شارما سوراج وأروى إبراهيم - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

ينتاب إبراهيم ديريجي شعور بالفخر وهو يمسك حبات سبحته ويسبح بعد الصلاة. يدير إبراهيم البالغ من العمر 62 عاما متجرا للحلوى في حي الفاتح بإسطنبول، ومن هذا المتجر ذي الموقع المتميز والذي بني قبل أربعة عقود يراقب إبراهيم الحي.

وعلى الرغم من أن المتجر يقع في وسط إسطنبول في المدينة القديمة، فإن المرء يمكن أن يظن بطريق الخطأ أن المتجر موجود في حلب أو دمشق، حيث إن لغة الحديث السائدة في الحي هي اللغة العربية، كما كتبت معظم اللافتات باللغة العربية.

كانت إسطنبول دائما نقطة جذب للمهاجرين وطالبي اللجوء سواء من داخل تركيا أو من المنطقة الأوسع المحيطة بها. وقد أغرت المدينة هؤلاء بوعود العمل والرفاهية والكونية، وغالبا ما يكون حي الفاتح هو الوجهة الأولى لهؤلاء المهاجرين.

السوريون يتركون بصماتهم

على مدى السنوات القلية الماضية ترك السوريون بصماتهم على حي الفاتح، وقد شهد إبراهيم ديريجي كثيرا من التغييرات التي طرأت على الحي منذ أن انتقلت عائلته إليه من مدينة ريزة على البحر الأسود، وافتتحت متجرا للمعجنات.

وقال ديريجي لميدل إيست آي: "منذ أربعين عاما كان هذا الحي حيا ثريا، حتى أن شركة أولكير إحدى أكبر وأشهر شركات المواد الغذائية في تركيا فتحت مصنعا لها فيه، ولكن في النهاية انتقل الأتراك إلى أحياء أخرى".

وأضاف: "صار الحي أكثر فقرا، وازداد الأتراك غنى، ومن ثم انتقلوا إلى أجزاء أخرى من المدينة في التجمعات السكنية المغلقة".

رأى ديريجي المهاجرين من أفغانستان ودول الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى الناطقة بالتركية يدخلون ويخرجون من الحي على مدى عقود من الزمن، وقد جلبت كل مجموعة منهم معها قليلا من ثقافتها، ومشاكل محددة. ويقول ديريجي إن 80% من سكان الحي في الوقت الحالي هم من السوريين، وهو يشير إليهم على أنهم ضيوف.

تضّيف تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري تطلق عليهم الضيوف، لأنها لا تقبل لاجئين من دول غير أوروبية. ويعني هذا الوجود الكبير للسوريين زيادة الأعمال التجارية التي تلبي احتياجات السوريين وأذواقهم، بما في ذلك المطاعم السورية التي هيمنت على المنطقة.

ومثل الغالبية العظمى من الأتراك يؤمن ديريجي أشد الإيمان بتفوق المطبخ التركي، على الرغم من أنه يُشغل لديه عشرة موظفين سوريين، ويقول: "إن كل المطاعم هنا تقريبا سورية، وكل أطعمتها تحتوي على كثير من الصلصة، وهذا ليس من أجلنا نحن الأتراك".

ويُقِرّ ديريجي بأن الثقافة التركية باتت هي الأقل في أجزاء من حي الفاتح، لكنه يرى أن لا شيء من ذلك يدعو للقلق، ويقول: "شهدت هذه المنطقة كثيرا من الناس الذين أقاموا فيها وارتحلوا منها عبر القرون، لكنها حافظت دائما على هويتها التركية".

الحاجز اللغوي

علاء الصباغ سوري يبلغ من العمر 32 عاما. جاء إلى إسطنبول قبل عام، وصار شريكا لرجل أعمال تركي في محل للعطور في حي الفاتح. بالنسبة إلى علاء كان حاجز اللغة عائقا مهما ينبغي التغلب عليه. ويقول: "عندما وصلت إلى هنا كنت أتحدث بضع كلمات تركية، وكان الناس يعاملونني على أنني غريب، أما الآن فإن 20% من أحاديثي تدور بالتركية، وأريد أن أواصل تعلم اللغة حتى أتمكن من تقديم طلب الحصول على الجنسية يوما ما".

وعلى الرغم من التحديات وجد الصباغ أن التكيف مع بيئته الجديدة أسهل نسبيا، ويقول: "لا أشعر مطلقا بأنني غريب، وحتى إن كنت لا أتكلم التركية جيدا، فإنني أستطيع أن أتعامل بالعربية معظم الوقت"، مضيفا أن "أسلوب الحياة، والطعام والثقافة تشبه كثيرا ما اعتدته في دمشق".

وعلى الرغم من أن معظم زبائن الصباغ من العرب، فقد جرّب عطورا جديدة لجذب مزيد من الزبائن الأتراك. وقال الصباغ: "أشكر الحكومة التركية على ما قدمته لي من تسهيلات كثيرة. أحب هذه الحكومة حقا، وإذا امتلكت حق التصويت في يوم ما، فسوف أختار أردوغان بالتأكيد رئيسا لي".

ليست يوتوبيا دائما

ومع أن حي الفاتح ليس غريبا على المهاجرين، فقد أدت هذه الموجة من الهجرة إلى شعور بعض سكان الحي بشيء من عدم الارتياح بسبب التغير السريع لحيهم.

وعلى الرغم من أن عائشة أرغون 73 عاما هي نفسها مهاجرة، وجاءت إلى الفاتح مع عائلتها من بلغاريا في عقد الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان عمرها ثلاث سنوات، فإنها تشعر أن التدفق الأخير للاجئين السوريين قد خلق الكثير من التغيير.

وقالت عائشة: "هذا أمر يشعرني بشيء من الانزعاج، ليس لأنني لا أحب المهاجرين السوريين، فهم إخوتنا وأخواتنا، وأود أن أساعدهم دائما، لكن المكان تغير، ولا يمكنني أن أقول إنني أحب هذا التغيير.

تحمل عائشة حقيبة التسوق، وتتنقل عبر سوق الفاتح المركزي المعروف باسم سوق مالطة. وقالت لميدل إيست آي: "على مدى ستين عاما أتسوق بضائع البقالة من من هنا، وأعرف كل زاوية في السوق. أما الآن فأسمع العربية أكثر من التركية، وأرى أطعمة مختلفة، وتنبعث روائح غير مألوفة. أشعر وكأنني غريبة في بيتي".

ويقول هاكان جولميز الذي يدير محل بقالة في حي الفاتح: "هذا أمر غير مقبول. هؤلاء السوريون يتجولون ويبتسمون ويضحكون ويزعجون الناس، بينما تعيش بلادهم في حرب. لن أتصرف هكذا إذا كانت بلدي في حالة حرب".

وأضاف جولميز وهو تركي كردي انتقل إلى إسطنبول من مدينة سيرت التركية في عام 1994، وبدأ عمله قبل عشر سنوات: "السوريون يتحدثون بصوت عال يسبب الإزعاج. وكل ما نطلبه هو أن يتصرفوا بصورة صحيحة، وأن لا يزعجوا الناس. وما نطلبه ليس بالكثير".

في المقابل يقول ديريجي إن قواعد الضيافة تتطلب معاملة السوريين بوصفهم ضيوفا. وتركيا منذ أربعين عاما كانت بلدا فقيرة جدا عن تقديم يد العون، لكنها قادرة الآن على القيام بذلك. وأضاف: "كيف يمكن لأي شخص أن يجلس وهو شبعان بينما جاره جائع؟ من واجبنا تقديم المساعدة".

ويرفض ديريجي اتهام مجتمعات كاملة على أساس حوادث متفرقة. وقال: "اللصوص موجودون في كل مكان وبين جميع البشر، لكن منطقتنا آمنة عموما، ومعظم أهلها طيبون وشرفاء بمن فيهم السوريون".

من جانبه اتهم جولميز السوريين بالتسبب في الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات. لكن هذه الشكوى  مألوفة، على الرغم من أن الملاك الذين يطلبون هذه الإيجارات المرتفعة ليسوا سوريين، بل إن السوريين أنفسهم ضحايا هذه الممارسات.

جاء عصام عبيدي 52 عاما إلى إسطنبول قبل عامين، وافتتح أول مطعم يمني في حي الفاتح، وقال إن الإيجارات المرتفعة وتراجع الاقتصاد هي تحديات يحاول التغلب عليها، مشيرا إلى أن مطعمه يعتمد على السياح العرب.

وأضاف عبيدي الذي كان يملك أول مطعم يمني في دمشق  قبل 17 عاما إن الشعب التركي ليس منفتحا على تجربة الأطعمة الجديدة. معظم الناس الذين يتناولون الطعام في مطعمي هم ممن يحبون الأرز، من العرب والأفارقة ومن مواطني الشرق الأقصى.

يشعر عبيدي وهو في الأصل من القوقاز بترحيب كبير من الأتراك، وقال إنهم يعاملونه كما لو كان واحدا منهم. وعلى الرغم من التحديات يشعر بألفة قوية تجاه الشعب التركي، وقد قال إنه لن يفكر أبدا في ترك تركيا من أجل حياة أكثر ثراء في أوروبا.

وأضاف: "فتحت تركيا أبوابها لنا، ونشعر أننا محل ترحيب هنا. تمكنت من فتح عملي ولي نفس الحقوق التي يتمتع بها التركي. من ناحية أخرى كانت أوروبا أنانية في مساعدة اللاجئين السوريين، ولم تسمح لنا أي دولة عربية بالدخول إليها. المكان الوحيد الذي يمكن أستبدله بإسطنبول هو وطني سوريا".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس