برتراند فيالا - جالف ستيت أناليتيكس - ترجمة وتحرير ترك برس

التحالف التركي القطري يتجاوز المصالح المالية

ثمة إحساس في تركيا وقطر بأن شيئا فريدا غير مرئي (على الأقل من وجهة النظر التركية) يحدث في العلاقات الثنائية في المنطقة. قال مستثمر قطري كبير يملك العديد من المشاريع الاستثمارية الضخمة في تركيا "إننا نشعر في تركيا بأننا في بلدنا، ونستطيع التواصل مع أعلى المستويات في الحكومتين، ونعمل في ظل أجواء من الثقة المتبادلة". إن ما يميز العلاقات بين أنقرة والدوحة هو أهميتها الرمزية، فقد جاء في إعلان أنقرة عن اتفاق التعاون العسكري الاستراتيجي مع قطر "أنه يأتي لتعزيز العلاقات الودية بين البلدين". وعلى الرغم من عدم نجاح مشروع خط أنابيب ناباكو، مثلما جاء في مقال كينيدي، فقد نمت العلاقات بين البلدين نموا واضحا منذ عام 2014.

تتجلى سرعة وتيرة التعاون القطري التركي في الملاحظات التي أبداها عدد كبير من الساسة المحليين والمراقبين الاقتصاديين في تركيا، ولعل أبرز مثال على ذلك رد فعل عضو البرلمان التركي أيتوغ أتيجي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض من محافظة مرسين، بشأن الإسراع في عرض الاتفاق العسكري على البرلمان للتصديق عليها في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2015، حين قال: "أيها الاصدقاء، أنا عضو في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان منذ عامين، وهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذه الحالة، حيث تستغرق المعاهدات والاتفاقيات في العادة سنوات حتى يصدق عليها، وما تزال أمامنا نقاشات حول ترتيب الأولويات، ثم تأتي قطر وتطالبنا بالإسراع في التصديق على المعاهدة، فهل تستطيعون خلال 72 يوما أن تناقشوا المعاهدة وتصدقوا عليها". وقد قاده هذا إلى التساؤل في سخرية عن سبب الرغبة في توثيق العلاقات مع قطر، فقال: "من أين جاء هذا الحب؟ وما سبب هذه المودة والصداقة؟".

إن تزامن تسريع وتيرة التعاون بين البلدين مع تولي أردوغان رئاسة الجمهورية ليس من قبيل الصدفة، فقد أبدت قطر أيضا التزاما قويا تجاه الحكومة التركية، وهو ما تجلى في الاستثمار في القطاعات الرئيسة للاقتصاد التركي، حيث تعتمد الحكومة التركية الحالية على هذا الاستثمار في تنفيذ برنامج التطوير الاجتماعي والاقتصادي، وفي مقدمته البنية التحتية والإسكان والطاقة.

ارتفعت وتيرة الزيارات المتبادلة بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين أكثر من أي وقت مضى، وهيأت الفرصة لكثير من اللقاءات بين الرئيس رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم. كانت قطر من أوائل الدول التي دعمت تركيا ووقفت إلى جانبها في مواجهة الهجمات التي تعرضت لها أخيرا من الجماعات الجهادية والكردية الانفصالية في داخل الأراضي التركية، ويمكن القول إنه لا توجد دولة في العالم عبرت عن دعمها للرئيس رجب طيب أردوغان بعد محاولة الانقلاب العسكري الساقط في الخامس عشر من يوليو/ تموز مثلما عبرت قطر. هذا الدعم الكبير من جانب قطر يأتي على النقيض مما ينظر إليه في تركيا من رد الفعل الفاتر من الحلفاء الغربيين التقليديين الذين زادت حدة انعدام الثقة معهم بسبب الإجراءات والتدابير الأمنية التي اتخذتها تركيا. وقد عزز التزام قطر بدعم الرئيس التركي والحكومة المدنية المنتخبة من قوة العلاقات بين أنقرة والدوحة.

لغة قوية للتعاون

قال رئيس الوزراء القطري، عبد الله بن ناصر آل ثاني، عندما استقبل السفير التركي لدى الدوحة، في أغسطس/ آب 2016 إن قطر ستدعم تركيا في جميع المحافل، ورد السفير التركي أحمد ديميروك بأن قطر صديق حقيقي لتركيا، مستخدما كلمة دوست التركية التي تعني صديقا مقربا للدلالة على عمق العلاقة، الأمر الذي يعزز الأبعاد النفسية والتاريخية لهذه العلاقة، ويدعم الصداقة القطرية التركية. يقدم عدد ديسمبر 2015 من المجلة التي تصدرها جمعية رجال الأعمال الأتراك "موصياد" لمحة عن العلاقة الخاصة بين تركيا وقطر، وركز العدد على الاحتفال بمرور 25 عاما على بدء العلاقات بين البلدين. يمكن تلخيص السبب في لغة التعاون القوية كما وردت في المجلة في نقطتين:

الأولى، أن البلدين كانا ضحية للاستعمار الغربي البريطاني خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وتذكر المجلة أن قطر انضمت إلى الإمبراطورية العثمانية عام 1835، لكنها اضطرت إلى الانفصال عنها بعد الحرب العالمية الأولى عام 1915. وتذكر فقرة أخرى أن البريطانيين حاولوا لسنوات استمالة الشيخ محمد بن قاسم آل ثاني المخلص للدولة العثمانية بمختلف أساليب التهديد. ويذكر النص تفاصيل الهجوم الذي شنته السفن الحربية البريطانية على السواحل القطرية عام 1893 لمدة أربعة أيام متتالية، مما أدى إلى قتل كثير من القطرييين.

الثانية، أن العلاقات الحالية المتجددة تتركز على التمكين المتبادل وإعادة أمجاد العثمانيين، وتمكين قطر وتركيا من ترسيخ هويتهما القومية. ويؤكد نص مجلة الموصياد على أن العائلة القطرية الحاكمة كانت تدير الولاية العثمانية في قطر بإذن من الدولة العثمانية. وعلى النقيض من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لم ينظر إلى قطر على أنها متمردة على الدولة العثمانية، وما تزال هذه الحقيقة التاريخية مرتبطة بهذا المستوى الفريد من الثقة المتبادلة اليوم بين أنقرة والدوحة، وقد عبر عن ذلك السفير التركي في الدوحة، أحمد ديميروك حين قال في  أعقاب محاولة الانقلاب الساقط  "لا توجد أي مشكلة في تاريخ علاقاتنا مع قطر".

من الواضح أن البلدين قد استندا إلى لغة التعاون القوية في تطوير الفرص المتاحة لتحقيق التمكين المتبادل في الشرق الاوسط على المستويات الصناعية والسياسية الإقليمية. وتظهر أرقام الاستثمارات الحالية، وارتفاع حجم الصفقات التجارية أن تحقيق هذا التعاون يسير قدما.

الخاتمة

تتجاوز العلاقات التركية القطرية مجرد المصالح المالية والتجارية والاستراتيجية المؤقتة، فالشراكة بين أنقرة والدوحة تستند إلى جذور عميقة من القيم المشتركة والروابط التاريخية، كما أن علاقة أنقرة بالدوحة تفوق علاقة تركيا بجميع الدول الأخرى تقريبا، حتى أذربيجان التي تحافظ تركيا على علاقات وثيقة معها.

تعتزم قطر وتركيا في عام 2017 زيادة التعاون بينهما، لأن ذلك يزيد من تمكين البلدين، وستواصل الإجراءات السريعة والاستثمارات الضخمة في تقوية الأبعاد الرمزية والتاريخية للعلاقات بين البلدين. وبينما تشهد علاقة تركيا بالغرب خلافات حول العديد من القضايا، فمن المرجح أن يزداد اهتمام أنقرة بتطوير علاقات أوثق مع الإمارة الخليجية. وقد دفع ازدياد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط تركيا إلى التوسط مع موسكو لوقف إطلاق النار في سوريا في الثامن والعشرين من ديسمبر بعد سقوط حلب في يد جيش النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران. وكانت تركيا تسعى دائما إلى لعب دور الوساطة لتعزيز موقف أنقرة في المنطقة، وقد تساعد قوة الدبلوماسية المالية القطرية تركيا على تحقيق هذا الهدف، حيث تسعى تركيا إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية عن الغرب بعد سنوات من التحديات.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس