ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

في الآونة الأخيرة، ألقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، باللوم على "القومية الفارسية"، التي أفضت إلى العديد من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط. فضلا عن ذلك، اتهم وزير الخارجية التركي إيران بأن لها يدا في كل "الحروب الطائفية"، المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة.

يتزامن هذا الخطاب شديد اللهجة لأردوغان، مع محاولة إدارة ترامب تجاهل إيران، في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على تهميش طموحات طهران المتعلقة بمحادثات جنيف بشأن سوريا.

وفي الأثناء، يخدم هذا المناخ، المشحون بالعداء تجاه إيران، مصالح وطموحات المملكة العربية السعودية، العدو الإقليمي اللدود لإيران، التي كثفت، مؤخرا، من هجماتها ضد الحكومة الإيرانية، على مختلف المستويات.

في المقابل، حذر العديد من المحللين أنقرة من تبعات الشجاعة والجرأة المفرطة تجاه إيران، إذ يحتم عليها ذلك أن تضمن ولاء حلفائها، قبل أن تشارك في أي هجوم منسق على أعدائها القدماء.

في الحقيقة، لم تكن العلاقات الإيرانية التركية نموذجية، فإيران تعتمد حكما ثيوقراطيا، أما تركيا فتعتمد نظام الجمهورية العلماني. فضلا عن ذلك، فإن الأولى تعد بلد ذا أغلبية شيعية، أما الثانية فهي سنية. في المقابل أثبتت هاتان القوتان الإقليميتان في الشرق الأوسط، خلال الأوقات العصيبة، حسن الخلق الذي تتمتعان به.

وفي هذا الصدد، أفاد محللون لموقع "ميدل إيست آي" بأن مواقف الولايات المتحدة وروسيا تجاه إيران تؤثر، وبشكل واضح، على موقف تركيا تجاهها. خلافا لذلك، لا بد أن تتوخى كل من أنقرة وطهران الحذر وأن لا توليا ثقة عمياء في الدور الذي يمكن أن تلعبه إدارة ترامب وروسيا، في حال تواجهت كل من إيران وتركيا.

وفي السياق ذاته، صرّح الأستاذ في العلاقات الدولية، أحمد قاسم هان، في جامعة "قدير هاس" التركية، بأنه "ربما اقتنعت أنقرة بضرورة التحرك، في أعقاب سلسلة الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، إلى تركيا، خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ بما في ذلك رئيس وكالة المخابرات المركزية وكبار القادة العسكريين".

وأضاف هان أن "من المرجح أنه تم تقديم بعض المعلومات الحساسة، خلال هذه الزيارات، مما دفع أنقرة إلى فتح باب المواجهة العلنية ضد إيران. ولكن علينا أن نتذكر أنه، وعلى الرغم من كل الخطابات الهجومية، التي أدلت بها الولايات المتحدة تجاه إيران، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات بشأنها".

في المقابل، قال هان، إنه "لا يمكن مقارنة خطابات تركيا بمواقف إدارة ترامب تجاه إيران. ففي الوقت الراهن تشعر أنقرة بأنها محاصرة، في الوقت الذي تلعب فيه إيران دورا بارزا في كل من العراق وسوريا، مما أثار حفيظة أنقرة وأجبرها على مراجعة سياستها الخارجية الفاشلة في هذين البلدين."

وأردف هان: "ربما ترى تركيا أن هذا هو الوقت المناسب لتحرير نفسها من هذا الحصار، ولكنها يجب أن تكون حذرة، حتى لا تدمر النجاحات التي حققتها سياستها الخارجية، في السنوات الأخيرة". وأشار هان إلى أن "السؤال الأهم الذي يجب أن تطرحه أي دولة في المنطقة هو؛ إلى أي حد يمكن الوثوق بترامب أو بوتين".

 ومن جانبه، كشف الباحث السياسي والخبير في الشؤون الشرق الأوسط، عارف كسكين، لموقع "ميدل إيست آي" أن السياسات الطائفية التخريبية الإيرانية أجبرت أنقرة على التحرك، ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة التركية ستترك العديد من الانعكاسات.

علاوة على ذلك، أورد كسكين أن "إيران لم تترك أي دولة في المنطقة بسلام، انظروا ماذا يفعل الإيرانيون في العراق واليمن وأماكن أخرى. لم يكتف الإيرانيون بخلق حالة من عدم الاستقرار في تلك البلدان، لكنهم يحاولون الإضرار بعلاقات تركيا معها، كما هو الحال، الآن، بالنسبة للعراق".

وعلق كسكين عن علاقة تغير الإدارة الأمريكية بمواقف أنقرة، حيث نفى أي ترابط بين تولي ترامب مسؤوليات البيت الأبيض والموقف العدائي الذي اتخذته الحكومة التركية ضد إيران.

وواصل كسكين قائلا: "تزامن وصول ترامب إلى دفة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، مع نفاذ صبر أنقرة التي سئمت من الاضطرابات التي أحدثتها إيران في المنطقة. يجب على تركيا مواصلة ممارسة المزيد من الضغوط ضدّ طهران لأن ذلك سيؤتي أكله في النهاية وسيساهم في ردع إيران عن اتباع السياسات التدخلية ذاتها".

ومن وجهة نظر هان، فإن "تصريحات أردوغان الأخيرة التي أدلى بها خلال زيارته الأخيرة إلى البحرين تحمل في طياتها العديد من الدلالات المخيفة بالإضافة إلى تهديد واضح لطهران، وليس مجرد انتقادات واهية لها. فضلا عن ذلك، ومن خلال تلك التصريحات، حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تهدئة المخاوف السعودية والبحرينية من الوجود العسكري التركي في قطر، وإقناعهم بأن تركيا تهدف فقط لتقديم يد العون، والتصدي  للتجاوزات الإيرانية".

في الواقع، تتمتع تركيا بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية ومع الكثير من دول الخليج، ولكن أقوى علاقاتها في المنطقة هي تلك التي تربطها بقطر. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا أنشأت قاعدة عسكرية هناك في شهر أبريل/ نيسان الماضي. في المقابل، أثار هذا التقارب قلق كل من المملكة العربية السعودية والبحرين.

روسيا ومباحثات أستانة

من المتوقع أن تسعى روسيا لإضعاف قوة ونفوذ إيران خلال محادثات أستانة، خاصة على طاولة المفاوضات، التي شكلتها كل من موسكو وأنقرة وطهران، للإشراف على المفاوضات بين مختلف المجموعات السورية، التي تهدف من خلالها لضمان وقف إطلاق النار في سوريا، والوصول إلى حل سياسي حيال هذه الأزمة.

وفي هذا الصدد، صرح زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي، يدعى ديميتر بيشاف، لموقع ميدل إيست آي"، بأنه "روسيا قد تعمل على إضعاف سطوة إيران خلال محادثات أستانة، ولكنها لن تتخطى حدودها. وأضاف بيشاف، أن "العلاقات بين طهران وموسكو ليست بمعزل عن المشاكل. كل طرف منهما سيحاول المناورة لكسب المزيد من النفوذ في دمشق. وفي الأثناء، تعد كل من روسيا وإيران من الجهات الفاعلة المكملة لبعضها البعض، لذلك، فإن أي تنافس بينهما سيكون ضمن حدود معينة".

في الحقيقة، رجح الأستاذ هان، أن مراقبة تركيا لسياسة المناورات التي تتبعها كل من موسكو وطهران لاكتساب المزيد من النفوذ في سوريا، خلال محادثات أستانة، فضلا عن تقاربها الحديث العهد مع موسكو، قد يدفعها إلى سوء تقدير النفوذ الذي تتمتع به إيران.

وفي هذا السياق، أشار هان، إلى أنه "من المنطقي أن تحاول روسيا إبراز قوتها ونفوذها لإضعاف نفوذ حليفٍ لها في سوريا، ولكنها تدرك تماما أن طهران لم يعد لها أي مكاسب تذكر في سوريا، لذلك سوف تكون حذرة حتى لا تضغط عليها كثيرا".

في المقابل، قال هان، إنه "لا ينبغي الاستهانة بالأهمية التي توليها إيران لدمشق، خاصة وأن طهران تعتبر سوريا بمثابة واجهتها الدفاعية الحيوية". 

وأضاف هان: "أنا لا أعتقد أن أحد المسؤولين الإيرانيين كان يمزح حين صرح بأن "فقدان جزء من الأراضي الإيرانية العربية مقبول تماما مقارنة بفقدان دمشق، لأنه إذا خسرنا دمشق لن نستطيع استعادتها مجددا، ولكن يمكننا استعادة الأراضي الإيرانية".

عموما، يتفق كل من بيشاف وهان حول حقيقة أنه حتى وإن سعت روسيا لإضعاف سلطة إيران في سوريا، إلا أنها لن تقوم بتقويض التحالف الذي يجمعها بها. وفي كل الأحوال، لن تقوم موسكو بالاستغناء عن حليفتها إيران لصالح ربط علاقات أفضل مع إدارة ترامب.

التحالف الآمن بين روسيا وإيران

أفاد بيشاف، في هذا الصدد، أن "تقرب إيران من روسيا بعد بمثابة تحوط استراتيجي ضد الأحادية الأمريكية".

وأضاف بيشاف، أن "كلا من موسكو وإيران تضعان خطوطا حمراء من شبه المستحيل أن يتعداها أي من الطرفين، بغض النظر عن المناوشات البسيطة واستعراض القوى الذي تقوم به كل من روسيا وإيران".

وعلى الرغم من أن المحللين لا يتوقعان أي تصعيد خطير بين تركيا وإيران، إلا أنهما يحذران دول المنطقة من إيلاء الكثير من الثقة في كل من واشنطن وموسكو، نظرا لأن الاعتماد التام عليهما قد تترتب عنه العديد من الانعكاسات السلبية.

ومن جانب آخر، أفاد الأستاذ، هان بأنه لا يعتقد أن مشكلة كبيرة ستقع بين تركيا وإيران، ولا يعتقد أيضا أن إيران سوف تنهار تحت تأثير هذا الضغط الجديد.

وأضاف هان أن "الإيرانيين سيواجهون ضغوطا لم يسبق لها مثيل، إلا أنهم اعتادوا على ذلك، وسيلجؤون إلى تغيير سياستهم الدبلوماسية".

وفي هذا الإطار، حذر "هان" من مغبة الاشتباك المباشر مع إيران، حيث أورد أن "القوى العالمية الكبرى لا تشترك في الحدود مع إيران، لكن تركيا تجمعها حدود معها، وبالتالي، لا بد أن تحرص على عدم خلق وضع آخر قابل للاشتعال على حدودها".

وفي الوقت نفسه، يعتقد كسكين، الذي دافع عن الموقف التركي المتشدد تجاه إيران، بأنه لا ينبغي أن تتحول التوترات الحالية إلى عداء صريح.

وفي هذا الصدد، أقر كسكين، أن "كلتا الدولتين شهدتا، في الماضي، بعض التوتر على مستوى علاقتهما، لكنهما استطاعتا الحفاظ على علاقتهما الثنائية بعيدا عن التجاذبات الإقليمية. وستكون الأمور على ما يرام بينهما، طالما أن هذا التوتر لن يتجاوز حدود الاختلاف في وجهات النظر، وتبادل التهم عبر وسائل الإعلام".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس