سيباستيان فيشر - دير شبيغل - ترجمة وتحرير ترك برس

يعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أسلوب جريء ومستفز في الصراع الذي يخوضه مع دول أوروبا الغربية، في خضم الحملة الانتخابية التي يقوم بها. في حين اعتمدت هولندا أسلوبا تصعيديا ضده، لماذا تلتزم ألمانيا بسياسة الصمت وتفضل أنجيلا ميركل عدم التصعيد؟

كانت نهاية الأسبوع المنقضي مليئة بالأحداث المثيرة، وتبعث في نفس الوقت على القلق، حيث ارتفع منسوب التوتر بشكل سريع، بطريقة استفادت منها كل الأطراف المتدخلة في الأزمة. هذا هو الحال على الأقل فيما يخص الأزمة بين تركيا وهولندا، إذ أن الحكومة الهولندية تريد الثأر من نظيرتها التركية في خضم الحملة الانتخابية.

لذلك، تم منع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو من النزول من طائرته يوم السبت، كما تم إجبار وزيرة الأسرة التركية على العودة لألمانيا، وهو ما دفع بالأتراك للرد بقوة حيث شبه أردوغان هذه التصرفات بالحقبة النازية، بعد أن كان قد أطلق نفس الأوصاف سابقا على ألمانيا. كما هدد الرئيس رجب طيب أردوغان بأن "تصرف هولندا ستكون له عواقب وخيمة"، وقال: "سوف يدفعون الثمن، تركيا لم تقم بعد بكل ما يمكنها القيام به".

هكذا نجح أردوغان خلال الأيام القليلة الماضية في التصرف بطريقة جريئة في هولندا، وهو ما لم يحصل في ألمانيا، التي لا تزال تعتمد أسلوبا دفاعيا في التعامل مع أنقرة. وقد تلت هذا التصعيد بين أنقرة وروتردام مظاهرات شعبية واحتجاجات، مما أجبر قوات الأمن على التدخل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تصرف الحكومة الهولندية يتزامن مع الانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها يوم الأربعاء، حيث وجدت الحكومة التي يقودها مارك روته نفسها مضطرة لاعتماد هذا الأسلوب لمجاراة السياسي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز. ولكن هل كانت هذه السياسات مفيدة؟ وهل نجحت في تحقيق ما تريده؟

وفي هذا السياق، صرح مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، نيلس آنين بأن "السياسة الخارجية أحيانا تواجه معضلة وحتمية الاختيار بين حلين أحلاهما مر. فبالنسبة لأردوغان، قد تكون هذه العاصفة في مصلحته وذلك حتى يتمكن من حشد صفوفه وكسب المزيد من التأييد الشعبي أمام هذه السياسات الأوروبية، فضلا عن كسب المزيد من التأييد لدى الجاليات التركية في أوروبا. وبالتالي، سيتمكن أردوغان من الحصول على الأغلبية في الاستفتاء الدستوري الذي سينظم في 16 نيسان/ أبريل المقبل، والذي سوف يتحول بتركيا نحو النظام الرئاسي وسيجمع المزيد من السلطات في يد رئيس الجمهورية".

أما الحكومة الألمانية، فقد اعتمدت خلال الفترة الماضية أسلوبا مختلفا تماما عن أسلوب نظيرتها الهولندية، حيث أنها فضلت عدم التصعيد وعدم اعتماد الأسلوب الاستفزازي. فقد قامت عدة بلديات ألمانية بمنع حضور مسؤولين أتراك في اجتماعات انتخابية في حين ظلت الحكومة الفدرالية متحفظة ونأت بنفسها عن هذه القرارات.

وفي بداية الأسبوع الماضي، ردت المستشارة الألمانية بشكل محتشم على تصريحات الرئيس التركي ووصفه لألمانيا بالنازية، حيث قالت إن هذا التشبيه "في غير محله"، وامتنعت عن الإدلاء بأي تصريحات من شأنها أن توتر العلاقة بين البلدين. ومع نهاية الأسبوع، اتخذت ميركل موقفا أكثر حزما، من خلال تأكيدها على أن "هذه التشبيهات يجب أن تتوقف"، لكن حتى هذا الموقف لا يعتبر تصعيدا من جانب ألمانيا. ولكن ماذا لو كان هذا الأسلوب خاطئا؟

وفقا للحكومة الفيدرالية، فإن هذه الأوضاع المتوترة ستنتهي على أية حال بعد انتهاء الاستفتاء في تركيا، وإلى ذلك الحين تواجه ألمانيا خيارين معقدين:

- إذا قررت الحكومة الفيدرالية منع الوزراء الأتراك من حضور الاجتماعات الانتخابية على أراضيها، حتى لو كان القانون يسمح لها بذلك، فإن أردوغان سيستفيد من ذلك وسيكسب المزيد من دعم الجالية التركية في ألمانيا.

- إذا سمحت بهذه الاجتماعات الانتخابية على الأراضي الألمانية، فإن هذه الجالية التركية سوف تزداد داخلها الانقسامات وسوف تنتقل الصراعات الداخلية التركية إلى الأراضي الألمانية.

يبدو أن ميركل ذاهبة إلى الخيار الثاني، حيث أنها مستعدة لتحمل كل تبعات هذه الحملة الانتخابية. ومن جهتها، اختارت هولندا الحل الأول.

في الواقع، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية الألمان يساندون السياسة التي تعتمدها ميركل، حيث أن 62 بالمائة منهم يرون أن حكومتهم يجب أن ترد على استفزازات أنقرة بأي حال. في المقابل، 29 بالمائة منهم فقط يساندون فكرة اتخاذ إجراء صارم مثل منع السياسيين الأتراك من دخول البلاد.

ومن جهته، يعتبر نيلس أن ميركل اعتمدت الخيار الصائب، حيث صرّح قائلا: "أثبتت الصور المقلقة التي جاءت من هولندا إثر اندلاع الأزمة، أن ألمانيا كانت حكيمة في سياستها الحذرة والهادئة مع تركيا إذ أن التصعيد لا يصب إلا في مصلحة الحكومة التركية". وفي نفس الوقت، بانت ردود أفعال مختلفة من شخصيات ومؤسسات ألمانية نفذ صبرها وتريد التعامل مع أنقرة بمزيد من الحزم.

فقد عبر وزير الداخلية توماس دي ميزيار بكل وضوح عن معارضته لتنظيم اجتماعات انتخابية بحضور مسؤولين أتراك في ألمانيا، إلا أن دي ميزيار المنتمي لحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي لم يحدد الردود التي يراها مناسبة في هذا السياق، حيث قال: "بالنسبة لمسألة منع دخول السياسيين الأتراك في الوقت الحالي، أعتقد أنه يجب في هذه الفكرة التفكير بكل حذر".

أما نوربيرت روتغين من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، فإنه استغل هذه الأزمة للقول بأنها حجة إضافية في مسألة الجنسية المزدوجة وحاملي جوازات السفر التركي والألماني، حيث قال: "يجب وضع حد للجنسية المزدوجة، كما لا ينبغي منح أبناء المهاجرين الجنسية الألمانية قبل سن 21 سنة". ومن جهته، طالب حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي، إما بتجميد مفاوضات دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أو بإلغائها تماما.

من جانب آخر، يريد مسؤول السياسة الخارجية في حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي، فلوريان هان، سحب طائرات تورنادو التابعة للجيش الألماني من قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا، وهو مقترح ساندته السياسية اليسارية ساهرا فاغنيخت وزعيم حزب الخضر سيم أوزديمير. فهل ستواصل ميركل على هذا المنهج إلى أن يحين موعد الاستفتاء في تركيا؟

إن ذلك ما يتوقعه الكثيرون على الرغم من الاحتجاجات ونفاذ صبر البعض في ألمانيا. لكن يبقى السؤال المطروح هو هل ستشارك الجالية التركية في ألمانيا بكثافة في هذا الاستفتاء؟ إن الشيء الوحيد المؤكد في الوقت الحالي هو أنه بعد تاريخ 16 نيسان/ أبريل المقبل سوف تتغير أشياء كثيرة.

وعلى الأرجح، سوف تهدأ الأجواء قليلا، وهو ما يرجّحه نيلس أنين، الذي يشير إلى أنه "من الممكن أيضا أن تتغير علاقتنا بتركيا بشكل جذري بعد الاستفتاء، خاصة وأن العلاقات أصبحت أكثر برودا وأقل ودية بيننا، وهذا سيمثل على الأغلب نهاية مسار مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي". وتجدر الإشارة إلى أن الفرضية الثانية تبدو الأقرب للواقع.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس