جلال سلمي - خاص ترك برس

للوهلة الأولى قد يظن الناظر للساحة السورية أن تركيا والولايات الأمريكية المتحدة تسير نحو تحقيق أهداف مشتركة وإيران وروسيا هما المنافسان الأساسيان لتركيا، إلا أن التعمق ببصيرة وحنكة في تفاصيل التطورات يكشف لنا عكس ذلك تمامًا.

ولا أقصد في قولي هذا أن هناك توافقا بين تركيا وإيران وروسيا، فادعاء ذلك يأتي في إطار التحامق السياسي، بل ما أقصده هو أن الأزمة السورية طالت حتى أصبحت تجمع بعض نقاط التقاطع بين المصالح التركية الروسية الإيرانية في سوريا، وتفرق بين تركيا والولايات الأمريكية المتحدة.

تتعدد نقاط التقاطع بين تركيا وروسيا وإيران، ولعل أهم نقطة تقاطع هي رفضهم لتأسيس الكيان الكردي الذاتي في الشمال السوري، في حين أن الولايات الأمريكية المتحدة تدعمه بكل جهد، فهو يشكل لها المنفذ الوحيد لبسط نفوذها في سوريا التي حُرمت منها سنوات.

أما تركيا فقيام دولة كردستانية في شمال سوريا يعني حصول حزب العمال الكردستاني المناهض لها على ملاذ لوجستي وتدريبي واسع، ولا شك في أن ذلك سيرفع من حدة العمليات التي سيقوم بها الحزب ضد المصالح التركي وسيوفر للحزب ممرًا بريًا يساعده في استهداف المصالح التركية بشكل أوسع بالتوازي مع استهدافه لتلك المصالح من الأراضي العراقية تحديداً أراضي إقليم شمال العراق.

أيضًا سيسهم تأسيس دولة كردستانية في رفع عناصر حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي لجهودهم في تأسيس كيان مستقل ذاتي، وقد شوهد ذلك إبان سيطرة قوات الحماية الكردية على مساحات واسعة من الشمال السوري، حيث قلبت عناصر العمال الكردستاني طاولة التفاوض السلمي في وجه الحكومة التركية معلنةً قيام استقلالها الذاتي الذي أرغم تركيا على بدء عملية "الخندق" العسكرية التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، والتي لا ريب في أنها تشتت طاقة الحكومة التركية المحاربة للمخاطر التي تحيط بها على أكثر من جبهة.

أما إيران فتهدف لمد خطها المعروف باسم "الخط الفارسي الإسلامي"، ويمر ذلك الخط القادم من العراق عبر مساحات واسعة من شمال سوريا، وقيام ذلك الإقليم المدعوم من قبل الولايات المتحدة التي ترمي إلى ترسيخ أقدامها في سوريا لإحداث نوع من التوازن مع الأطراف الفاعلة الأخرى من خلاله، يعرقل الأهداف الإيرانية بشكل كبير، الأمر الذي يدفع الجانب الإيراني يشترك مع تركيا في رفض تأسيس إقليم كردستاني مستقل.

أما روسيا فلطالما كانت منفردة في فرض نفوذها على سوريا منذ خمسينيات القرن الماضي، ولا شك في أنها ترغب في الانفراد الدائم بهذا النفوذ الذي تسعى روسيا لتوسيعه عبر مشروع "أوراسيا"، وجود روسيا منفردة في سوريا يمنحها قوة رادعة في منطقة الشرق الأوسط، أما وجود الولايات المتحدة بالقرب منها يخفف من حدة هذه القوة ويجبرها على السير في نطاق التحالف المشترك الجاري اليوم، والذي لا ترغب به أي دولة تسعى للظهور بمظهر الدولة العظمى.

في الحقيقة يمكن لهذه الدول تحقيق مصالحها المتوافقة نسبيًا من خلال الحفاظ على المصلحة المطلقة المرتكزة على بذل جهود حثيثة لإيجاد حل توافقي لإنهاء الأزمة المستمرة والتطلع نحو حل يتم في إطار التعاون المشترك لتحقيق مبتغى كل طرف.

طبعاً الطرح النظري يتسم بالسلاسة، لكن أرض الواقع تزخر بالكثير من العوائق التي تكبح الأطراف المذكورة عن التوصل لحل مشترك بالشكل الذي نشير إليه، إلا أنه يمكن التوقع باضطرارها للقيام بذلك بالاستناد إلى حقيقة انعدام خيار حسم طرف واحد المسألة لصالحها، كما أن توغل الولايات المتحدة في فرض سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي السورية عبر قوات سوريا الديمقراطية سيكون له دور في تحريك الدول المذكورة نحو التطلع لحل مشترك.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس