برتراند فيالا - جالف ستيت أناليتيكس - ترجمة وتحرير ترك برس 

قبل يوم واحد من اغتيال السفير الروسي لدي تركيا في معرض فني في أنقرة عقد مسؤولون أتراك وقطريون الاجتماع الثاني للجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وانتهي الاجتماع بتوقيع المسؤولين من البلدين على مذكرات تفاهم واتفاقيات وخطط عمل تتناول مجموعة واسعة من القطاعات من بينها الزراعة والاتصالات والثقافة والتعليم والرياضة.

يبرهن هذا الاجتماع على كيفية نمو الشراكة بين أنقرة والدوحة نموا متزايدا، وربما يجب أن يطلق عليها تحالف، حيث بات المحللون والدبلوماسيون والمراقبون في الشرق الأوسط أكثر دراية بعمق العلاقات القطرية التركية. لكن ما هي طبيعة العلاقات بين البلدين؟

الـوعـي الـقـطـري الـتـركـي

في فبراير/شباط 2014  كتب روبرت كنيدي مقالا مثيرا للجدل في موقع بوليتيكو بعنوان" لماذا لا يريدنا العرب في سوريا"  تناول فيه محور الدوحة أنقرة، وزعم أن العنصر الرئيس في بدء الحرب الأهلية السورية كان مشروع خط أنابيب قطر تركيا المدعوم من الولايات المتحدة الذي كان مقررا أن يمر عبر سوريا. وقد ناقشت الدوحة وأنقرة في عام 2009 بالفعل هذا المشروع ( ضمن الإطار الأوسع لمشروع نابوكو غير الناجح) الذي كان من شأنه أن يمكن أوروبا من الحد من اعتمادها على الغاز الروسي، وفي الوقت نفسه يقدم المشروع فرصا مربحة لقطر وتركيا والدول الموردة والدول التي يمر بها الخط. ويخلص المقال إلى أن الأزمة السورية والصراع من أجل إزاحة بشار الأسد عن السلطة جاء نتيجة قرار الرئيس السوري المدعوم من روسيا وإيران برفض هذا المشروع.

هذا التفسير يبالغ بوضوح في تبسيط واقع السياسة المعقد في الشرق الأوسط ، حيث يجعل من قطر وتركيا أدوات للتدخل الغربي في حرب النفط الممتدة. على أن كينيدي كان محقا في إثبات، ولو بطريقة غير مباشرة ، تزايد نفوذ العلاقات التركية القطرية في المنطقة، لكن إشارته الضمنية إلى نموذج التدخل الغربي في حقبة ما بعد الاستعمار لا علاقة لها إطلاقا بهذه الشراكة، والفرق هو أن قطر وتركيا لا تعدان نفسهما بيادق للقوى الغربية، بل على العكس تماما، حيث يرى المسؤولون القطريون والأتراك علاقات البلدين على أنها وسيلة لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن القوى الغربية التقليدية وخاصة واشنطون. وفي الوقت الذي يتخبط فيه الدبلوماسيون الغربيون بسبب إخفاق استراتيجياتهم الأولى في سوريا، وبينما ترسخ روسيا حضورها العسكري القوي في المنطقة، فإن الشعور بالتمكين وخاصة بالنسبة إلى تركيا هو أمر مهم للغاية.

لم تميز العلاقات التركية القطرية نفسها عن العلاقات الثنائية الأخرى التي تتمتع بها تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي إلا في الآونة الأخيرة، وهذه الشراكة التي تتعمق وتتوسع لا تعتمد فقط على العوامل الاستراتيجية للعلاقات التجارية والتحركات الدبلوماسية. وقد تطورت هذه الشراكة التي يمكن أن نعدهت تحالفا قطريا تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة، ثم صار هذا التحالف ملموسا في ظل رئاسة أردوغان في صيف عام 2014 .

هـل تـتـعـمـق الـشـراكة الـقـطـريـة الـتـركـيـة

وقعت تركيا وقطر أول اتفاق للتعاون التقني والاقتصادي في عام 1985 ـ تلاه التوقيع على خمس اتفاقيات في عام 2001 قبل وقت قصير من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002 ، وتبع ذلك التركيز على تحويل هذه الاتفاقات إلى فرص كبيرة سواء على المستوى الثنائي أو مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وكانت أهم خطوة في هذا الصدد التوقيع في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2014 على اتفاق التعاون العسكري بين قطر وتركيا لمدة عشر سنوات الذي يسمح لتركيا بفتح قاعدة عسكرية لها في قطر إلى جانب التعاون في صناعات التسليح، وتبع ذلك حديث من الجانبين عن التعاون والاستثمار، وفي عام 2015 عقد مسؤولون من الدوحة وأنقرة أول اجتماع للجنة الاستراتيجية العليا المشتركة التي مهدت الطريق للتوقيع على 15 اتفاقية تشمل العديد من المجالات من البيئة إلى الطاقة والتعليم.

وقد رافق هذه الجهود المشتركة سلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ الضخمة على مشاريع رئيسة في تركيا من شركات ومستثمرين قطريين، حيث استحوذت المجموعة الإعلامية القطرية " بي إن " على الشركة القابضة لمجموعة التليفزيون المدفوع " ديجي تورك" ، واستحوذ بنك قطر الوطني على فاينانس بنك التركي.في عام 2015 بلغت الاستثمارات القطرية في تركيا 20 مليار دولار، ووقعت الشركات التركية مثل شركة تيكفين للإنشاءات وشركة بوتاس للنفط على صفقات ضخمة في قطر، وأعلن وزير التنمية التركي، لطفي علوان، خلال الاجتماع الذي عقد في سبتمبر 2016 في قطر أن الشركات التركية فازت بعقود بأكثر من 2.5 مليار دولار خلال عام 2015 فقط.

لكن هل تدل عمليات الاستحواذ والاتفاقيات على وجود تحالف دائم أم أنها مجرد شاهد على التطورات التجارية والاستراتيجية التي تتسق مع الفرص الحالية؟ لقد فتحت تركيا قاعدة عسكرية لها في أذربيجان، وهي بلد غني بالغاز أيضا، وأقرب إلى تركيا ثقافيا ولغويا من قطر، كما يتوافد المستثمرون من دول مجلس التعاون الخليجي على تركيا، وإن كانوا أقل من المستثمرين القطريين.

يملك رجل الأعمال السعودي النافذ، عبد اللطيف الجميل، مصنع تويوتا في تركيا، وتستثمر الشركات السعودية في مجال الصناعات الدفاعية التركية أيضا. وفي المقابل فعلى الرغم من ضخامة الاستثمارات القطرية في تركيا، فإن العلاقات التجارية بين البلدين ما تزال محدودا، فوفقا لمركز الإحصاء التركي جاءت قطر في المرتبة ال65 بين شركاء تركيا التجاريين بحجم تبادل تجاري منخفض بلغ 572 مليون دولار في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2016 ، لتكون على مسافة بعيدة عن أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لتركيا، إذا تأتي ألمانيا أولا بحجم تبادل تجاري 29 مليار دولار، تليها الصين ثانيا ب23 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة بما يقارب 15 مليار دولار.

يمكن النظر في الواقع إلى التوافق الدبلوماسي بين قطر وتركيا، ولاسيما فيما يتعلق بسقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عام 2013 أو الأزمتين الليبية والسورية، على أنه توافق لا يستند على شئ في العلاقات الثنائية بحيث يجعل العلاقات التركية القطرية متميزة عن غيرها من الشراكات والتحالفات في المنطقة، ففي سوريا على سبيل المثال، اتخذت المملكة العربية السعودية موقفا مماثلا تقريبا لقطر وتركيا، كما دعمت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى موقف الدوحة وأنقرة من ضرورة تخلي الأسد عن السلطة ، وأيدت قطر وتركيا إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الحكومة الليبية في طرابلس. وعلى ذلك يحق لنا أن نسأل عماا يميز العلاقات القطرية التركية مقارنة بعلاقات أنقرة مع المملكة العربية السعودية أو الكويت رغم أنهما تفوقان قطر في حجم التبادل التجاري مع تركيا. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس