
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، في صحيفة يني شفق المحلية، ثلاثة محاور رئيسية تعكس التحديات المعقدة التي تواجهها تركيا في المرحلة الراهنة.
يستعرض بستان في البداية انطلاقة لجنة برئاسة رئيس البرلمان التركي لإدارة عملية نزع سلاح تنظيم "بي كي كي"، والتي توصف بأنها الأكثر حساسية في تاريخ المواجهة مع التنظيم، وسط تحوّل في منهجية المعالجة من "القاعدة إلى القمة" إلى "القمة إلى القاعدة".
ويحذر الكاتب من العقبة الإقليمية المتمثلة في "قسد/واي بي جي"، التي لم تُظهر التزامًا باتفاق نزع السلاح مع النظام السوري، وسط مؤشرات على تدخلات إسرائيلية مباشرة.
كما يتناول أزمة حرائق الغابات المتصاعدة، مشيرًا إلى أن الجفاف الحاد وسلوكيات بشرية خاطئة تقف وراء غالبية هذه الكوارث، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لإدارة بيئية أكثر وعيًا ومسؤولية.
وفيما يلي نص التقرير:
تعقد اللجنة المشكلة برئاسة رئيس البرلمان التركي "نعمان كورتولموش" اجتماعها الأول اليوم، حيث سيتم تحديد آلية عملها وإجراءاتها. ويمثل هذا الاجتماع منعطفاً جديدًا وحاسماً في عملية نزع سلاح تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، وتعد من أكثر المراحل حساسية وتتطلب إدارة حذرة.
وتتميّز هذه العملية، التي تُعرف بـ "تركيا خالية من الإرهاب"، بفارق جوهري عن سابقاته، فعملية السلام السابقة كما هو الحال في أغلب التجارب العالمية، كانت تدار بمنظور تصاعدي (من القاعدة إلى القمة)، أما الإجراء المتبع حاليًا لنزع سلاح التنظيم فيتمّ من الأعلى إلى الأسفل، وهو ما جعلها أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق النتائج المرجوة.
وقد بدت مؤشرات هذه المرحلة جلية منذ تصريحات زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، في أكتوبر الماضي، والتي أوحت بقرب حدوث تطورات ملموسة. كما أن المداولات التي جرت خلف الأبواب المغلقة، بما في ذلك اتصالات جزيرة إمرالي، أسهمت في نضج الملف. وقد وجَّه عبد الله أوجلان دعوة صريحة للتنظيم بإلقاء السلاح وحل نفسه، ليشرع الأخير، الشهر الماضي، في عملية تسليم السلاح في مراسم رمزية.
إن إدارة هذه العملية من قبل الدولة، بجدية وسرية تامة، ومع عدد محدود من الأطراف المعنية في المرحلة الأولى، يجعل السيطرة عليها أسهل نسبيًا. غير أن التحديات الحقيقية تبدأ حين يُفتح الملف أمام الرأي العام، فكلّما زاد عدد الأطراف المعنية، تباينت التوقعات وتغيّرت الأولويات، وقد تتحول القضية من المجال الأمني إلى المجال السياسي، وقد تُطرح مطالب مثل "دعونا نضيف هذا إلى نقاش الملف". وفي مثل هذه اللحظة الحرجة، التي بات فيها التنظيم الإرهابي أقرب ما يكون إلى التخلي عن السلاح، ويمكن أن تزيح التطلعات الأيديولوجية والمطالب السياسية بوصلة العملية عن مسارها، وتفرغ جوهرها من مضمونه. لذا، من الأهمية بمكان أن تحافظ اللجنة، التي تضم 12 حزبًا سياسيًا و48 عضوًا، على تركيزها خلال هذه العملية.
وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن الهدف المخطط للجنة يتمثل في "إرساء البنية القانونية الكفيلة بتنظيم عودة عناصر تنظيم "بي كي كي" الذين سلموا أسلحتهم". ولا يدخل ضمن اختصاص اللجنة حلّ "القضية الكردية"، ولا الاستجابة لكافة المطالب المتعلقة بـ"عملية التحول الديمقراطي".
وفي هذا السياق، من المتوقع أن تُطرح على جدول الأعمال ثلاث محاور رئيسية؛ أولاً: مقترحات تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، بما يخص العناصر الذين سينزلون من الجبل ويعودون إلى الحياة المدنية، ثانيا: تعديلات على قانون أصول المحاكمات الجزائية تتعلق بأعضاء التنظيم المعتقلين في السجون، ثالثا: خطوات تهدف إلى إنهاء الجدل حول الوصاية.
لقد حققت العملية الجارية، حتى في مرحلتها الحالية، العديد من الفوائد لتركيا على الأرض. ومن الأمثلة على ذلك، الاكتشافات الجديدة للكهوف والمستودعات في شمال العراق، والقبض على عناصر استخبارات تابعة لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ووقف إطلاق النار، والعديد من التطورات الأخرى التي لم تُكشف بعد للرأي العام. وعند اكتمال هذه العملية بنجاح، ستتحرر تركيا من آفة الإرهاب وستدخل في مناخ من الهدوء والسلام لم يسبق له مثيل. لهذا يجب تركيز الجهود وعدم الانحراف عن الهدف الرئيسي.
الكتلة الرافضة لنزع السلاح داخل "قسد/واي بي جي"
إذا كان فقدان التركيز يُعد الخطر الأول الذي قد يُفسد مسار نزع السلاح، فإن القضية الثانية تتمثل في ملف "قسد" وذراعها العسكري "واي بي جي" الإرهابي. فوفقًا للاتفاق المبرم في 10 مارس بين الجناح السوري لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي والنظام السوري، يجب أن تلتزم "قسد" بعملية نزع السلاح وتندمج في بنية الدولة السورية. إلا أن الوضع الحالي يشير إلى أن "قسد/واي بي جي" لم تبلغ المستوى المطلوب من الالتزام. بل إن الأيام الأخيرة شهدت تصعيدًا خطيرًا، حيث نفذت "قسد" هجومًا على الجيش السوري في مدينة منبج، تزامنًا مع اندلاع اشتباكات في السويداء. وتُعزى هذه التطورات إلى تحريض إسرائيلي مباشر. وسبق أن أوضحت أن "قسد" ليست كيانًا موحّدًا؛ فهي تتألف من ثلاثة مكوّنات: فصائل مقرّبة من عبد الله أوجلان، وعناصر عربية تدعم الاندماج مع دمشق، مقابلَ كتلة يقودها قيادي سابق رفيع المستوى في "بي كي كي"، تتعاون بشكل مباشر مع إسرائيل. وكما ذكرت في مقالي السابق، فإننا "نقترب من نقطة اللاعودة مع إسرائيل"، وأن احتمالات التصعيد في سوريا عبر "الحروب بالوكالة" آخذة في الازدياد.
نحن من يحرق الغابات
كنت أنوي التطرق لهذا الموضوع سابقًا، لكن التطورات الساخنة في المنطقة دفعتني لتأجيله حتى اليوم. وكما هو معلوم، لا تقتصر حرائق الغابات الكبرى على تركيا ومنطقتنا، بل تشهدها أيضًا مناطق عديدة حول العالم. وفي هذا السياق، حصلت على تقرير موضوع على مكاتب صنّاع القرار، يتناول هذه الحرائق بالتفصيل. ويتوافق محتوى التقرير بدرجة كبيرة مع التصريحات التي أدلى بها مؤخرًا وزير الزراعة والغابات إبراهيم يوماكلي، إلا أن هناك بعض التفاصيل التي لم تُكشف للرأي العام بعد، أود أن أشارككم إياها.
النتائج الأولية
تشير البيانات إلى أن العاملين الرئيسيين المسبّبين لحرائق الغابات هما الجفاف والأخطاء البشرية. فقد سُجلت السنوات التسع الأخيرة على مستوى العالم بوصفها الأشد حرارة منذ عام 1880، بينما كان صيف عام 2024 الأشد حرارة خلال قرن كامل. أما في تركيا، فالمشهد أكثر خطورة، إذ يُظهر التقرير خريطة الجفاف للفترة الممتدة من يناير حتى يونيو 2025، حيث يخترق الجفاف قلب تركيا كالسهم، مشكّلًا حزامًا أسود يُصنَّف على أنه جفاف استثنائي، يمتد من ولايات خط الحدود مع سوريا مرورًا بأنطاليا، وصولًا إلى شريط يمتد من وسط الأناضول نحو البحر الأسود. وحتى أجزاء من ولاية جناق قلعة ظهرت على الخريطة ضمن مناطق الجفاف الاستثنائي. أما إسطنبول، فقد وُصفت مناطقها الشمالية بأنها ذات جفاف خفيف، في حين وُصفت المناطق الجنوبية بأنها متوسطة الجفاف.
حرائق في كل مكان
خلال السنوات العشر الأخيرة، تضاعفت مساحة الغابات التي التهمتها النيران على مستوى العالم. وتشير التوقعات إلى أن حرائق الغابات ستزداد بنسبة 14% بحلول عام 2030، وبنسبة 30% بحلول عام 2050. ويورد التقرير مقارنات بين الدول: حيث فقدت كندا، بين عامي 2020 و2024، نحو 1.59% من مساحة غاباتها بسبب الحرائق، بينما فقدت الولايات المتحدة 0.84%، وإسبانيا 0.40%، والبرتغال 1.15%. أما اليونان، الواقعة في نفس الحزام المناخي لتركيا، فقد بلغت النسبة لديها 0.94%، وفي إيطاليا 0.74%، في حين لم تتجاوز النسبة في تركيا 0.18%.
أسباب اندلاع الحرائق المروعة
في عام 2025، تَبيَّن أن 19% من حرائق تركيا ناجمة عن إشعال بقايا المحاصيل الزراعية، وهذه وحدها تسببت في تدمير 26% من إجمالي المساحات التي احترقت. كما أن 14% من الحرائق سببها إشعال النيران بطرق غير واعية، و13% بفعل عوامل طبيعية، بينما تسببت خطوط الكهرباء في 12% من الحرائق، لكنها أتت على 29% من المساحات المحترقة. وجاءت السجائر في المرتبة التالية بنسبة 11%، والحوادث بنسبة 7%، والزجاج المكسور بنسبة 7%، والحرائق المتعمدة بنسبة 6%. أما نيران النزهات وتنظيف الحدائق فبلغت نسبة كل منهما 5%. وتؤكد هذه البيانات أن الغالبية الساحقة من حرائق الغابات من صنع الإنسان، ولذلك أقول: "نحن من نحرق غاباتنا بأيدينا."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!