ترك برس

أثارت الهجمة العنصرية الشرسة التي تتعرض لها تركيا خلال الآونة الأخيرة، العديد من التساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والحريات لدى الدول الأوروبية في ظل النمو المتصاعد لأحزاب اليمين المتطرف وخاصة في ألمانيا والنمسا وهولندا والسويد وغيرها.

وأمس السبت، سحبت هولندا تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أراضيها، ورفضت دخول وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية فاطمة بتول صيان قايا إلى مقر قنصلية بلادها في مدينة روتردام، لعقد لقاءات مع الجالية ودبلوماسيين أتراك، ثم أبعدتها إلى ألمانيا في وقت لاحق.

تلك التصرفات التي تنتهك الأعراف الدبلوماسية وُصفت بـ"الفضيحة"، ولاقت إدانات من تركيا التي طلبت من سفير أمستردام، الذي يقضي إجازة خارج البلاد، ألا يعود إلى مهامه لبعض الوقت، فضلاً عن موجة استنكارات واسعة من قبل سياسيين ومفكرين ومثقفين ومسؤولين من دول عربية وإسلامية.

وفي وقت سابق، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى أنّ الغرب لا يريد لتركيا أن تكون دولة ديمقراطية قوية، وانتقد ردود الأفعال الغربية على الإجراءات التي اتخذتها أنقرة بعد المحاولة الانقلابية منتصف يوليو/تموز الماضي.

وقال أردوغان: "يتعين على الدول الغربية أن تفكر مرة أخرى قبل أن تحاول تلقين الشعوب الأخرى دروساً في الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، وسيادة القانون. يتوجب عليهم تقييم تصرفاتهم في الخامس عشر من يوليو. كما ينبغي على الغرب الخضوع لمحاسبة ذاتية جادة بشأن التمسك بالقيم العالمية التي يدعي أنه من أشد المدافعين عنها".

ويطلق مصطلح اليمين المتطرف علي الجماعات، والأحزاب لوصفها من الصعيد السياسي، وتنقسم الأحزاب اليمينية إلى يمين تقليدي، ومتطرف، يسعى اليمين التقليدي للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، وفقًا لمركز "البديل" للتخطيط والدراسات الإستراتيجية.

أما المتطرف يسعى إلى التدخل القسري، واستخدام العنف للحفاظ على التقاليد، والأعراف، والتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني، ومعاداة المهاجرين بشكل عام، والمهاجرين المسلمين بشكل خاص، ذلك لأنه يرى أن ما يحدث من جرائم، وسرقات يعود لزيادة الهجرة بشكل عام وهجرة المسلمين بشكل خاص.

وينشط قادة أحزاب اليمين في وسائل الإعلام لنشر أفكارهم المتطرفة التي تتركز أساسا على "معاداة الإسلام" و"طرد اللاجئين والمهاجرين" إضافة إلى دعواتها الدائمة لتفكيك دول الاتحاد الأوروبي والخروج من منطقة اليورو، بحسب تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.

ويرى مراقبون أن من الأسباب التي أدت للصعود اليميني المتطرف في أوروبا، انهيار الاتحاد السوفيتي، وثورات الربيع العربي، وعدم الرضا الشعبي عن أداء الأحزاب اليمينية التقليدية، والإرهاب داخل أوروبا، فضلًا عن مخاوف وصول اضطرابات الشرق الأوسط للعالم الغربي، ظاهرة الإسلاموفوبيا.

كما يعتبر تدهور أوضاع الأقليات في العالم الغربي من العوامل الأساسية الناتجة عن صعود اليمين المتطرف في أوروبا، خاصة العرب والمسلمين، فمن المتوقع أن تؤدي النزعة اليمينية المتطرفة، على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، إلى فرض المزيد من القيود على الحقوق الاجتماعية والثقافية للأقليات، والجاليات الأجنبية، مع توقعات بفرض المزيد من الشروط التعجيزية فيما يخص الهجرة، والتجنيس.

من المتوقع أن يعاد النظر في عضوية الاتحاد الأوروبي أو في نمط تنظيمه للعلاقات بين أعضائه، بسبب إعلان الأحزاب اليمينية المتطرفة انتقادها الحاد لما تسميه، سيطرة المؤسسات الأوروبية الاتحادية على القرار الوطني للدول، وتستهدف هذه الأحزاب تفكيك الاتحاد الأوروبي، وانفصال دوله، وإلغاء عملة اليورو، وإعادة التداول بالعملات القديمة، ووقف الهجرة المفتوحة.

وأظهرت استطلاعات الرأي في ألمانيا مؤخرا تراجعا في شعبية المستشارة أنجيلا ميركل، حيث يعتقد 52% من الألمان أن سياستها سيئة تجاه اللاجئين، وتشهد أحزاب اليمين تقدما بطيئا لكنه ملحوظ ولا سيما بعد أحداث التحرش بساحة كولن في احتفالات رأس السنة لهذا العام.

ودعت زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني إلى تحويل إدارة شؤون اللاجئين إلى إدارة لتهجيرهم، ونقل المهاجرين الذين لم تقبل طلبات لجوئهم إلى جزر خارج أوروبا، فيما دعا اليميني النمساوي المتطرف نوربرت هوفر الذي خسر انتخابات الرئاسة في مايو/أيار 2016 إلى منع الملابس الدينية التي ترتديها المسلمات، وفق تعبيره.

هذه الدعوات التي لم تلق حتى الآن قبولا حكوميا في عدد من الدول الأوروبية أصبحت أمرا واقعا في بولندا التي يتزعم فيها حزب الحقوق والعدالة المتطرف الحياة السياسية، والتي أعلنت صراحة في يوليو/تموز الماضي عن قرار يقضي بعدم استقبال اللاجئين والمهاجرين على أراضيها.

ويرى المستشرق الهولندي في جامعة تلبورخ يان ياب دي روتر الذي ألف عن حزب اليمين المتطرف في هولندا كتابا بعنوان "القذى التي في عين أخيك-حرب الإسلام المزعومة على الغرب" أن هناك مؤشرات خطيرة على تنامي قوى تعمل ضد الديمقراطية في كل مكان في العالم، ومنها صعود اليمين الشعبوي في أوروبا، وخطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الديمقراطية في أميركا.

ويضيف روتر أنه في حال انتصرت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية التي ستشهدها هولندا وألمانيا والرئاسية في فرنسا خلال العام الجاري، فسيكون السؤال الكبير عما إذا كان اليمين الشعبوي سيتولى السلطة هناك، وهل سيحافظ على دساتير بلدانهم.

وفي فرنسا، يتبنى حزب "الجبهة الوطنية" الذي تأسس عام 1972، ويرأسه مارين لوبان، الخطاب العدائي تجاه المهاجرين، ويسعى لتقليل الإعانات للمهاجرين مثل الرعاية الصحية، وحصل الحزب على 27% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي عقدت نهاية العام 2015.

أمّا في هولندا، فإن حزب "الحريّة" الهولّندي يشبه حزب "الجبهة الوطنيّة" الفرنسي بتبنّيه موقفًا معاديًا للإسلام، وللاتّحاد الأوروبّي والمهاجرين الأجانب.

ويرفض هذا الحزب انضمام دولة مسلمة كتركيا إلى الاتّحاد الأوروبي، ويستند منهجه إلى التّراث المسيحيّ في أوروبا، وحصل هذا الحزب على 4 مقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبّي الماضية من أصل 26 لهولندا.

وفي النمسا، يُشكّل حزب "الحرية" اليميني، 40 مقعدًا من أصل 183 مقعدًا في المجلس الوطني، وشعار الحزب "النمسا أولًا"، وارتكزت حملة نوربرت هوفر الرئاسية، على تقليل المنافع التي يحصل عليها المهاجرون، ومنح النمساويين الأولوية في العمل.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!