طه أق يول – صحيفة حرّييات – ترجمة وتحرير ترك برس

لقد أصبح عمر الجمهورية التركية 91 عاماً مع إشراقة شمس 29 تشرين الأول/ أكتوبر الموافق لهذا اليوم، وما زلنا نقيّم الأمور في هذا البلد بانحيازيّة بعيدة عن الموضوعية والإنصاف.

إنّ اختلافات الرأي حول إعلان الجمهورية أمر طبيعي. لا سيما أن العلماء وباحثي التاريخ يبدون آراءًا مختلفة حول هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال، نرى الباحثين في تاريخ الثورة الفرنسيّة التي حدثت عام 1789 لا يزالون يبدون آراءً مختلفة حول مجريات تلك الثورة ويقيّمون سلبيّاتها وإيجابيّاتها. لكن بسبب قضاء الفرنسيّين على الفكر المتطرّف والتّعنّت بالرأي، فإنّ هذه الاختلافات والآراء المتناقضة، تساهم في إغناء الفكر والثّقافة السياسية للفرنسيّين.

أمّا في تركيا فالغاية من الاختلافات الفكرية ليست البحث عن الحقيقة. إنّما الهدف هو خلق جو من الصّراعات السياسيّة. لذلك نجد الكثير من السياسيّين الذين يقومون باستثمار المعلومات الخاطئة التي تنتقل عبر السّمع من جيل إلى جيل.

 

مقتطفات من أقوال مصطفى كمال آتاتورك

عام 1930 جاء السفير التركي في فرنسا "فهمي أوكيار" إلى مدينة يالوفا ليلتقي برئيس الجمهوريّة مصطفى كمال أتاتورك آنذاك. وخلال اللقاء الذي عقد بينهما في 28 تموز/ يوليو من العام نفسه، طرح أتاتورك سؤالاً لأوكيار عن نظرة الغرب إلى تركيا. فردّ عليه أوكيار بأنّ الغربيّين يرون أن انتقال الدّولة التركيّة إلى نظام التّعدّديّة الحزبيّة سيكون مفيداً جداً للأتراك. وأردف قائلاً: "لكن إذا فتحنا هذا الباب أمام المعارضة، ألا تنشب صراعات سياسية بين هذه الأحزاب؟" فكان جواب رئيس الجمهوريّة على الشّكل التّالي.

"علينا أن نصبر على ذلك. فلا خيار آخر لدينا الآن. فوضعنا الآن يشبه الديكتاتوريّة. صحيح أنّنا نملك مجلساً للشعب، لكنّهم ينظرون إلينا نظرة السلطة الديكتاتوريّة. مع العلم أنّني لم أقم بتأسيس الجمهورية من أجل مصالحي الشّخصيّة. فكلّنا بشر وسنموت يوماً ما. فإذا متّ فسأترك من خلفي مؤسّسة استبداديّة. لكنّني لا أريد أن يكون الميراث الذي سأتركه لهذه الأمة عبارة عن مؤسّسة استبداديّة ولا أريد أن أدخل التّاريخ كشخص مستبد".

كان مصطفى كمال أتاتورك صادقاً فيما قاله. فقد كانت وجهته دائماً نحو غرب أوروبا. فلم يعقد الاتّفاقات مع ألمانيا وإيطاليا، بل حاول دائماً أن يكون حليفاً لفرنسا وإنكلترا.

 

تجربة ديمقراطيّة

عندما قرّر أتاتورك الانتقال إلى نظام التّعدّدية الحزبية، قام بتأسيس الحزب الليبيرالي. لكن على عكس ما توقّع الجميع فقد انحلّ هذا الحزب عندما أوشك أن يصل إلى السّلطة في البلاد. وقد كان أتاتورك نفسه متردّداً في أمر هذا الحزب. حيث سال زملاؤه وهو في الطّريق إلى مدينة سيفاس ما إن كان أخطأ أو أصاب بتأسيس وإغلاق هذا الحزب.

صحيح أن الجمهورية التي بناها مصطفى كمال أتاتورك كانت نتيجة انقلاب عسكري وكانت تعتمد على وحدة القوى وتجمع جميع الصّلاحيّات في شخص الرئيس، إلّا أنّ أتاتورك لم يخفِ يوماً ما رغبته بالديمقراطيّة الغربيّة أبداً.

وإذا ما نظرنا إلى فترة حكم الرئيس عصمت إنونو، فإنّنا نجد أنّ إنونو كان قد عزم على الانتقال إلى النظام التّعدّدي منذ عام 1939، لكن نشوب الحرب العالمية الثانية حالت دون تحقيق هذه الرغبة لديه.

هل كان المجتمع التركي مؤهّلًا للنظام الديمقراطي آنذاك. وهل كانت الصّراعات ستملؤ أروقة البلاد في حال تمّ تطبيق هذا النظام بالفعل؟ الإجابة على هذا السؤال ربّما تكون صعبة، لكن هل كان بإمكاننا أن نطوّر ديمقراطيّتنا من دون أن نعيش أجواءها؟

مجتمعنا الآن منقسم إلى قسمين. فكل فئة لا تريد أن ترى الحقائق التي تتعارض مع مصالحها ونمط تفكيرها. التاريخ دائما يكون ملوّنا بعدة ألوان. ففيه ما يسرّ الناظر وفيه ما لا يسرّه. والذين لا يرون ما لا يريدون أن يروه، فإنّ هؤلاء مصابون بمرض عمى الألوان لا محال.

وبينما نتصارع من أجل الماضي من دون أن نستخلص الدّروس والعبر من التاريخ، نجد أنّ المسألة الكرديّة تتعاظم يوماً بعد يوم من دون أن ندرك هذا الشيء.

عن الكاتب

طه أق يول

كاتب في صحيفة حرييات


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس