نيال فين - تركيا إندبندنت - ترجمة وتحرير ترك برس

ربطت قصة كرم معروفة بين الأتراك والأيرلنديين لأكثر من 150 عاما، وانتقلت هذه القصة إلى الفولكلور الأيرلندي حتى يومنا هذا.

في عام 1845 تعرضت الأمة الأيرلندية لكارثة لم تتعاف منها تمام قط، فقد دمرت مساحات شاسعة من محصول البطاطا الذي تعتمد عليه البلاد مصدرا رئيسا للطعام بسبب آفة حولت المحصول إلى عصيدة سوداء. وقد انتشرت ما عرفت "بآفة البطاطا" سريعا في جميع أنحاء أوروبا في أربعينيات القرن التاسع عشر، لكن تأثيرها كان مدمرا في أيرلندا، حيث كان السكان الفقراء يعتمدون على مزارع صغيرة لا تتجاوز فدانين لزرع البطاطا، حيث كان محصول دونم واحد يكفي لتوفير احتياجات  الأسرة من الطعام..

قتل ما لا يقل عن مليون ونصف المليون شخص، وأجبر مليون شخص تقريبا على الهجرة، حيث خسرت أيرلندا ثلث سكانها، ويعيش اليوم فيها سكان أقل ممكن كانوا يعيشون فيها قبل عام. انتقل كثير ممن هاجروا إلى المدن الإنجليزية الكبيرة التي تحولت بسرعة إلى أولى المراكز الصناعية في العالم، وأقاموا هناك منازلهم بين الجموع المتزايدة ممن طردوا من الريف، وشكلوا جماعات مترابطة عرفت في اللغة التركية باسم المنازل العشوائية.

في ذلك الوقت كانت أيرلندا ما تزال جزءا من المملكة المتحدة، وتحكمها الملكة فيكتوريا وحكومتها في لندن. خلال المجاعة التي استمرت خمس سنوات هيمن عدد صغير من الملاك الغائبين في بريطانيا على الاقتصاد، واستمروا في تصدير اللحوم والحبوب إلى الاسواق في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي تحولت فيه تجمعات المستأجرين إلى حفر للموت.

رفضت الدولة البريطانية التي كانت قد تحولت حديثا إلى عقيدة الاقتصاد الحر التدخل في الأزمة التي ساهمت هي نفسها في خلقها، ونظرت كثير من الهيآت الحكومية إلى المعاناة على أنها ضرورة، إن لم يكن سوء حظ، للتحديث الرأسمالي، وتطهير لأيرلندا من صغار المزارعين لصالح ملاك الأراضي، الأمر الذي قد يسهم في إنتاج أكثر للحوم البقر لتغذية الطبقة الصناعية العاملة المتنامية في إنجلترا.

جاءت الإغاثة الوحيدة المنظمة في شكل تبرعات فردية يقال إن الملكة فيكتوريا ساهمت فيها بخمس جنيهات فقط.

بقيت صدمة المجاعة الكبرى أو "آن جورتا مور" كما أطلق عليها في اللغة الأيرلندية، محفورة بعمق في الوعي الوطني الأيرلندي. وبعد أكثر من مائة عام على انتهاء هذه المجاعة، وبعد مدة طويلة من حصول أيرلندا على استقلالها أزيل تمثال الملكة فيكتوريا نهائيا من شوارع دبلن. وقبل إزالة التمثال صعد أحد المارة إلى واجهة التمثال ملوحا بورقة خمس جنيهات إسترلينية في وجه التمثال البرونزي، وعندا أدرك الجميع أهمية هذه الإيماءة".

هذه الإيماءة البسيطة للتمرد ليست مستغربة في أيرلندا؛ فعلى الرغم من أنه لا يشار إليها في كثير من الأحيان عند كتابة التاريخ، فقد اعتاد الناس أن يقصوها ليتذكروا أخطاء الماضي، ويتأكدوا أن الأعمال الصالحة لا تنسى أبدا.

في رواية "يوليسس" لجيمس جويس التي تعد أعظم رواية أيرلندية، تصيح إحدى الشخصيات من مدينة دبلن "حتى عظيم الأتراك أرسل إلينا قروشه، لكن الإنجليزية حاولت تجويع الأمة في وطنها، وبينما كانت الأرض مليئة بالمحاصيل اشترتها الضباع البريطانية وباعتها في ريو دي جانيرو".

هناك أدلة على أنه عندما وصلت أنباء المجاعة إلى الإمبراطورية العثمانية المضطربة أرسل السلطان عبد المجيد الأول ألف جنيه، في موقف مناقض تماما لموقف الملكة فيكتوريا.

في ميناء دروغدا أحد أقدم المدن الساحلية في أيرلندا تواترت حكاية لمدة طويلة من الزمن عن السفن العثمانية التي عبرت نهر بوين لإيصال الطعام مباشرة إلى سكان المدينة. وتستمر القصة لتروي أن السلطان عبد المجيد الأول عندما استمع إلى محنة الأيرلنديين من طبيبه الأيرلندي أراد التبرع بعشرة آلف جنيه أي ما يعادل اليوم مليون جنيه إسترليني أو خمسة ملايين ليرة تركية للمساعدة في إطعام من يقتلهم الجوع.

على أن مستشاري عبد المجيد الثاني أقنعوه بأن هذا المبلغ الكبير سيسبب إحراجا كبيرا للملكة فيكتوريا، ومن ثم تبرع بألف جنيه فقط، وأرسل عدة سفن محملة باللحوم والحبوب إلى دولة ضئيلة القيمة السياسية تقع على المحيط الأطلسي. ومع استمرار التعنت الإنجليزي رفضت السلطات الإنجليزية إنزال حمولة السفن في ميناء دبلن، فاتجهت السفن شمالا إلى ميناء دروغدا وهناك وبشكل خفي وسريع فرغت حمولة المساعدات الغذائية.

وعلى الرغم من قلة المصادر المكتوبة، فإن هناك كما مدهشا من الأدلة التي تعزز هذه القصة، منها الدراسة العميقة للمؤرخ الأيرلندي مايك داش. لكن التاريخ الشفهي والسرد يميل إلى الاهتمام بالمغزى أكثر من التفاصيل. وما يزال الناس في بلد صغير كأيرلندا يذكرون تركيا وهي قادمة لمساعدتهم عندما كانوا في أمس الحاجة إلى المساعدة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس