محمد زاهد جول - الخليج اونلاين

حاول مركز دراسات روسيا والعالم "كاتيخون" (KATEHON) خداع القراء، بقصد أو بغير قصد، بقوله: إن تركيا، بعد تدخلها في سوريا، بدعم الجيش السوري الحر في عملية درع الفرات، أصبحت تسير على خطى حزب الله اللبناني.

وقد بنى المركز دعواه على مقولة للرئيس التركي أردوغان بأن: "أمن تركيا يبدأ من حلب"، على أنها جملة مشابهة لمقولة حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني، بأن أمن لبنان يبدأ من العمق السوري؛ لتبرير تدخله العسكري في سوريا. وهذه مقارنة خادعة وخاطئة، نبين في عدد من النقاط الفارق بين حقيقة التدخل التركي والتدخل المليشياوي لحزب الله اللبناني في سوريا.

وأولى نقاط الفوارق بينهما، أن القرار التركي هو موقف دولة وحكومة شرعية ديمقراطية منتخبة من الشعب أولاً، ومؤسسة عسكرية عريقة تحترم موقفها العسكري أمام العالم، وبالأخص أنها مؤسسة عسكرية ملتزمة بقوانين أكبر مؤسسة عسكرية في العالم هو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقبل ذلك هي ملتزمة بأخلاق الشعب التركي ومسؤولة أمامه عن كل فعل تقوم به داخل تركيا وخارجها، بينما حزب الله اللبناني هو حزب سياسي مرخص في لبنان ولكنه لا يمثل الدولة اللبنانية، ولا يمثل الحكومة اللبنانية ولا الشعب اللبناني، فهو يمثل أعضاء حزبه فقط، ولا يقال إنه يمثل الشيعة في لبنان أيضاً؛ لأنه لا يمثل كل شيعة لبنان، وهناك من شيعة لبنان من هو ضد وجوده غير الشرعي في سوريا، ولا يتوقفون عن انتقاده ومعارضته وضد قتله شباب الشيعة في سوريا ظلماً وعدواناً. فالفارق كبير بين موقف دولة تُعتبر أكبر دولة في الشرق الأوسط بكل المقاييس وحزب لا يمثل إلا نفسه.

والفارق الثاني، أن الدولة التركية تتخذ قرارها بنفسها ومسؤولة عنه أمام برلمانها وشعبها، واتخذت قراراتها نحو سوريا بصورة شرعية وديمقراطية بمنطق دستور الدولة التركية، بينما حزب الله اللبناني نفذ قرار ولاية الفقيه خامنئي في إيران؛ لأنه ولي نعمته المالي والعسكري والسياسي، فحزب الله اللبناني لم يتخذ القرار للتدخل العسكري في سوريا بقرار من نفسه ولا بتوكيل من الحكومة اللبنانية؛ بل الحكومة اللبنانية تعلن موقف النأي بالنفس والحياد، وأحزاب كثيرة في لبنان بما فيها حزب الحكومة الحالي، حزب المستقبل، بزعامة سعد الحريري، ضد تدخل حزب الله اللبناني في سوريا؛ بل ويطالبه بالخروج من سوريا دائماً، وكان يشترط للتعاون مع حزب الله في إدارة الدولة اللبنانية انسحابه من سوريا، ولولا التفاهم الخارجي مع إيران لما تشكلت الحكومة الحالية.

وإعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تصريح له، أن "أمن تركيا لا يبدأ من غازي عنتاب، إنما من حلب"، جاء بعد وقوع أعمال إرهابية وتفجيرات في غازي عنتاب وغيرها من المدن التركية وكان مصدر التهديد من داخل سوريا، ورئيس الجمهورية مطالَب أمام شعبه بأن يقوم بحماية شعبه وبلده، بصفته رئيس السلطة التنفيذية بحسب الدستور التركي، بينما حسن نصرالله -وعلى فرض تعرضه لأعمال إرهابية أو تفجيرات داخل الضاحية الجنوبية في بيروت أو داخل مقرات الحزب ومعسكراته- لا يملك حق إعلان تدخله في سوريا، وإنما هذا القرار يعود للحكومة اللبنانية؛ بصفتها مطالَبة بالدفاع عن شعبها بما فيه مقرات حزب الله أو الضاحية الجنوبية. فلا يحق لحزب أن يتخذ قرار دولة أو حكومة لبنان، ويدعي أن أمن لبنان يبدأ من العمق السوري؛ فمن يحق له أن يقول ذلك هو رئيس الجمهورية اللبنانية أو رئيس الحكومة أو وزير الدفاع اللبناني فقط، وليس أي حزب أو مليشيا لبنانية، وإلا فإن تدخل الحزب هو إلغاء لوجود حكومة لبنانية.

فأردوغان عندما ينتقد حزب الله لتدخله في سوريا، فهو ينتقد تدخل حزب ومليشيا لبنانية، ولا ينتقد موقف دولة لبنانية، فلا تشابه بين الموقفين، وهذا الأمر ينطبق على محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا ولبنان أيضاً، فالمسؤولية هي على الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وليس من مسؤولية حزب الله ولا غيره من الأحزاب اللبنانية، فالانتقاد موجه لحزب الله اللبناني؛ لأنه تجاوز الحكومة اللبنانية قبل أن يعتدي على الشعب السوري بالقتل والجرائم الطائفية والإرهاب، فلم يتغير شيء جديد في قناعات الرئيس أردوغان، وإنما وقعت اعتداءات على الشعب التركي الذي يرأسه أردوغان، وهو مطالَب كرئيسٍ بالقيام بمسؤولياته القانونية بالدفاع عن شعبه وجمهوريته وإلا كان مقصراً، وهذا لا ينطبق على حزب الله ولا رئيسه حسن نصرالله؛ لأن مسؤولية حماية لبنان والشعب اللبناني والأراضي اللبنانية من مسؤولية رئيس الجمهورية اللبنانية، وقيام "حسن" بما يجب على رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية يحمل "حسن" المسؤولية القانونية على تجاوز الحكومة اللبنانية أولاً، وعدوانه على دولة جارة ثانياً، كما يحمّله المسؤولية عن قتل الشعب السوري ثالثاً، وتسببه في قتل الشباب اللبناني سواء كانوا من حزبه وأنصاره أو من غيرهم رابعاً، ويحمّله مسؤولية طاعته لنظام إيران بانتهاك الأمن القومي العربي خامساً، ويحمّله مسؤولية الاعتداء على الأمة الإسلامية وقتل شبابها لأسباب طائفية وتاريخية سادساً.

وأما المشاركة التركية العسكرية في الشمال السوري، فقد بقيت دفاعية حتى انطلاق عملية "درع الفرات" بتاريخ 24 أغسطس/آب 2016، وقبل ذلك كان قصفاً جوياً أو بالمدفعية التركية على المواقع السورية التي انطلقت منها النيران ضد الأراضي التركي، في حين كانت درع الفرات إسناداً عسكرياً تركيّاً للجيش السوري الحر لتحرير المدن والأرياف السورية من داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، التي استولت على مدن الشعب السوري ظلماً وعدواناً، ومنها مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فالأراضي المحاذية للحدود التركية ليست كلها مناطق كردية أولاً، ومن حق الجيش السوري الحر استرداد هذه المدن من داعش ومن مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، وهذه من حقوق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه وتحرير أراضيه من المحتلين، ولا يوجد أطماع لتركيا في شمالي سوريا ولا غيرها. ولكن من حقها أيضاً، أن تدعم الفصيل السوري الذي يدافع عن أرضه ضد المحتلين الأجانب من الإيرانيين واللبنانيين التابعين لحزب الله وكل ألوان الطائفيين، الذين تدخلوا في سوريا لأسباب طائفية محضة أولاً، ولأسباب سياسية طامعة في الأراضي السورية العربية ثانياً، وكان تدخلها خدمة لأهداف أمريكا وإسرائيل من وجهة نظر إدارة أوباما السابقة بتدمير سوريا ثالثاً. ورغم ذلك، جاء التدخل التركي بدعم السوريين بدرع الفرات بتفاهم تركي-روسي، أي بعد أن تفهّمت روسيا الأهداف التركية ووافقت عليها؛ بوصفها الدولة التي تسيطر على سوريا عسكرياً مرحلياً فقط.

واتفاق حلب الذي تم بموجبه انسحاب المقاتلين من شرقي حلب، لم يكن لصالح بشار الأسد ولا المليشيات الإيرانية التي حاولت تصوير ذلك انتصاراً، فلم يتم بين تركيا وروسيا أولاً، وإنما بين روسيا والمعارضة السورية المسلحة، وروسيا ألزمت قوات الأسد والمليشيات الإيرانية مغادرة شرقي حلب وطردتها منها، وأدخلت إليها الشرطة العسكرية الشيشانية ثانياً، أي إن روسيا التزمت باتفاقها مع المعارضة السورية المسلحة، وواصلت هذا التفاهم معها في أنقرة وأستانة، وهذا شأن يخص المعارضة السورية المسلحة وأطياف المعارضة السورية الشرعية كافة، وتركيا طرف ضامن فيه فقط.

أما التفجيرات والاعتداءات الإرهابية التي تتعرض لها تركيا، فهي ليست جديدة؛ فقد كشفت وكالة المخابرات الأمريكية قبل أيام أن نظام حافظ الأسد قد دعم حزب العمال الكردستاني منذ السبعينات من القرن الماضي ضد تركيا، وهذا الخط الإرهابي واصله بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني؛ ظناً منهم أن هذا الإرهاب سوف يجعل الحكومة التركية تغير مواقفها بدعم الشعب والمعارضة السورية، أو يجعل الشعب التركي يضغط على حكومته لتغيير سياستها الخارجية نحو سوريا. ولكن ذلك لم يحصل، فالشعب التركي أكثر دعماً للشعب السوري وثورته من الحكومة التركية، ولذلك لن تنال هذه التفجيرات والأعمال الإرهابية من عزيمة الشعب التركي بدعم إخوته في سوريا، أو في استقبالهم بتركيا، وتوفير ضرورات العيش الكريم كافة لهم في تركيا وخارجها.

وأما محالة الانقلاب الأخيرة بتركيا في يوليو/تموز الماضي، فلا علاقة لها بالموقف التركي من الصراع في سوريا، فتنظيم فتح الله غولن يعمل منذ عام 2004 ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، فهو كيان موازٍ موهوم ومأجور، فهو موهوم بأنه يستطيع أن يحكم تركيا بالوصاية والتسلل داخل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، أي من خلال صناعة دولة أو كيان موازٍ للدولة الشرعية المنتخبة من الشعب التركي، فهو واهم بذلك لأن الشعب التركي لا يحكمه إلا مَن ينتخبه ديمقراطياً، وهذا ما ميز الشعب التركي في العهد الجمهوري، فلم يتم تزوير الانتخابات إطلاقاً؛ لأن الشعب يرفض التزوير مهما كانت هويته السياسية. وأما أن تنظيم فتح الله غولن مأجور، فقد ثبت تورط أمريكا في هذا الانقلاب بانتقاد الرئيس الأمريكي الجديد ترمب إدارة أوباما على تورط ثلاثة عشر جنرالاً أمريكيّاً في الانقلاب الفاشل بتركيا، فعبّر ترامب عن امتعاضه من تورط المخابرات الأمريكية في هذا الانقلاب البغيض والشنيع، بحسب وصفه.

وأخيراً، فإن الحكومة التركية تميز بين الاحتجاجات التي يقوم بها أهل السنة العراقيين والسوريين المتظلمين من القتل الطائفي من "الحرس الثوري" والمليشيات الطائفية العراقية والسورية واللبنانية وغيرها، تميز بينها وبين تنظيم داعش، فتدعم الأولى، أي تدعم المظلومين من أهل السُّنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها؛ بسبب الظلم الذي يتعرضون له لأسباب طائفية محضة، ولا تتخلى عنهم، ولذلك تُتهم تركيا بأنها تدعم داعش، في حين كانت الدولة التركية أول من وضع تنظيم داعش و"النصرة" على لوائح الإرهاب لديها، فمن لا يميز بينهما له أهدافه المعروفة، فهو يريد الانفراد بأهل السنة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها لقتلهم وذبحهم وتهجيرهم دون أن يجدوا من يساعدهم، وإلا فهو متَّهم من "داعش" أو يدعم "داعش"، وهذا كذب مكشوف ومفضوح.

فالقناعات والمنهجية التي يتبعها "داعش" لا بيئة لها في تركيا، ولذلك يسهم الشعب التركي بالإبلاغ عن كل مشتبهين بالانتماء إلى داعش داخل المدن التركية، ولكن ذلك لن يمنع تركيا من تقديم كل دعم ممكن لكل من يتعرض للاضطهاد الطائفي الذي تمارسه المليشيات الإيرانية وتوابعها العربية والأعجمية في كل العالم الإسلامي وليس بسوريا والعراق فقط، ولذلك من المفترض أن تنتهي هذه الأسطوانة المقيتة؛ فهي أكذوبة مكررة سئم الناس من سماعها وهي لا تقنع أحداً، فمن يقدم الدعم ومن أسهم في تأسيس داعش أصبح معروفاً للناس ولروسيا أيضاً، ولعل اتهام ترامب لسلفه أوباما بتأسيس "داعش" ليس بعيداً عن الحقيقة، ونقمة ترامب على إيران اليوم وخسارة أمريكا في العراق ثلاثة تريليونات دولار ومقتل نحو أربعة آلاف جندي أمريكي ليس بعيداً عن الجهة التي أنشأت داعش وسلَّمته الموصل باعتراف جون كيري، وهو يوجه أصبع الاتهام إلى نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، فتهمة دعم "داعش" أصبحت مكشوفة ومفضوحة أيضاً. وما هو أهم، انكشاف الأهداف من تأسيس داعش والمكاسب التي حققتها إيران ومليشياتها من ذلك.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس