سيرغي ستروكان، ماكسيم يوسين، كيريل كريفوشيف، تاتيانا إدوفينا - كوميرسانت - ترجمة وتحرير ترك برس

يلتقي اليوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، في زيارة من شأنها أن ترسم خطة تعاون تتجاوز كل أزمات الماضي. كما من المرجح أن يُستأنف التعاون التركي-الروسي، بعد أن شهد انتكاسة كبيرة على إثر تدمير الطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015.

ومن أهم القضايا التي سيتم طرحها خلال هذه المحادثات هو التعاون العسكري في الحرب السورية. فبعد وقف إطلاق النار والبحث عن سبل التسوية السلمية في المنطقة، تحاول كل من أنقرة وموسكو الاتفاق على مستقبل النظام في دمشق، إلى جانب محاربة تنظيم الدولة.

 وتجدر الإشارة إلى أن مدينة منبج السورية تحظى باهتمام كبير لدى أنقرة، بالإضافة إلى أهمية التنسيق لتحرير الرقة (عاصمة تنظيم الدولة). فضلا عن ذلك ومع بشائر نهاية الحرب الأهلية في سوريا، تجتهد تركيا بمساعدة روسية، في منع إقامة كيان مستقل معادي لتركيا؛ ألا وهو كردستان سوريا.

تأزم العلاقات

يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موسكو بعد مرور سنة ونصف على زيارته الأخيرة التي تمّت بتاريخ أيلول/ سبتمبر 2015 للمشاركة في حفل افتتاح المسجد المركزي إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين. لكن سقوط الطائرة الروسية ومقتل طيارها في نفس السنة، أدى إلى أزمة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الثنائية قبل أن تُستأنف العلاقات الثنائية في آب/ أغسطس الماضي عندما اجتمع فلاديمير بوتين برجب طيب أردوغان في سانت بطرسبرغ.

استعادة العلاقات التجارية السابقة

يتجه الزعيم التركي إلى العاصمة الروسية لاستعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين ولكسر الجمود الذي اعترى المشاريع السابقة بين الدولتين خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2016. فقبل أزمة سنة 2015 كانت تركيا تعدّ إحدى أكبر شركاء روسيا التجاريين.

والجدير بالذكر أن من أهم البنود المدرجة على جدول أعمال الرئيس التركي في هذا الاجتماع هو استعادة التعاون التجاري بعد فترة طويلة من الانقطاع الذي دام سنتين. كما أن من المهام الطموحة للرئيس التركي، التمكن من تحقيق حجم تبادل تجاري يبلغ 100 مليار دولار، ما سيحتاج إلى إزالة عدد من القيود التجارية التي تم فرضها خلال فترة تراجع العلاقات بين الطرفين.

اتفاقيات تعاون في عديد المجالات

من المواضيع المهمة التي سيتم مناقشتها خلال الاجتماع، هي موضوع الطاقة، أهمها خط أنابيب الغاز "التيار التركي" الذي سيمثل مشروع تعاون هام بين روسيا وتركيا في مجال الطاقة. علاوة على ذلك، سيوقع الصندوق الروسي للاستثمار اتفاقية  شراكة مع الجانب التركي بهدف دعم عدد من المشاريع في عديد المجالات على غرار الصحة والسياحة وغيرها.

في الواقع، يضم الوفد التركي برئاسة الرئيس أردوغان وزير الدفاع التركي فكري إشيك الذي سيناقش مع موسكو إمكانية تزويد أنقرة بأسلحة روسية، بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات من طراز"س-400"، ما قد يفتح المجال أمام تعاون روسي-تركي في مجال الأسلحة.

بالإضافة إلى ذلك، ووفقا للمكتب الصحفي للكرملين خلال هذه المفاوضات، فإنه "من المتوقع تبادل وجهات النظر حول مستقبل التعاون العسكري في مجال محاربة الإرهاب وتسوية الأزمة السورية". والجدير بالذكر، أنه تم الشروع في البحث عن سبل الاتفاق حول وقف إطلاق النار في سوريا في نهاية كانون الأول/ ديسمبر من العام المنصرم، تلته محادثات أستانا، ثم محادثات جينيف التي انتهت بقرار الهدنة. أما أنقرة، فتحاول التوصل لاتفاق مع روسيا حول قضيتين رئيسيتين إحداهما مستقبل النظام في دمشق فضلا عن آفاق التعاون مع روسيا في محاربة تنظيم الدولة.

مدينة منبج

إن أحد أهم المواضيع التي سيتم مناقشتها خلال المحادثات التي ستجمع بين أردوغان ونظيره الروسي بوتين هو الوضع العسكري على الأراضي السورية وخاصة في مدينة منبج (شرق حلب)، إذ أن مصير المدينة أصبح يثير قلق أنقرة بعد استيلاء "قوات سوريا الديمقراطية" عليها إثر تنفيذها لغارات مكثّفة تستهدف مواقع تنظيم الدولة في المدينة ومحيطها بقيادة الولايات المتحدة.

في الحقيقة، عند انطلاق القوات المسلحة التركية في تنفيذ عملية "درع الفرات" على الأراضي السورية كانت تحارب جبهتين هما مسلحو تنظيم الدولة والجماعات الكردية المنتشرة التي تحظى بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي شهر آذار/ مارس، تمكنت القوات التركية من السيطرة على مدينة الباب السورية التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن هدف القوات التركية التالي هو أكراد منبج.

كما هدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، يوم الخميس، بضرب قوات وحدات حماية الشعب في بلدة منبج شماليّ سوريا في حال لم تغادر المنطقة. وبالتالي، فإن أنقرة تخطط لتنفيذ هجوم على منبج إلا أن أمامها العديد من التحديات، التي تتمثل في تعقيد الأمور حول مدينة منبج السورية بين موسكو وأنقرة ودمشق.

تعليقا على الوضع الراهن، وعلى خلفية المحادثات بين أنقرة وموسكو اعترف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن "تنفيذ القوات المسلحة التركية لعملية منبج لا معنى لها دون اتفاق مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية". في المقابل، يبقى العامل الكردي مصدر إزعاج كبير لأنقرة، خاصة وأن الجماعات الكردية في سوريا ترتبط بصفة مباشرة مع حزب العمال الكردستاني (المصنف على أنه تنظيم إرهابي في تركيا).

وبالنسبة لتركيا، يعتبر حزب العمال الكردستاني المسؤول الأول على تنظيم العديد من العمليات الإرهابية في مناطق عديدة من تركيا، مما أسفر عن مقتل العديد من الجنود والمدنيين. لذلك، لا يعد مقبولا لدى أنقرة وجود الأكراد بالقرب من حدودها. ولهذا، تطالب أنقرة شركائها وبالتحديد روسيا، بضرورة الأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة الأكراد على أمن تركيا وتؤكد على أهمية مغادرة القوات الكردية لمدينة منبج.

تحرير الرقة

تأخذ مسألة تحرير الرقة (العاصمة الحالية لتنظيم الدولة) حيزا كبيرا من المفاوضات الثنائية بين روسيا وتركيا. ويذكر أن القوات التركية تمكنت في البداية من لعب دور هام، إلا أن نشاطها العسكري تراجع نتيجة التحركات العسكرية السريعة.

فمع تمكن القوات التركية من السيطرة على مدينة الباب، وجدت نفسها أمام القوات السورية التي تتكون في أغلبها من الأكراد. علاوة على ذلك، تحركت قوات النظام في جوار مدينة الباب بهدف قطع طريق "درع الفرات" جنوبا نحو الرقة. كما تقدمت القوات الكردية نحو منبج، مما يعني أنه أصبح على أنقرة الاتفاق مع النظام السوري بوساطة روسية حتى تتمكن من التقدم نحو الرقة.

في المقابل، ترفض تركيا مشاركة القوات الكردية في تحرير مدينة الرقة العراقية نظرا لتصنيفها للقوات الكردية على أنها تنظيمات إرهابية.  أما بالنسبة لتركيا، فإن إحدى أهم أولوياتها منذ انطلاق عملية "درع الفرات"، هي منع الأكراد من إنشاء كيان مستقل كردي متاخم لحدودها. ووفقا لتقارير وسائل إعلام عالمية، فإنه قد تمّت مناقشة وضع مدينة الرقة في السابع من آذار/ مارس في أنطاليا خلال محادثات جمعت رئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف ونظيره التركي خلوصي أكار والأمريكي جوزيف دانفورد.

وبحسب معلومات مؤكدة، فإنه سيتم مواصلة النقاش حول مسألة الرقة خلال محادثات موسكو التي ستجمع بين قادة روسيا وتركيا. وتبعا للنتائج التي سيتم التوصل إليها من خلال هذه المحادثات، سيتم تحديد آفاق التعاون في مجال محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط ليس فقط بين تركيا وروسيا، وإنما أيضا مع الولايات الأمريكية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس