متين غوركان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

في الآونة الأخيرة، سعت تركيا إلى تحسين علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة قطر. وقد اكتسبت العلاقات بين تركيا وقطر زخما كبيرا، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك بقيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني.

في الواقع، يدعو هذا التطور المثير للاهتمام، إلى إلقاء نظرة عن كثب على طبيعة وخلفيات هذا التقارب. فعندما زار أمير قطر تركيا في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2014، أطلقت الدولتان برنامج تعاون ثنائي، تحت مسمى "اللجنة الاستراتيجية القطرية التركية العليا"، فضلا عن قيام الدولتين بتوقيع عدد من الاتفاقيات المختلفة، في مجالات تبادل خبرات التدريب العسكري، وصناعة الأسلحة بالإضافة إلى نشر قوات مسلحة تركية في الأراضي القطرية.

نتيجة لذلك، تمركز حوالي 150 عنصرا من أفراد الجيش والبحرية والقوات الخاصة التركية، مؤقتا، في قاعدة عسكرية قطرية، منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2015، في انتظار الانتهاء من بناء القاعدة العسكرية، التي ستصبح مقرا دائما للقوات التركية هناك. ولذلك، تعتزم تركيا زيادة قواتها هناك إلى  ثلاثة آلاف عنصر، حالما تجهز قاعدتها العسكرية الخاصة.

في الحقيقة، تعددت لقاءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمير القطري تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. وكان آخر اجتماع بينهما يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما زار الأمير القطري مدينة طرابزون التركية، الواقعة على ساحل البحر الأسود.

وخلال تلك الرحلة، أبرم البلدان العديد من الاتفاقيات الهامة في مجال الطاقة، والسياحة، والإنشاءات، والدفاع، والأمن. ومن المتوقع أن تقوم تركيا بتصدير أجهزة عسكرية إلى قطر، تبلغ قيمتها 2 بليون دولار على غرار مركبات مدرعة، ورادارات، وطائرات دون طيار، ومعدات عسكرية متنوعة للاتصالات.

وفي هذا الصدد، أكّد أردوغان خلال زيارته إلى قطر، في 15 شباط/ فبراير، في ختام جولته الخليجية، على أهمية العلاقات بين تركيا وقطر، قائلا إن "قطر لطالما كانت، خاصة في الأوقات الصعبة الأخيرة، حليفا قويا لتركيا. ومع قطر، نحن نأمل في حلّ جميع المشاكل الإقليمية، فضلا عن أننا نطمح لأن يكون هذا التعاون الوثيق القائم بين تركيا وقطر مهما جدا لمستقبل المنطقة ككل".

من ناحية أخرى، أثبتت هذه العلاقات مدى متانتها، عندما تدهورت العلاقات التركية مع روسيا، التي كانت المورد الرئيسي للغاز الطبيعي لتركيا، بعد عملية إسقاط الطائرة الروسية، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015، حيث وافقت قطر على تزويد تركيا بالغاز الطبيعي المسال.

وبالعودة للاتفاقيات المشتركة، تعتزم تركيا بيع منتجات الصناعات الدفاعية لقطر، بالإضافة إلى إرسال عسكرييها إلى هناك لإجراء تدريبات مشتركة. وتجدر الإشارة إلى أن دولة قطر كانت قد أبدت تقديرها للمجهودات التي تبذلها تركيا من أجل إنشاء برامج الإنتاج المشترك، والبحث والتطوير، ونقل التكنولوجيا السهلة. في الحقيقة، فإن تركيا تدرك جيدا أن قطر، بالإضافة إلى حلفائها التقليديين، مثل الولايات المتحدة، تهتم بتنويع الترسانة الدفاعية والأمنية.

من الناحية العملية الواقعية، فإن أقصى ما تحتاجه قطر حقا، يمكن أن توفره لها تركيا حيث تطمح قطر إلى تركيب أنظمة ومنصات ذات تقنية عالية، على غرار منظومة الدفاع الإسرائيلية المضادة للصورايخ "القبة الحديدية"، وكذلك أقمار صناعية، وأجهزة تكنولوجية فضائية، وطائرات دون طيار، وفرقاطات.

للوهلة الأولى، يُمكن أن يُفهم أن الدافع الرئيسي لتركيا من هذا التقارب هو المال، حيث يمكن أن تكون هناك فرصة لتركيا لتنويع اقتصادها، والحصول على مزيد من التكنولوجيا العسكرية. في المقابل، اختارت كل من تركيا وقطر توثيق علاقاتهما في مجال الدفاع والأمن، لأنهما تواجهان معضلات أمنية متشابهة.

وعلى صعيد تلك التهديدات المشتركة، يمكننا الحديث عن خصمهما الإقليمي، إيران، الذي تنامى نفوذه في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن. فمهارة إيران في حشد الميليشيات المسلحة، فضلا عن امتلاكها لصواريخ باليستية، وتنفيذها لبرامجها النووية، أجبرت كلا من تركيا وقطر على التعاون معا للتصدي لهذا النفوذ الشيعي المتنامي.

علاوة على ذلك، مثّل وجود روسيا المتنامي في الشرق الأوسط، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، نقطة توافق أخرى بين البلدين. فبينما تتوقع دول مجلس التعاون الخليجي أن تتمتّع بفوائد اقتصادية جمة من تدخل روسيا في منطقتهم، إلا أنها تشعر بالقلق من أن تقوم بتهديد أمنها واستقلاليتها.

علاوة على ذلك القلق، تعززت مخاوف هذه البلدان بعد إشارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى النظام العالمي الذي تطمح  روسيا في إرسائه، والذي أطلق عليه في حديثه اسم "ما بعد الغرب"، إذ كان ينظر إليه على أنه انعكاس لموقف روسيا الحقيقي.

فضلا عن ذلك، شجّعت حالة الغموض وعدم اليقين، التي انتابت الشرق الأوسط بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كلا من تركيا وقطر على توثيق العلاقات بينهما. كما حفزت السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دول مجلس التعاون الخليجي على التقرب من تركيا. وتمثلت تلك السياسة في حظر الرئيس الأمريكي الجديد منح التأشيرات لستة بلدان إسلامية عند استلامه منصبه، وربطه مفهوم "الإرهاب" بالإسلام، فضلا عن تعيينه لستيف بانون، المستشار المعادي للإسلام.

من جهتهم، يخشى بعض المسؤولون والأكاديميون القطريون من أن يشمل حظر منح التأشيرة دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أن ذلك مستبعد جدا، نظرا للمصالح الاقتصادية الكثيرة التي تربط الولايات المتحدة بالمنطقة، فضلا عن الوجود العسكري الأمريكي الهائل في قطر.

في الوقت ذاته، تشهد قطر وتركيا تهديدا أمنيا مشتركا، يتمثل في وجود شبكات سلفية عنيفة ومتطرفة منتشرة في كامل المنطقة. وفي هذا السياق، قال الخبير في "مركز آسيا التركي للدراسات الاستراتيجية"، نيجار تركسي، إن "قطر أثبتت أنها تمتلك حنكة سياسية، عندما أثبتت قدرتها على التكيف مع التطورات التي تجري في المنطقة".

وأضاف تركسي قائلا: "لقد وصل حجم الأعمال التجارية التي تقوم بها الشركات التركية في قطر في مجال البناء، والدفاع، والمالية، والتجارة، إلى حوالي 15 مليار دولار. فبعد العراق والمملكة العربية السعودية، أصبحت قطر الدولة الثالثة المفضلة للاستثمارات التركية".

وفي معرض تحليله للتقارب التركي القطري، تابع هذا الخبير قائلا: "أعتقد أن حجم هذه العلاقات الاقتصادية سوف يؤدي حتما إلى تعاون عسكري بين البلدين، فمن المخطط أن يبدأ نحو ثلاثة آلاف جندي تركي العمل في قطر، فور الانتهاء من استكمال إنشاء القاعدة العسكرية، فضلا عن أنه سيُسمح لقطر بفتح قاعدة عسكرية في تركيا، إذا كانت ترغب في ذلك، بالطبع".

ووفقا لمصدر أمني في "مركز قطر العسكري للدراسات الإستراتيجية"، تحدث لصحيفة "مونيتور" طالبا عدم الكشف عن هويته، فإن "منطقة  الشرق الأوسط تشهد فراغا أمنيا كبيرا، جاء على أنقاض ثورات الربيع العربي، نظرا للتدهور التدريجي للوضع الأمني في العراق، وسوريا، ومصر، وانشغال المملكة العربية السعودية والدول الأوروبية بالقضايا الخاصة بهم، بالإضافة إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بأمن المنطقة ككل".

بناء على ما سبق، فكل هذه المعطيات الإقليمية والأمنية تمثل فرصة لتركيا لمواجهة النفوذ الإيراني والروسي المتنامي في المنطقة. وفي هذا الصدد، أشار خبير قطري آخر إلى أنه "قد حان الوقت إلى أن تشكك قطر في صحة كل العادات القديمة التي كانت تؤمن بها، وإلى تنويع شركائها ومصالحها".

وعلى ضوء التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، وضعت قطر استراتيجية جيوسياسية ذات بُعدين. يهدف البعد الأول، إلى أخذ أموال الأصول السيادية التي تجنيها من عائدات الطاقة، واستثمارها في المجالات الدولية، بهدف تنويع دخلها القومي. أما البعد الثاني، فيعمل على تحقيق التوازن بين التهديد الأمني المحتمل من إيران، من خلال التعاون مع العديد من البلدان من المنطقة وخارجها. وبالتالي، فقد جعل هذا الوضع تركيا من أفضل المؤهلين لتلبية كل الاحتياجات القطرية.

مع ذلك، لا زال التعاون بين قطر وتركيا، الذي بني على أساس الصداقة الشخصية التي تربط أردوغان وآل ثاني، بحاجة إلى وضع أسس أخرى تعزز المنظومة البيروقراطية الأمنية لكلا البلدين.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس