أسامة أسكه دلي - خاص ترك برس

من منّا لم يغلبه الحماس؟ أو من منّا لم تخنه مشاعره؟ معظمنا وفي مواقف عديدة تعرضنا لشيء من هذاـ ففي كثير من الأحيان غلبنا الحماس وخانتنا مشاعرنا وتصرّفنا تصرّفات ما كان لنا أن نتصرّف بها. فالإنسان في نهاية المطاف عبارة عن مشاعر وأحاسيس في بعض الأحيان تغلب عليه فتصدر منه كلمات أو أفعال غير مسؤولة. ذلك أمر طبيعي عندما يكون موقع المرء في المجتمع متواضعا، أمّا أن يكون الإنسان في موقع حسّاس ومسؤول أرى أنّه من الضروري أن يفكر ألفا قبل الادلاء بأية كلمة، أو قبل القيام بفعل ما، ذلك لأن موقعه المسؤول يحمّله مسؤولية مضاعفة تحتّم عليه ضرورة وعي كلّ كلمة تصدر منه لكونه لا يمثل نفسه فقط.

ضجّت وسائل الإعلام بعملية دهس المواطن الفلسطيني "فادي القنبر" لجنود إسرائيليين في مدينة القدس المحتلة، مما أسفر عن مصرع 5 جنود إسرائيليين، وجرح آخرين، جاء هذا الخبر مثلجا لصدور الفلسطينيين، ولكثيرين ممن لديهم غيرة إسلامية وعربية.

بعد ساعات من العملية يُغرّد نائب رئيس الوزراء التركي "محمد شيمشيك" عبر حسابه الخاص على موقع تويتر تغريدة يصف فيها الهجوم بـ "العملية الإرهابية الحقيرة".

إن تركيا تعاني من عمليات إرهابية، ومن تنظيمات إرهابية مختلفة مثل "بي كي كي، وداعش، والكيان الموازي"، ولكن من الضروري بمكان فصل ما يحدث في الداخل التركي عما يحدث في خارجها، والتفكير ألفا قبل خلط المفاهيم ببعضها البعض.

ربما لكان البعض منّا استوعب الأمر، ووجد مخرجا للتصريح لو أن شيمشيك اكتفى بالاستنكار والإدانة، ولكن ما كان مفاجئا ومثيرا للدهشة هو وصفه للعملية بـ "الحقيرة"!!!. الوصف للوهلة الأولى يثير دقيقة صمت لاستيعاب التصريح، تحاول أن تجد للتصريح مخرجا أو تبريرا فكل الطرق مسدودة، لا لشيء وإنما لثقل الوصف.

من الضروري بمكان عزل ما يحدث على الساحة الفلسطينية عما يحدث في غيرها من الساحات، وذلك لحساسية القضية الفلسطينية، ولذا ما يحدث في فلسطين يستدعي عدم خلط المفاهيم، والتأني قليلا قبل إصدار أي تصريح.

ما قصدته في بداية المقالة بضرورة ألا يغلب الحماس إن كان موقع المرء مسؤولا هو أنه من الضروري في مثل هذه الحالات التريث، و إحالة الأمر إلى وزارة الخارجية، وانتظار ما ستصرّح به، لو أن شيمشيك فعل ذلك لوفّر لنفسه جملة الانتقادات التي لاحقته بعيد تغريدته التي وصفت العملية بـ "الحقيرة".

من يتابع صفحة وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" يدرك بسهولة أن الوزير من أكثر السياسيين الفاعلين على صفحات التواصل الاجتماعي، فهو لا يترك أمرا إلا ويعكس وجهة نظر الحكومة حوله، وذلك في القضايا التي لها علاقة بتركيا، والقضايا التي لها بعد عالمي. وبعيد العملية في القدس نجد أن الوزير لم يدلِ بأي تعقيب على العملية، وكان من الأولى لو أن العملية بالفعل كما تراه الحكومة التركية إرهابية أن يستنكرها وزير الخارجية قبل غيره.

ردّ نائب رئيس الوزراء على أحد التعليقات على صفحته والتي استنكرت وصفه للعملية بـ "الإرهابية الحقيرة بقوله: إن إدانتي للإرهاب لا علاقة له بالحق المشروع للشعب الفلسطيني". 

لا نشكك بالنائب، ولا ننتقد أحدا، وكلّ له رأيه، ولكن انتقادنا هو للتصريح الذي جاء على لسانه، وبما أنه في موقع النائب عن رئيس الوزراء فهذا يعني كل كلمة تخرج منه مسؤولة، وستتعرض للمساءلة، وهذا حق طبيعي ولا سيّما أن الإدانة جاءت عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي.

لا ينكر شجاعة الموقف التركي من القضية الفلسطينية إلا كل جاحد،  فالموقف التركي الداعم للقضية الفلسطينية واضح للعيان، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، فكم من قائد تمكّن من الوقوف أمام رئيس إسرائيلي ليقول له "أنتم تعرفون كيف تقتلون الأطفال جيدا" مخاطبا في ذلك "شمعون بيريز" وكم من قائد تجرّأ  ليقول في لقاء صحفي وأمام مذيعة إسرائيلية "إن حماس حركة مقاومة شعبية ولا علاقة لها بالإرهاب؟ إن الحكومة التركية ساندت منذ استلام العدالة والتنمية سدة الحكم الشعب الفلسطيني، واعتبرت المقاومة حق مشروع للفلسطينيين، ولست هنا بصدد ذكر ما فعلته الحكومة التركية للفلسطينيين، أو السوريين، أو غيرهما من الشعوب الأخرى، وإلا بما نفسّر لجوء هذا الكم الكبير من الفلسطينيين والسوريين إلى تركيا دونا عن غيرها من الدول الأخرى، إلا أن مثل هذه التصريحات قد تُفهم خطأ وتعمم على الحكومة التركية بأكملها، ولربما النائب ذاته لم يقصد ما آلت إليه المآل على الرغم من صراحة التعبير "الحقيرة" ولربما كان في نفسه شيء آخر ومعنى آخر، ولذلك أقول: "يا ليت شيمشيك أسرّها في قلبه ولم يبدها لنا".

عن الكاتب

أسامة أسكه دلي

محرر أخبار لدى ترك برس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس