د. علي حسين باكير - العرب

هناك شبه يقين لدى المسؤولين الأتراك بأنّ الجانب الأميركي قد حسم أمره بشأن الاستعانة بميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD/YPG) في معركة الرقّة، وأنّ كل ما يحاول فعله الآن هو امتصاص رد الفعل التركي لاسيَّما بعدما تمّ إغلاق الباب أمام عملية درع الفرات للتقدّم باتجاه منبج ومنها إلى الرقّة إثر نشر القوات الأميركية والروسية في منبج على ضوء الاتفاق بين الميليشيات الكردية المدعومة أميركياً والنظام السوري المدعوم روسياً.

الحكومة التركية والمؤسسة العسكرية غير مقتنعة بتاتاً بالحجج التي يستخدمها الجانب الأميركي في تبرير دعمه للميليشيات الكردية المذكورة، وهي في مجملها تدور حول مقولة أنّ هذه الميليشيات «فعّالة في مواجهة داعش ولديها دافع لذلك»، لكن ما لا يذكره الجانب الأميركي في سياق تعليله هو أنّ هذا الدافع ينبع من رغبة هذه الميليشيات في ابتلاع المزيد من الأراضي لفيدراليتها الذاتية، وأنّ الفعالية لم تولد مع هذه الميليشيات، وإنما صُنعت عبر الدعم اللامحدود الذي تتلقاه من الولايات المتّحدة سياسياً وعسكرياً، وكذلك من خلال تحالفها مع النظام السوري، الأمر الذي جنّبها الكثير من الاستهداف.

وفي هذا السياق، فإن دعم الولايات المتّحدة لميليشيات انفصالية يهدّد وحدة الأراضي السورية، ويدفع باتجاه التقسيم بحكم الأمر الواقع الذي تخلقه وتعززه بشكل مستمر يومياً، وهي بذلك تناقض تشديدها الدائم والمستمر على وحدة الأراضي السورية.

أضف إلى ذلك، فإن دعم مساعي هذه الميليشيات الكردية في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، يترافق دوماً مع عمليات تهجير قسري بحق سكّان هذه المناطق من العرب والتركمان وحتى من الأكراد غير الموالين لها. وبذلك تكون واشنطن في موقع المساعد لهذه الميليشيات على عمليات التغيير الديمغرافي التي تجري في عموم سوريا، تماماً كما تفعل روسيا التي تساعد إيران على تنفيذ نفس المهمّة في مناطق واسعة من سوريا.

ومن غير المعروف كيف سيساعد دعم واشنطن لميليشيات (PYD) وتقويتها عسكرياً وتمكينها سياسياً من حل مشكلة داعش في الوقت الذي لا تختلف فيه تصرفاتها عن داعش أو الميليشيات الشيعية. وقد أكّدت العديد من التقارير الأممية وتقارير المنظمات الدولية ارتباط هذه الميليشيات بعمليات تهجير قسري بحق المدنيين وسلب ونهب وحرق وإغلاق مكاتب للعديد من المؤسسات المدنية الكردية قبل العربية، والمسيحية قبل الإسلامية.

إن قرار الاستعانة بهذه الميليشيات لا يختلف كثيراً عن قرار الاستعانة بالميليشيات الشيعية في العراق لتنفيذ نفس المهمة، ومثل هذا الأمر سيكون له انعكاسات كارثية على مستقبل سوريا، فضلاً عن الانعكاسات التي ستتركها التقوية المستمرة لميليشيات غير نظامية في وجه دول إقليمية كالميليشيات الكردية في وجه تركيا والميليشيات الشيعية في وجه المملكة العربية السعودية، والتكاليف المتأتيّة على إنشاء مصالح مؤقتة مع هذه الميليشيات على حساب مصالح كبيرة مع هذه الدول، وهو أمر يستغرب كثيرون حصوله، لكنّه ليس مستعصياً على الفهم.

فواشنطن لا تريد أن تعتمد على دول لأنّ للدول أيضاً حساباتها الخاصة؛ لذلك من الأسهل الاعتماد على ميليشيات يمكن التحكّم بها أو توجيهها أو توسيع دائرة الاستفادة منها، كما أن واشنطن لا تريد أن يكون لها نفوذ بالواسطة عبر الدول الإقليمية، وإنما تريده مباشراً وذلك لا يكون إلا من خلال الاستثمار في هذه الميليشيات، تماماً كما تفعل إيران في دول المنطقة، وهذه سياسة تؤذّن بمزيد من الخراب والدمار والتقسيم.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس