محمود عثمان - خاص ترك برس

هناك إجماع عند السوريين، ولدى الغالبية العظمى من الشعوب العربية والإسلامية من مؤيدي الثورة السورية، أن سقوط حلب بيد الاحتلالين الروسي والإيراني، لا يعني انتصار الأسد، ولا يعني نهاية الثورة السورية.

صحيح أن السوريين في حالة غضب عارمة، حالة من الشحن العاطفي على حساب التفكير والعقلانية، تسببت في حالة من فقدان التوازن. فبدأت الغالبية في التلاوم والبحث عن كبش فداء، تحمله مسؤولية الخسارة والتراجع... بدأ الكل يهاجم الكل، والكل يشير بأصبع الاتهام إلى الآخرين. إلى جميع من سواه ! كيل الاتهامات وحتى التخوين للقاصي والداني أصبح المسَكن الذي يريح الضمير من هول المشهد. لكنها مرحلة وتنتهي. بل لا بد أن تنتهي بأقصر مدة ممكنة، لأن مرحلة الكر والنصر مرهون بنهايتها.

صحيح أن كثيرا من السوريين ينتظرون من تركيا، ومن الرئيس أردوغان تحديدًا، موقفًا مختلفًا. بل إن البعض منهم يسخرون معرضين ببعض تصريحاته في بداية الثورة السورية. لكن لا أحد ينكر – إلا متحامل أو حاقد جاحد – أنه ليس من أحد يسعى لوقف المجازر في حلب وعموم سورية سوى القيادة التركية... لكن ما بوسع تركيا فعله لوحدها، أمام وحشية الروس، وحقد إيران، وتخاذل وتواطؤ الأمريكان؟!.

سيقول كثيرون، إن الحرب كر وفر، وليس كل حرب تنتهي بهزيمة أو انتصار، خصوصًا في حالة الثورات التي تمتد طويلا. كما أنه ليس كل انسحاب هزيمة وخذلان، وأن حلب لم تكن بداية الثورة السورية ولن تكون نهايتها. هذه الأقوال وغيرها – وغالبها صحيح - يتداولها السوريون على نطاق واسع، في محاولة للتخفيف عن النفس من هول المصيبة.

لكن ما لم نتحول من دائرة رد الفعل إلى دائرة الفعل، فسنبقى ندور حول أنفسنا نتبادل الاتهامات إلى ما لا نهاية. لا بد من تحرك عاجل على مستوى النخبة وقادة الرأي، إذ هناك استحقاق عاجل ومصيري أمام السوريين جميعا، لا بد من إنجازه بأسرع وقت ممكن. لا بد من تحليل هادئ عقلاني موضوعي لأسباب التراجع والفشل في المرحلة السابقة، وذلك على أربعة صعد. الأول: الصعيد السياسي، الثاني: الصعيد العسكري، الثالث: الصعيد الثوري، والرابع: الصعيد المدني. حيث تشكل هذه المجالات أذرع الثورة وأجنحتها، فلا بديل لها، ولا يمكن الاستغناء عن أي منها... ولأننا فشلنا في المرحلة السابقة من تحقيق التوازن فيما بينها، وإيجاد علاقة سليمة تنظمها وتحكمها، فقد فقدنا القدرة على الاستمرار في المحافظة على زخم الثورة، بله التقدم والنجاح وتحقيق النصر على نظام الاستبداد. بالرغم من فقدانه قابلية الوقوف على رجليه والاستمرار الذاتي.

إن مرحلة ما بعد 12/12 لن تكون كما قبلها. ليس على مستوى حلب وسورية فحسب، بل على صعيد المنطقة بأسرها. وخصوصا بلدان الربيع العربي. وإذا أصر البعض على تكرار نفس الأسلوب، ونفس الطريقة، بنفس الوسائل، فسوف نحصد نفس النتيجة. والعاقل لا يلدغ من جحر واحد مرتين.

لا شك في أنه من غير الممكن حصر أسباب التراجع والخسارة في سبب واحد، فهذا غير صحيح وغير معقول. لكن سببًا رئيسًا هو الأول والأساس فيما وصلنا إليه... أزمتنا أيها السوريون أزمة قيادة. أزمة صنعناها بأيدينا. ذنب اقترفناه. مسؤولية لا يمكن لأحد أن يتنصل منها. حطمنا قياداتنا. كسرنا زعاماتنا. أصبحنا أشبه بمطحنة الحجارة التي تحول أكبر صخرة إلى حصى صغيرة، والأجسام الصغيرة – فيزيائيا - لا تملك خاصة الجذب.

في اجتماع المجلس الوطني السوري بتونس، عقدنا بازارًا لمفاوضة رئيس المجلس يومها الدكتور برهان غليون. تعالت الأصوات وكادت الأيدي تتشابك عراكا من أجل تحديد مدة رئاسة المجلس بثلاثة أشهر! قابلة للتمديد مرة واحدة فقط!. كان العالم يرقبنا، ينظر إلينا. أهؤلاء البديل عن نظام قائم. من يومها للأسف لم نقنع أحدا من الدول بأننا أهل لقيادة الدولة السورية. كنا على وشك انتزاع مقعد سورية في الجامعة العربية. كنا قاب قوسين أو أدنى من انتزاع قرار دولي يعترف بنا ممثلا شرعيا للشعب السوري.

لماذا خسرنا كل هذه المكاسب؟!.

لأننا فشلنا في الاصطفاف خلف قائد واحد. كان بإمكاننا أن نصنع من برهان غليون زعيمًا يقود الثورة. لو فعلنا لنجحنا، ولنلنا احترام العالم، وحزنا ثقته. لكننا بحثنا عن مدراء لا قادة ولا زعماء... نسينا أو جهلنا أن المدراء لا يقودون ثورة.

الأتراك قوم محاربون على مدار التاريخ. وقد خلصوا بتجربتهم إلى القول في مثلهم الشهير: "لا يبدل الفرس أثناء عبور النهر". كلام يكتب بماء الذهب.

نحن خالفنا السنن الكونية جميعها. مؤسساتنا الثورية تنتخب - والانتخاب أثناء الثورة مثلبة لا فضيلة - قياداتها كل ستة أشهر، قابلة للتمديد مرة واحدة. هذا يعني أن الرئيس ليس لديه الوقت للتعرف على فريقه ومحيطه الداخلي، فكيف له أن يطرح الخطط والمشاريع، ويعرف نفسه للدول والمؤسسات الخارجية؟!.

كل عملية انتخابية تحتاج إلى تفاهمات واتفاقات وكواليس، تهدر الوقت وتضيع الجهد، وتنتج محاور وأحلاف وتوازنات داخل الجسم الوطني الواحد، كما تفسح المجال للقوى الخارجية بالتدخل والعبث.

أصيبت مؤسساتنا جميعا بالقصور والشلل والعقم، فأضحت لا تقدم قيادات إلا من الصنف الثالث والرابع، لأن قيادات الصنف الأول تنأى بنفسها عن هذا المشهد الهزيل.

أزمة الثورة السورية في قيادتها. في جميع مؤسساتها دون استثناء. وقد تجنبت الخوض في الجانب العسكري، وغيره، مخافة أن أتهم بتوهين الشعور الثوري. حطمنا قيادتنا بأيدينا، فكان من الطبيعي أن نفقد البولصة ونضل الطريق.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس