جلال سلمي - خاص ترك برس

تقيم عدد من وسائل الإعلام التركية والعالمية زيارة رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدرم" للعراق قبل يومين، في 7 كانون الثاني/ يناير 2017 تحديدًا، على أنها إحدى الخطوات التركية لتسريع الخطى نحو العودة لمبدأ "تصفير المشاكل" الذي يفضي إلى صنع فرص للتعاون السياسي والاقتصادي الاتحادي بين تركيا والدول الأخرى، يكاد يكون التقييم الأمثل للتعبير عن رغبة أروقة مؤسسات صناعة القرار في تركيا. وتمنح الفرص الناتجة عن مبدأ "تصفير المشاكل" تركيا نفوذ ناعمة تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية، وتجعلها قريبة من مجريات المنافسة السياسية التي تحدث على الصعيدين الإقليمي والدولي، بخلاف سياسة التحدي أو التنافس التي تولد الانعزال أو الخسائر الفادحة عديمة الفائدة، ويمسي هناك عنصر فائدة متبادل يجعل العلاقات الرابطة بينها وبين الدول الأخرى مستدامة ومقاومة للعوامل المرحلية التي قد تؤثر بها سلبًا.

ـ بواعث عودة تركيا لهذا المبدأ والعزوف عن مبدأ التحدي غير المباشر:

حاولت تركيا إبان ثورات الربيع العربي قصر طريقها الساعية للوثوب إلى موقع الدولة النموذجية الرائدة من خلال دعم الثائرين، وعقد الخناصر معهم لمساندتهم في الوصول إلى سلم السلطة، إلا أن عدة عوامل حالت دون تحقيق تركيا مبتغاها، واضطرتها للعودة إلى مبدأ تصفير المشاكل، ولعل أبرز هذه العوامل الأساسية حسب اعتقادي:

ـ فشل استراتيجية الضربات الهجومية الاستباقية الوقائية؛ أعلنت تركيا عن هذه الاستراتيجية بالتزامن مع عملية "درع الفرات"، إلا أن الضعف الاستخباراتي التركي أدى إلى فشل هذه الاستراتيجية التي تعتمد بالأساس على المعلومات الاستخباراتية الموسعة، ويبدو أن الخيار الأوحد حالياً هو التعاون السياسي والأمني والاستخباراتي مع القوى الإقليمية والدولية، بما يكفل عودتها إلى ما كانت عليه قبل بدء ثورات الربيع العربي.

ـ بزوغ إمكانية التوصل لحل إقليمي يتلوه حل دولي من خلال مؤتمر أستانا، ومن ثم جنيف، إذ يبدو أن روسيا ترغب بشكل جاد في إيجاد حل، وهذا ما يخدم تركيا في تحقيق مبدأ "تصفير المشاكل" وبدا التشجع التركي لذلك، من خلال التصريحات الإعلامية والإجراءات الدبلوماسية التي طالت قوات المعارضة لإقناعها بالحل بشكل نشط.

ـ الخسائر الاقتصادية المتنامية؛ تسببت الأزمة السورية بخفض حجم الصادرات بنسبة 40%، حيث كانت تشكل سوريا المنفذ الأساسي للسلع التركية نحو الأردن ومنها إلى دول الخليج، كما خيّم انزلاق داخل سوريا داخل مستنقع الأزمة إلى ارتفاع نسبة التضخم والاستثمار والنمو الاقتصادي.

ـ خشية التكاليف البديلة؛ عدم مسايرة تركيا لروسيا يعني استمرار الأزمة، وقد يعني فقدانها للمكتسبات التي أنجزتها عبر عملية "درع الفرات"، لذا فإن الدرجة الأولى من سلم أولوياتها الآن هو المحافظة على هذه المكتسبات قدر الإمكان، والمحافظة على هذه المكتسبات يبدو غير ممكن إلا من خلال التحالف مع روسيا التي ساندت تركيا بضربات جوية ضد "داعش" الأسبوع الماضي، على العكس من التحالف الدولي الذي يحاول استنزاف القوة التركية لإضعاف موقفها وروسيا في مؤتمرات الحلول الدبلوماسية.

ـ تنامي أعداد المنظمات الإرهابية والمنضمين إليها، نتيجة فراغ السلطة الذي ظهر في عدد من الدول عقب ثورات الربيع العربي.

ـ مؤشرات حول مباشرة تركيا العودة إلى هذا المبدأ:

ـ السير قدمًا نحو تحقيق تحالف متين مع روسيا لإنجاح عملية تسوية القضية السورية، والتراجع عن التصريحات الحادة "كحلب خط أحمر"، و"نظام الأسد نظام ظالم يجب عزله بالقوة"، والانتقال إلى تصريحات تدعم الحل السياسي، وتطالب فقط بإخراج الميليشيات الشيعية من سوريا، ومناقشة مستقبل الأسد "وليس النظام ككل".

ـ تراجع تركيا عن إصرارها في البقاء في مخيم بعشيقة التدريبي، حيث طالبت بغداد، العام الماضي، من الحكومة التركية سحب قواتها من هناك، إلا أن الحكومة التركية كانت تصر على وجودها، ولعل حصول تركيا على بعض الضمانات من الحكومة العراقية، كعدم السماح بوجود منظمات إرهابية داخل الأراضي العراقية ـ المقصود هنا حزب العمال الكردستاني، وتأكيدها على منح تركيا فرصة للتعاون في مجال محاربة "داعش" بعد أن كانت ترفض قطعاً أي دور لها، هي التي أبرزت ذلك المؤشر.

ـ اعتراف الحكومة التركية، على لسان الناطق باسمها "نعمان كورتولموش"، بخطأ سياسة دعم الثورات بشكل مفتوح، وربما إلغاء سياسة "الباب المفتوح" التي كانت متبعة حيال اللاجئين السوريين أكبر مثال على ذلك.

ـ حديث أغلب المسؤولين الأتراك عن أهمية التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية المشتركة.

في الختام، عوامل كثيرة تحتم على تركيا الرجوع إلى سياستها التي كانت عليها قبل ثورات الربيع العربي، وعدد من المؤشرات يظهر ذلك، وتقف برهنة الطرح على الفترة الزمنية القادمة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس