جلال سلمي - خاص ترك برس

عمل الدكتور في الاقتصاد القياسي أحمد الأستاذ على حساب نسبة انخفاض الليرة خلال نصف العام الأخيرة، معتمداً على مؤشرات البنك المركزي فيما يتعلق بسعر الليرة مقابل الدولار، ليصل لنتيجة مفادها أن الليرة التركية تدنت في الستة شهور الأخيرة بنسبة 28%.

بالطبع يصعب الحديث عن أسباب انخفاض الليرة الداخلية بمعزل عن العوامل الخارجية، فالاقتصاد الحالي هو اقتصاد عولمي مترابط العرى بشكل وثيق، لا سيما في ظل اعتماده الواضح على الدولار كمقياس لسعر العملات المحلية، فليس الليرة التركية هي التي شهدت انخفاضاً في الآونة الأخيرة، بل العملية المحلية لبعض دول أمريكا الجنوبية وأفريقيا بل وبعض دول البريكس ـ الدول صاحب أسرع نمو في العالم كالبرازيل والهند وجنوب أفريقيا والصين وروسيا، شهدت تدني ملحوظ في عملاتها نتيجة ارتفاع سعر الدولار نتيجة ارتفاع الطلب عليه بعد رفع المركزي الأمريكي "فيد" نسبة الفائدة.

وعن العوامل التي أدت إلى انخفاض الليرة التركية وبالتالي ارتفاع التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمستهلك التركي، يمكن رصد أهمها على النحو التالي:

ـ العوامل الداخلية:

ـ استمرار الهجمات الإرهابية: يعتبر قطاعا السياحة والاستثمار الأجنبي القطاعين الأكثر تأثراً بالارتدادات السلبية للهجمات الإرهابية، فلا يوجد سائح أو مستثمر أجنبي يرغب بالاستثمار في بلد تعاني من خطر الهجمات الإرهابية "المستمرة"، وعزوف السائح أو المستثمر الأجنبي عن القدوم إلى البلاد يعني انخفاض الطلب على عملة تلك البلد، حيث تقاس قيمة العملة بحجم الطلب عليها، فتدني الطلب على الليرة أدى إلى تضاؤل سعرها.

ـ انخفاض الميزان التجاري: يشكل ميزان المدفوعات الجدول الحسابي لحجم دخول وخروج العملة الصعبة، ويعد الميزان التجاري أحد عناصر هذا الميزان، فارتفاع الصادرات يعني ارتفاع حجم دخول العملة الصعبة، وبالتالي ارتفاع المنحى الإيجابي لميزان المدفوعات الذي ينعكس إيجاباً على حجم الطلب على العملة المحلية، إلا أن تركيا تشهد، منذ قيام ثورات الربيع العربي، تدهوراً ملحوظاً في حجم صادراتها، فوفقاً لصحيفة خبر ترك، قد انخفضت التجارة التركية خلال عام 2016 فقط بنسبة 0.84%، حيث بلغت خلال عام 2015 ما يقارب 143 مليار و814 مليون دولار، وقُدرت خلال عام 2015 بما يقارب 142 مليار و610 مليون دولار.

ـ التجاذب الإعلامي بين الرئاسة التركية والبنك المركزي: يتمتع البنك المركزي التركي باستقلالية جزئية في اتخاذ بعض القرارات الخاصة بمراقبة سعر العملة المحلية، ومن ضمن هذه القرارات رفع الفائدة بهدف دفع المواطنين والأجانب لإيداع نقودهم المحلية والأجنبية في البنوك التركية، الأمر الذي يحد من عرض العملة المحلية في السوق، بل ويزيد الطلب عليها نتيجة استقدام العملات الأجنبية، وبالتالي يرفع من سعرها، إلا أن التجاذب الإعلامي الذي يعقب كل رفع للفائدة، بين المسؤولين في السلطة التنفيذية والمسؤولين في البنك المركزي يؤثر سلباً في ثقة المستثمر المحلي والأجنبي، ويدفعهما للخشية من صدور قرار سياسي يخفض من سعر الفائدة بعد رفعها.

ـ عوامل الخارجية:

ـ خفض التصنيف الائتماني من قبل "موديز": قامت موديز قبل بضع شهور بتخفيض التصنيف الائتماني، وقبل أسبوع أيضاً عملت على تخفيض التصنيف الائتماني لتركيا من جديد، وسواء كان ذلك التخفيض مبني على معايير موضوعية أو معايير مسيسة يمكن تقييمها على أنها "مؤامرة"، فتخفيض التصنيف الائتماني يعني بأن البنوك التركية ليس لديها قدرة على استرداد وبالتالي سداد قروضها المالية، وهو ما يسبب لتخوف بضعاً من المؤسسات التمويلية والاستثمارية وبالتالي الأفراد من التعامل مع البنوك التركية أو الاستثمار فيها أو في البورصة.

ـ رفع سعر الفائدة للدولار: الأمر الذي يؤدي إلى انسحاب الأموال العائمة أو "الساخنة" التي تبحث دوماً عن مرسى تكون فيه الفائدة مرتفعة، واتجاهها نحو البنوك الأمريكية.

بالمحصلة، فإن الاستقرار الاقتصادي سواء في سعر الليرة أو في أي أمر اقتصادي آخر بحاجة ماسة إلى استقرار سياسي وأمني يكفل للسائح الأمن وللمستثمر البيئة المناسبة لإرساء استثماره في دولة ما، إضافة إلى ذلك، فإن تسريع تركيا وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، كرفع الفائدة، ورفع السقف القانوني للإيداعات المصرفية بشكل معقول، وبسط عدداً من التحفيزات الاقتصادية للمستثمرين وغيرها، قد يقي الليرة مزيداً من التدني، لا سيما في ظل التماسك المتين الذي يظهره الاقتصاد التركي من حيث نسق النمو، والرقابة المحكمة على مستوى التضخم والأنشطة المصرفية الأخرى، وحجم الإنتاج المحلي.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس