دينيز تورسين - صحيفة هندلسبلات الألمانية - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد أكثر من عام على استضافة ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ من سوريا والعراق وغيرهما من دول العالم التي مزقتها الحروب أو ضربها الفقر، يحتدم الجدل حول قدرة أكبر اقتصاد في أوربا على دمج اللاجئين داخل المنظومة الصارمة للاقتصاد الألماني.

ومع تزايد الشكوك حول رغبة بعض الشركات الألمانية في استيعاب الوافدين الجدد ضمن قوتها العاملة، تظهر أمامنا قصة خمس نساء قدمن إلى ألمانيا لاجئات اقتصاديات من تركيا في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ليقدمن لنا جوابا واضحا: نعم نستطيع.

أيتين تشاكار، وأمينة باتلاجي، وجونول أفجو، وحليمة كاراديميرلي، وأينور أوزديمير هن خمس سيدات أعمال تركيات ناجحات أقمن أعمالا تجارية ناجحة في ألمانيا. كانت المحطة الأولى والأخيرة بالنسبة إلى معظمهن هي مدينة برلين التي يطلق عليها الأتراك "إسطنبول الصغيرة" نظرا لأنها تشكل ثالث أكبر تجمع حضري للأتراك بعد إسطنبول وأنقرة.

في مقابلة صحفية مع صحيفة حريات التركية وصحيفة هندلسبلات الألمانية الاقتصادية في نسختها الإنجليزية وصفت النساء الخمس كيف يمكن للوافدين الجدد أن يكونوا على قدم المساواة في المجتمع الألماني بالمبادرة والمثابرة والعمل الشاق.

تقول أينور دمير التي تملك شركة لتنظيف العقارات يعمل فيها 500 شخص في حي  تريبتو جنوب شرق برلين "عندما وصلت إلى برلين بعد زواجي لم أكن أعرف كلمة واحدة باللغة الألمانية، وكنت أخشى من الخروج من شقتي".

ساعد العمال الأتراك الذين قدموا إلى ألمانيا من جنوب شرق الأناضول غالبا في تحقيق المعجزة الاقتصادية الألمانية أو الانتعاش الاقتصادي في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. كان معظم "الضيوف الأتراك" الذين قدموا أولا إلى ألمانيا يخططون للعودة إلى تركيا يوما ما، لكنهم بقوا في ألمانيا في النهاية، وارتفع عدد الأتراك في ألمانيا الغربية فيما بعد ارتفاعا كبيرا بعد أن منح العمال الوافدون الحق في جلب عائلاتهم إلى ألمانيا عام 1974.

والآن وبعد أكثر من نصف قرن على قدومهم يمثل الأتراك أكبر مجموعة عرقية في ألمانيا، إذ يبلغ عددهم بحسب مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني ثلاثة ملايين، كما يقيم في ألمانيا قرابة 250 ألف تركي إقامة دائمة ويحملون أجوزة سفر تركية. ويسهم المهاجرون الأتراك وأبناؤهم وأحفادهم في الوقت الراهن اسهاما كبيرا في أكبر اقتصاد في أوروبا، فوفقا للخبراء في سوق العمل يشكل 1.2 مليون تركي جزءا من سوق العمل من بين ثلاثة ملايين.

ومن بين ثلاثة ملايين تركي في ألمانيا هناك أكثر من مليون شخص يعملون بدوام كامل أو بدوام جزئي، وقرابة 87 ألفا يملكون مشاريعهم الخاصة، ويأتي قطاع الصناعة في مقدمة القطاعات التي يعمل بها الأتراك حيث يصل عدد العاملين فيها إلى 400 ألف، يلبه قطاع التجارة والسياحة والنقل ب381 ألفا، بالإضافة إلى 329 ألفا يعملون في القطاعات الخدمية الأخرى.

تعتقد غوليستان غوربيه الأستاذة  في جامعة برلين الحرة والخبيرة في الهجرة وسياسة الاندماج أن معظم اللاجئين القادمين حديثا إلى ألمانيا سيبقون فيها في نهاية المطاف مثلما فعل الأتراك ولن يعودوا إلى بلادهم. وتقول غوربيه إن معظمهم سيحاولون بناء حياة جديدة، ولذلك فإنهم سيواجهون تحديات شبيهة بتلك التي واجهها الأتراك.

وتضيف غوربيه أن الاندماج ينطوي دائما على تحد تعلم اللغة سواء للاجئ أو المهاجر، وكذلك قدرته على المشاركة بنجاح في جميع مجالات الحياة، مثل التعليم أو العمل، وهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق النجاح الكامل لمجموعتي اللاجئين والمهاجرين.

وتقول إن القرب الثقافي والديني والجغرافي بين اللاجئين الجدد والأتراك المندمجين في المجتمع الألماني سيولد حالة من التعاطف. ووفقا لغوربيه فقد هرب بعض المهاجرين الأتراك من الاضطهاد والعنف بعد الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980 ، ولذلك فإن العنف ضد اللاجئين ينشر الخوف بين المهاجرين، وتضيف أن الاعتداءات التي وقعت على المهاجرين الأتراك في مدينتي زولينغن وهويرسفيردا في عقد الستعينيات ما تزال محفورة في الذاكرة، وأعمال العنف يمكن أن توحد في كثير من الأحيان بين المهاجرين وتعزز التضامن بينهم.

ينشط الكثير من المهاجرين الأتراك في ألمانيا في مساعدة الموجة الجديدة من اللاجئين، ومن بين هؤلاء الأتراك رجل الأعمال حنيفي أيدين مالك شركة أيدين دونير، ورئيس اتحاد أصحاب الأعمال  للمساعدات الإنسانية. يعيش أيدين في برلين منذ عام 1977 ، وهو من المؤيدين لسياسة ألمانيا تجاه المهاجرين، ويرى أن ألمانيا تحتاج إلى موجة الهجرة الجديدة لتجدد من شباب قوتها العاملة الهرمة.

يقول أيدن "قررنا في اتحاد أصحاب الأعمال للمساعدات الإنسانية مساعدة اللاجئين لا بتقديم الطعام والملابس فحسب، بل بإيجاد فرص العمل لهم" . أوجدت جمعية أيدن بالتعاون مع مركز التوظيف الألماني في برلين 80 وظيفة جديدة للاجئين. ويقول أيدن ستواصل مؤسستنا العمل من أجل خلق مزيد من فرص العمل للاجئين.

من عاملة نظافة إلى صاحبة شركة في ثلاث دول

جاء معظم المهاجرين الأتراك الأوائل إلى ألمانيا وهم لا يملكون شيئا تقريبا، مثل السيدة أوزدمير  صاحبة شركة تنظيف العقارات التي قدمت من تونجلي في شرق تركيا مع والديها وإخوتها وأخواتها الاثنى عشر عام 1987 بعد أن حصل زوجها على وظيفة في برلين.

تقول أوزدمير في إحدى المقابلات التي أجريت معها"  في العام الأول لي في العاصمة الألمانية كانت الأمور صعبة بالنسبة إلي بسبب عدم معرفتي باللغة، ولكنني في النهاية حزمت أمري على أخذ دورة في اللغة الألمانية". وخلال دراستها للغة انتظرت خمس سنوات للحصول على تصريح للعمل من السلطات الألمانية، ثم كان أول عمل لها في مصنع لطباعة الصور على البالونات، وهناك شاهدت إعلانا عن وظيفة في مستشفى يبحث عن عامل نظافة، فتقدمت للوظيفة وقبلت.

عملت أوزدمير في هذا المستشفى لمدة خمس سنوات، ثم رقيت وصارت مسؤولة عن تنظيم نوبات العمل ل150 موظفا، وشجعها زملاؤها على البدء في تكوين عمل خاص بها. ولأنها لم تكن تعرف كيف تبدأ فقد أخذت دورة في بدء الأعمال التجارية نظمتها بلدية برلين، ونصحها خبير في الغرفة التجارية الألمانية بإقامة مشروع تجاري للتنظيف بناء على خبرتها، وهكذا بدأت حياتها الجديدة. أسست أوزدمير شركة " فور إيفر كلين" عام 2000 . بدأت الشركة بأوزدمير ومساعد واحد فقط، وكان المقر الرئيس للحزب الديمقراطي المسيحي أول عمل للشركة الجديدة.

واصلت أوزدمير التي ما تزال تصف نفسها بالعامل الميداني وليس مدير شركة ، العمل في تنظيف المكاتب لمدة ثمان سنوات، وكان الناس يصابون بالحيرة عندما تخبرهم أنها صاحبة الشركة. أما اليوم فيعمل في شركة أوزدمير أكثر من 500 شخص في ألمانيا والنمسا وتركيا، ويقدمون خدمة النظافة للمكاتب والمطارات والكنائس والمشافي والمطاعم.

الممرضة التي تحولت إلى صاحبة شركة صحية

ولدت أيتين تشاكار في مدينة إسبرطة جنوبي تركيا، وانتقلت مع عائلتها إلى برلين عندما كانت طفلة في عام 1979 ، ثم درست التمريض وبدأت العمل في المستشفيات، وهناك رأت كيف يواجه الأطباء والممرضات الألمان صعوبة التواصل مع المرضى الأتراك الذين لا يعرفون اللغة أو الثقافة الألمانية. ولذلك أسست في عام 2003 شركة للخدمات الصحية تقدم خدماتها للأتراك الذين يعيشون في ألمانيا.

تحمل شركة تشاكار ترخيصا من وزارة الصحة الألمانية للإشراف على علاج الأسر التي تتلقى مساعدات مالية من الحكومة، ويعمل في شركتها اليوم 50 شخصا، وترغب في توظيف المزيد، لكنها تقول إن من الصعب العثور على موظفين يرغبون في العمل على الرغم من أنها تعرض المتوسط العام للأجور في ألمانيا، والسبب في ذلك هو أن مزايا الرعاية الاجتماعية في ألمانيا سخية جدا.

تخطط تشاكار هذا العام لبدء تقديم خدمة الرعاية اليومية، حيث تقوم الشركة بنقل المرضى من منازلهم إلى مراكز العلاج والرعاية الاجتماعية ثم إعادتهم إلى منازلهم، كما تخطط لفتح مدرسة للتمريض ومركز للعناية المركزة.

مقابلة مع طبيب غيرت مجرى الحياة

كانت أمينة باتلاجي في الثانية من عمرها عندما انتقلت مع والدها عامل المنجم وأسرتها من مدينة قيصري في وسط الأناضول إلى ألمانيا، وبدأت العمل في شركة تأمين في الوقت الذي كانت تدرس فيه في مدرسة مهنية. وبعد التخرج عملت في الشركة وترقت حتى صارت المدير الإقليمي .

في عام 1992 أسست باتلاجي شركتها الخاصة التي تبيع خدمة الاستشارات المالية. وخلال عملها التقت طبيبا عجوزا تجاوز الخامسة والثمانين قدم لها فكرة براءة اختراع له عن لوحات تسخين صغيرة منخفض التكلفة. أعجبت باتلاجي بالاختراع واشترته من الطبيب لتؤسس بعدها شركة في عام 2015 لبيع لوحات التسخين. تتعاون الشركة مع جامعة يلديز التقنية في تركيا في مجال الأبحاث والتطوير، وتأمل باتلاجي في إنشاء مصنع لها في تركيا.

من عاملة صرافة إلى صاحبة مركز تجميل

ولدت جونول أفجو في عام 1974 في برلين، وكانت عائلتها قد تركت مدينة باليك شهير غربي تركيا وتوجهت إلى ألمانيا عام 1969 . عملت أفجو صرافة في محل لبيع الإلكترونيات. انفصلت عن زوجها بعد زواج استمر 17 عاما وكان عليها تربية أطفالها فقررت إنشاء شركتها الخاصة فنصحتها صديقة تعمل في مركز للتجميل بالتفكير في صناعة مستحضرات التجميل.

درست أفجو دورة في مستحضرات التجميل ثم بدات تعمل متدربة في مركز للتجميل. وخلال حلقة دراسية عن جهاز لإزالة الشعر غير المرغوب فيه أقنعت مدير المركز أن بمقدورها بيع الجهاز إلى مراكز التجميل المملوكة للأتراك. وهكذا بدأت حياتها الجديدة وسيطا.

استهدفت أفجو مراكز التجميل التي يملكها الأتراك في برلين أولا ثم في سائر ألمانيا. كانت ترغب في جمع مزيد من الأموال ولكن ليس على حساب أطفالها الذين ترغب في تمضية وقت أطول معهم، ولذلك عقدت العزم على بدء عملها التجاري الخاص فاستأجرت غرفة صغيرة في صالون لتصفيف الشعر وحولته مركزا للتجميل. ربحت في الشهر الأول 400 يورو زادت إلى 4000 يورو في أقل من عام حيث زاد زبائنها بسرعة. في عام 2012 انتقلت أفجو إلى مكان أكبر وأسست مركزا للتجميل ومدرسة متخصصة للتجميل يدرس بها سنويا أكثر من 250 طالبا معظمهم من أصول تركية وعربية وروسية.

من عاملة في مصنع إلى مدير تنفيذي لمدرسة موسيقية

كانت حليمة كارديميرلي في الثامنة عشرة من عمرها أما لطفل 19 شهرا عندما سمعت أن الشركات الألمانية تطلب نساء للعمل. في ذلك الوقت كانت هي وزوجها عاطلين من العمل، ولم يكن لديها أي خبرة في العمل ولا تعرف كلمة ألمانية واحدة، فاضطرت إلى ترك زوجها وطفلها لمدة عام تقريبا.

انتقلت حليمة إلى برلين وحدها في عام 1972 وبدأت العمل عاملة تجميع في مصنع للأدوات المنزلية، وعملت هناك لمدة خمس سنوات حتى ولدت طفلها الثاني، ثم التحقت بالعمل في شركة لإنتاج الأجهزة الإلكترونية، وبعد ثمان سنوات صارت مدربة متطوعة في قسم التعليم بالشركة. وأخيرا اشترت حليمة مطعما وأسست مدرسة للموسيقى مع زوجها الموسيقي كاديميرلي في عام 1988. يدرس في المدرسة حاليا 180 طالبا وثمان معلمين. وتقول حليمة إنها لا تنظر إلى المدرسة على أنها لمجرد كسب الرزق فحسب، وتعتقد أن مهمتها هي الإبقاء على الموسيقى التركية الكلاسيكية  حية للأتراك في ألمانيا. وقد برع عدد من طلابها في مجال الموسيقى وتلقوا دعوات من أروكسترا برلين الفيلهارمونية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس