إيريك ماروسي - الأوبزرفر - ترجمة وتحرير ترك برس

يجتمع القادة القبارصة الأتراك واليونانيون هذا الأسبوع في سويسرا لإجراء محادثات الفرصة الأخيرة التي يمكن أن تلعب فيها تركيا دورا حاسما. أخفق نيكوس أنساتاسياديس ومصطفى أكينجي في العام الماضي في التوصل إلى اتفاق على كيفية اقتسام أراضي الجزيرة واقتسام السلطة بين القبارصة الأتراك والروم، سيبدآن جولة من المحادثات تستمر ثلاثة أيام يوم الاثنين 9 كانون الثاني/ يناير في محاولة للاتفاق على خريطة لمنطقتين وطائفتين.

وسيعقب جولة المفاوضات التي تعقد برعاية للأمم المتحدة مؤتمر خماسي يوم الخميس يضم الجانبين والدول الضامنة للأمن في قبرص وهي  بريطانيا واليونان وتركيا، ويهدف هذا المؤتمر الذي سيرأسه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، إلى إقرار الاتفاق الذي سيتوصل إليه الزعيمان القبرصيان أو محاولة كسر جمود المفاوضات.

وفي حال قرب التوصل إلى تسوية فقد يتوجه قادة الدول الثلاثة الضامنة إلى جنيف، كما سيتوجه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى جنيف، لكن لا يتوقع أن يشارك مباشرة في المحادثات.

وقد كتب زعيم القبارصة الروم نيسكوس أناستاسيادس تغريدة على موقع تويتر يوم الأحد قال فيها إنه يتوجه إلى جنيف بثقة وأمل. وأبلغ الصحفيين المرافقين له في الطائرة أنه يريد "حلا للقضية القبرصية على أساس المبادئ والقيم التي تسمح ببناء دولة أوروبية حديثة تحترم مخاوف القبارصة الروم والأتراك".

في المقابل عبر زعيم القبارصة الأتراك، مصطفى أكينجي، قبل توجهه إلى جنيف عن تحفظه وتوقع أسبوعا صعبا، ونقل عنه قوله "إن خيارنا الأول هو إيجاد هيكل فيدرالي مع المساواة السياسية والحرية والأمن لدولتين مؤسستين متساويتين".

وترى أماندا بول من مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل أن هناك توافقا عاما على أن هذه هي الجولة الأخيرة التي يمكن فيها التوصل إلى تسوية بين الجانبين.

تـغيـيرات كـثيـرة

احتلت تركيا شمال قبرص بعد أن غزت الجزيرة عام 1974 ردا على انقلاب عسكري وقع في الجزيرة،وفي أعقاب ذلك نشرت الأمم المتحدة قوات لها في الجزيرة تصل إلى 1080 جنديا، وترصد هذه القوة ما يسمى بالخط الأخضر الفاصل بين الجزئين اليوناني والتركي في الجزيرة.

انضمت جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 لكن الجزء الشمالي من الجزيرة ليس جزءا من الاتحاد. وفي عام 2015 استأنف أناستسيادس وأكينجي المفاوضات في أول محاولة لإيجاد حل لأزمة الجزيرة منذ إخفاق خطة الأمم المتحدة عام 2004.

قبل أسبوع من انضمام قبرص إلى الأمم المتحدة رفض القبارصة الروم في استفتاء الخطة التي تقدم بها آنذاك كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة. وتقول أماندا باول إن هناك تغييرات في الديناميات في الجزيرة منذ عام 2004 ، فقد تسارعت الخطى لإجراء محادثات جديدة بسبب الأزمة المالية التي عانت منها قبرص عام 2013 ، إذ كان يتعين عليها إعادة هيكلة النظام المصرفي في ظل خطة إنقاذ مالية بقيمة 10 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي انتهت في عام 2015 . وتشير باول إلى أن القبارصة الروم في جنوب الجزيرة أدركوا أنهم سيكونون أفضل حالا في جزيرة موحدة.

الـعامـل الشـخصـي

وتنوه باول إلى أن نتخاب مصطفى أكينجي رئيسا لشمال قبرص عام 2015 المعروف بتعهده بالتوصل إلى تسوية مع القبارصة اليونانيين كان نقطة تحول مهمة .كان العامل الشخصي مهما في الحفاظ على المحادثات بين أناستاديادس وأكينجي على المسار الصحيح حتى عندما وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وقال مصدر في الاتحاد الأوروبي إن أنستادياديس الذي انتخب رئيسا لقبرص عام 2013 هو الفرصة الأخيرة لاستمرار المفاوضات والتوصل إلى تسوية، مضيفا أنه ينتمي إلى الجيل الأخير الذي يرغب في التوصل إلى تسوية.

لكن تعرض الرجلين لضغوط بعدم منح تنازلات للطرف الآخر قد يعرض المحادثات لخطر الإخفاق، وسوف يضطران إلى التوصل إلى اتفاق نهائي يطرح على الناخبين في استفتاءين منفصلين.

التحدي الرئيس بالنسبة لأناستاديادس هو السماح باسترداد 90 ألف قبرصي رومي لممتلكاتهم التي فقدوها بعد الغزو التركي عام 1974 ، أما بالنسبة لأكينجي فإن القضية الرئيسة هي ضمان أن يكون للقبارصة الأتراك تمثيل سياسي ومشاركة فعالة في عملية صنع القرار في  الدولة فيدرالية المستقبلية، ويصر في هذا الصدد على الرئاسة الدورية.

الأمـن والـضمـانـات

بالنسبة لكلا الجانبين فإن القضية الأكثر صعوبة هي الأمن، ومستقبل القوات التركية البالغة 40 ألف جندي والتي ما تزال موجودة في الجزيرة. وفي هذا الصدد قال أناستاديادس يوم الأحد إننا لا يمكن أن نكون الدولة الوحيدة التي تضمن أمنها ثلاث دول، مضيفا أن بلاده بوصفها عضوا في الاتحاد الأوروبي لا تحتاج إلى دول ضامنة أو قوات لحمايتها.

في المقابل يريد أكينجي إبقاء القوات التركية لضمان أمن طائفة القبارصة الأتراك، وأصر في تصريحة يوم الأحد على أن الاتفاق لن يكون مقبولا ما لم يشعر الجانبان بالأمان.

وفي النهاية قد تكون تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان هي من تصنع الاتفاق أو تنسفه. وتشير باول إلى أن هذا يرتبط بما تحققه تركيا من مكاسب، لكن لا ينبغي أن نفترض أنها لن تدعم عملية التسوية.

ويقول سنان أولغن الباحث الزائر في معهد كارنيجي أوروبا إن تركيا لن تقبل إنهاء الضمانات، لكنها ستكون منفتحة على الحديث عن تحديث الإطار الأمني. ووفقا لأولغن فإن تركيا ترى في محادثات هذا الأسبوع فرصة حقيقية للتوصل إلى تسوية سياسية.

هـيـبة تـركيــا

ويقول إولغن إن إعادة توحيد قبرص سيساعد تركيا على تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي سواء فيما يتعلق بمحادثات الانضمام إلى الاتحاد أو التجارة أو الناتو. وقد يرى أردوغان في نجاح المحادثات عاملا للهيبة التركية.

ويضيف أولغن أنه مع الصعوبات التي تواجهها تركيا في الجوار فإن حكومة أردوغان تهتم بأن ينظر إلي تركيا بوصفها البلد الذي ساهم في التوصل إلى تسوية.

إن الوضع القائم في تركيا بعد ستة أشهر من محاولة الانقلاب الساقط الذي عزز قوة أردوغان، لن يكون عقبة أمام التسوية.

يقول إولغن إن تركيا تمر بأجواء ما قبل الاستفتاء على تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات الرئيس، ويحتاج أردوغان في هذه الاستفتاء إلى دعم القوميين الذين يرون أي صفقة لتقاسم السلطة في الجزيرة على أنه بيع لقبرص، ولا يرغب أردوغان في أي رد فعل عنيف من القوميين.

وترى الباحثة أماندا باول أن الحافز الرئيس للتوصل إلى تسوية للقضية القبرصية بالنسبة إلى تركيا واليونان أو الاتحاد الأوروبي هو في المقام الأول الأمن والاستقرار في المنطقة  الذي تزعزع بسبب الحرب في سوريا. وتشير أماندا إلى حافز آخر وهو تهيئة الظروف للنجاح الاقتصادي في صفقة رابحة للتركيا واليونان والقبارصة الأتراك واليونانيين.

قـبـرص رهـينـة للـتاريـخ

يحتاج إعادة توحيد قبرص إلى استثمارات أجنبية، ولا سيما في الجزء الشمالي، وستكسب تركيا الكثير من وراء ذلك من الناحية الاقتصادية. وتقول أماندا باول إن الطاقة هي قوة دفع رئيسة أيضا، حيث ينتظر أن يتم استغلال الغاز البحري والموارد النفطية.  

وأوضح أولغن أن أفضل وسيلة وأقلها تكلفة لتوريد النفط والغاز إلى أسواق أوروبا الغربية ستكون من خلال خط الأنابيب المار عبر تركيا، مضيفا أن الطاقة عامل يساعد على التوصل إلى تسوية، وهذا ينطبق أيضا على القبارصة اليونانيين وليس الأتراك فحسب.

تشهد قبرص الأسبوع الأهم في تاريخها الحديث بعد اثني عشر عاما من جهود السلام وبعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. يقول أولغن إن الجزيرة كانت دائما رهينة للتاريخ، فموقعها الاستراتيجي جعلها دائما رهينة لقوى خارجية أرادت أن يكون لها نفوذ على الجزيرة، واستمر هذا الحال إلى اليوم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس