاهدة التي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، والتي فرضت بموجبها على الأتراك شروطًا مجحفة، كانت حصيلتها إنهاء الخلافة العثمانية، وقطع الجمهورية التركية الحديثة التأسيس عن كل ماله صلة بتاريخها وهويتها وحضارتها، والاتيان بهوية جديدة، غريبة على الأتراك فرضت عليهم فرضا بقوة النار والحديد.

أنصار حملة "نعم" المؤيدة لتعديلات الدستورية والتي فازت بنسبة 51.41 في المئة، لا يخفون أن هذا الفوز هو بداية نهاية حقبة الجمهورية الأولى "الأتاتوركية الكمالية" هذه، وخطوة قوية من أجل التخلص من الوصاية الغربية ومعاهدة لوزان الثانية، والتي وضعت تركيا في دائرة الدولة الوظيفية الخادمة للأجندة الأوروبية- الغربية، الحالمة بالالتحاق بقطار الاتحاد الأوروبي.

هذا العهد الجديد، بدأ بمسيرة من الإصلاحات والإنجازات جاءت على يد العدالة والتنمية منذ توليه السلطة بتركيا عام 2002، تدرج القادة الأتراك في تنفذ رؤيتهم الاستراتيجية الثلاثية، مع السهر على سير خططهم وبرامجهم الإصلاحية والتنموية، ومواجهة كل الصعوبات وتجاوز العقبات، وإحباط كل المحاولات الانقلابية بمؤسسات النافذة بالدولة، ومحاربة المنظمات الإرهابية المدعومة خارجيا والتي تسعى لإفشال مشروع "تركيا الجديدة"، مع السعي إلى المصالحة مع الأكراد وتحقيق كثير من مطالبهم، هذه الأعمال الكبرى والمشاريع العظيمة كانت الأرضية الصلبة التي اعتمد عليها الرئيس التركي الطيب أردوغان وباقي قادة حزب العدالة والتنمية في تأسيس لهذا العهد الجديد.

وكانت هناك إشارات لرغبة الأتراك عن التخلي عن دور الدولة الوظيفة والرجوع إلى مكانتها الدولية كفاعل قوي إقليميا ودوليا وفتح صفحة جديدة في تاريخ الجمهورية التركية، تكون فيها متصالحة مع هويتها وتاريخها وحضارتها، ومن هذه الإشارات ما يلي:

- كان أول انفصال عن ماضي الإذعان في 2003، عندما عارض البرلمان التركي خطة الولايات المتحدة لشن هجومها على العراق جزئيًّا من الأراضي التركية، مما أزعج البنتاغون كثيرًا.

- تعيين أحمد داود أوغلو وزيرًا للخارجية في أيار/ مايو 2009– بعد أن كان مستشارًا حكيما ومبدعا للحكومة التركية، وبعد تقلده منصب وزير الخارجية بحكومة رئيس الوزراء التركي أنداك الطيب أردوغان ، أصبحت استقلالية السياسة الخارجية التركية واضحة وأكثر فاعلية، عبر عدة وسطات قامت بها تركيا في عدة مناطق بالعالم، وموقف سياسية مهمة طوال فترة ترأس داود أوغلو منصبه.

- الموقف التركي الصارم والمتشدد مع الكيان الصهيوني المحتل وحربه القذرة على غزة عام 2008، وموقف أردوغان من شمعون بريس بمنتدى دافوس، وتداعيات حادثة مرمرة الخطيرة والتي أوصلت العلاقات التركية –الصهيونية إلى مستوى متدهور لم تعرفه العلاقات التركية- الصهيونية منذ تأسيس الكيان الصهيوني المحتل.

- الانحياز الواضح والمبكر لثورات الربيع العربي والدعم الصريح لها، والوقوف ضد كل الثورات المضادة والانقلابات العسكرية التي عرفتها بلدان الربيع العربي، وهذا الموقف كان خلاف التيار الدولي الذي تراوح ما بين متخاذل وصامت وداعم لثورات المضادة من وراء الكواليس.

- عملية درع الفرات بسوريا: أطلقت تركيا عملية درع الفرات العسكرية بشمال سوريا في أغسطس/ آب 2016، بعد توافقها مع الجهات الفاعلة الرئيسة في سوريا، حيث استطاعت تركيا استغلال  المتغيرات بالمنطقة بشكل جيد مع عدم الدخول في صراع مع القوى الفاعلة بالملف السوري، فحققت المنطقة الآمنة التي من خلالها ستتمكن من تحريك قواتها العسكرية بحرية ودعم المعارضة السورية، وإعادة إعمار المناطق المحررة من أجل استقبال اللاجئين السوريين، وطرد تنظيم الدولة عن حدودها ودفع شهبة دعم تنظيم داعش الإرهابي، والقضاء على حلم الأكراد في الانفصال وإنشاء كيان كردي على حدودها، كما بقيت على وئام مع روسيا لأن العملية تم بالتنسيق معها، بالإضافة  إلى أخذ موافقة واشنطن والتي لم تتعارض العملية العسكرية مع مصالحها.

أثبت تركيا بعملية درع الفرات أنها قادرة على مواجهة التحديات الخارجية التي تهدد الأمن القومي التركي بتوافق مع القوى الكبرى، كما أثبت تركيا بالهجوم الجوي على قواعد القوات الكردية في جبل سنجار في شمال العراق التي يستخدمها حزب العمال الكردستاني، وحليفته وحدات حماية الأيزيدية "شنكال"، قدرتها على استهداف المنظمات الإرهابية خارج حدودها، دون حصول على موافقة القوى الفاعلة بالمنطقة.

لكن تبقى ثلاث أحداث مهمة كانت داعمة قوية للقاعدة الصلبة التي بناها العدالة والتنمية طيلة فترة حكمه، وهي التي أظهرت أن عهد قديم بتركيا ينفض أنفاسه واخر يولد من جديد، غايته جمهورية تركية مستقلة ناهضة وقوية.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس