جلال سلمي - خاص ترك برس

قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، سرحات أركمان، إن الاشتبكات بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري تبدو وكأنها قد همدت، إلا أن الجماعات المعتدلة والمصنفة على أنها غير معتدلة عازمة على مواصلة تحركها وبشدة، وعلى الأرجح عمليات دمشق وحماة هي الانطلاقة التي ستعقبها عمليات المنتشرة في جميع الجبهات.

في خضم الحديث عن خبو قوة فصائل المعارضة، وانصياعها لعملية الحل السياسي، يؤكّد بعض الخبراء أن فصائل المعارضة تمر في مرحلة إعادة بناء، وأن هذه المرحلة هي مرحلة سكون سيعقبها عاصفة عاتية.

"ليس هناك أي فصيل سوري مسلح راضٍ عن الوضع الحالي، حيث ترى أغلب الفصائل أن عملية الحل السياسي عملية هشة، وأن التقدم العسكري هو الطريق الوحيد لإجبار المجتمع الدولي على احترام وجودها"، هكذا صرح أركمان لموقع الجزيرة باللغة التركية، مردفًا أن الركيزة الأخيرة لإبقاء الدور التركي فاعلًا في الشأن السوري هي دعم فصائل المعارضة المعتدلة في إدلب.

وأوضح أركمان أن فصائل المعارضة المعتدلة تواجه اليوم فصائل "متشددة"، كالنصرة أو ما يُطلق عليها "هيئة تحرير الشام"، تريد السيطرة على القضية السورية وتحويلها من قضية "سورية وطنية" إلى قضية "جهادية"، كما أنها، أي هيئة تحرير الشام، تتعرض لقصف روسي دائم، وعلى تركيا الحفاظ على وجود هذه القوات لما تشكله من أهمية استراتيجية بالنسبة لها، فبقاء هذه القوات يعني تأمين تركيا حدودها من خطر المنظمات "المتشددة"، بالإضافة إلى كونها متواجدة في مدينة "إدلب" التي تمثل الرقعة الجغرافية الاستراتيجية القريبة والموازنة للنفوذ الروسي على الساحل السوري.

وإلى جانب ذلك، أشار أركمان إلى أن عملية "درع الفرات" تحتاج إلى عنصر محلي يكسبها الديمومة، ويحفظ هدفها الرامي إلى إبقاء "داعش" بعيدة عن الحدود التركية، وتشكيل جدار عازل أمام الهدف الكردي المتمثل في تأسيس "حزام كردي" يفصل بين الحدود التركية والسورية، ولعل العنصر المثالي لهذا الهدف يكمن في الفصائل المعتدلة المقربة أصلًا من تركيا.

وطبقًا لأركمان، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تصرح بأنها حريصة على وحدة سوريا، ولكن الواقع مغاير تمامًا لهذه التصريحات، فالولايات المتحدة تستعد اليوم لإنشاء ترسانة برية وجوية في المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية، وهذا يؤثر سلبًا في المصالح الاستراتيجية لتركيا التي تطالب بإبقاء سوريا دولة ذات سيادة، فوجود العنصر الأمريكي في سوريا بهذا الشكل، يؤثر في المصالح الاستراتيجية بشكل مباشر عبر دعمه للكيان الكردي الناشئ، إلا أنه يؤثر بشكل غير مباشر، حيث يمهد الساحة لاضطربات دولية مستمرة قريبة جدًا من الحدود التركية.

وفي إطار تعريجه على الرؤية الاستراتيجية لتركيا حيال سوريا، أوضح أركمان أن جميع القوى الفاعلة في سوريا بنت رؤيتها الاستراتيجية حيال الوضع في سوريا بالاستناد إلى دعائم واقعية، مستدركًا أن تركيا لم تقدم لنفسها رؤية استراتيجية واضحة حيال الشأن السوري، فهي رأت أن النظام السوري سيسقط بعد سنة أو سنتين من انطلاق الثورة، وبقيت على هذه الرؤية حتى اصطدمت في مطلع 2015، بوجود كيان كردي بجانبها، وبفقدانها لتأثيرها القوي في المسار العسكري والسياسي للقضية السورية، ومنذ تلك الصدمة إلى اليوم وليس لديها طروحات استراتيجية، وربما تبني أول درجة لسلم هذه الطروحات عبر رفع وتيرة الدعم المُقدم للفصائل المعتدلة.

وتعليقًا على التنسيق الروسي الأمريكي الذي ظهر في "منبج"، أوضح الخبير أن روسيا تعلم جيدًا أن تحقيق سيطرة تامة على تركيا بات أمرًا غير ممكن عبر قوات النظام فقط، لذا ترى أنه من الممكن إحداث نوع من التكاتف بين قوات النظام والقوات الكردية في صالح ما يخدم مصالحها، مشيراً إلى أن روسيا ترمي إلى التفوق على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف الكردي، من خلال تقديم الدعم المتكامل لكافة الأحزاب الكردية، وليس كما تفعل الولايات المتحدة في اتباع خطط منفصلة حيال تلك الأحزاب.

وفي وقت سابق، صرح الخبير "حسن غونيش"، لصحيفة يني أسيا التركية، بأن تركيا هي التي تحتاج إلى قوات المعارضة وليس العكس، فإهمال دعم هذه القوات يعني أن "داعش" وغيرها من الجماعات الجهادية القريبة من فكرها، ستكون على الحدود التركية، وستجد وحدات الحماية الكردية فرصة أكبر لتحقيق ما ترنو إليه.

ومن جهته، أكد الباحث في شؤون الشرق الأوسط "خالد هنية" أن دعم تركيا لقوات المعارضة يحقق إرتياح لتركيا وفق معادلة "القتال بالوكالة"، وهو ما يسمح لتركيا أن تناور ميدانيًا وسياسيًا بشكل أوسع، موضحًا أن تركيا في أمس الحاجة لتلك القوات في توجيه عملية الصياغة الجغرافية السياسية التي تتعرض لها سوريا اليوم لصالحها.

هذا وقد طفا على السطح نقاش حول احتمال قطع تركيا للدعم أو مواصته لصالح قوات المعارضة، بعد اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية قرار قطعها لدعمها لها بكافة الأشكال، إلا أن معظم آراء الخبراء تصب في صالح فرضية "استمرار تركيا في دعمها، بل وزيادته."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!