جمال قارصلي - خاص ترك برس

الجرائم المتتالية، والاستهتار بالقوانين الدولية، وتجاوز كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية التي يرتكبها بشار أسد على رأس نظامه، تثبت لنا وبشكل قاطع صحة المثل الشعبي المعروف: مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب. قلة أدب النظام أصبحت تحرج كل الداعمين له، حيث أن الروس والإيرانيين أصبحوا يجدون صعوبة في إيجاد المبررات لما حصل في الساعات الأولى من صبيحة يوم الرابع من نيسان/ أبريل من هذا العام في مدينة خان شيخون. ما يلفت النظر بأنه حتى الإعلام الإسرائيلي أصبح يشجب بهذا العمل الإجرامي الشنيع، بالرغم من أنه أصبح معلوم للجميع بأن أصحاب القرار في إسرائيل هم أكثر من يدافع عن بشار أسد ونظامه في المحافل الدولية وهم من أكثر الداعمين لبقائه على رأس نظامه المجرم.

التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ووزير خارجيته ريكس تيلرسون، وحتى مندوبته في مجلس الأمن نيكي هيلي، اعتبرها بشار أسد شيئًا من المباركة لأعماله الإجرامية، مما دعاه إلى الشعور بالقوة والطمأنينة وبأن أحلامه أصبحت أمرا واقعا، وأنه سيبقى جاثما على رقاب الشعب السوري إلى الأبد.

هول المشهد، والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، هزت ضمائر الكثيرين في العالم ومنهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي وصلت إلى كل مكان في العالم، وهي تظهر معاناة أطفال خان شيخون الصغار وهم يموتون خنقا أمام عدسات الكميرات ولا أحدا يستطيع أن يساعدهم من أجل إنقاذهم من الموت الأكيد.

الرئيس ترامب كان متأثرا جدا ومنفعلا لما رآه من مشاهد تهز الضمائر ويندى لها الجبين في مجزرة خان شيخون، حيث صرح على أثر ذلك وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، بأن هذه الصور أثرت به كثيرا، وأن موت أطفال خان شيخون هو جريمة في حق الإنسانية وإهانة لها، وقال بأن ما حصل في هذه المجزرة، هو شيء غير معقول وأن بشار أسد بهذا قد تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، وأضاف بأنه قد غيّر موقفه من سوريا ومن بشار أسد. أما الشيء الذي لم يفصح عنه الرئيس الأمريكي، هي الإجراءات التي سيتخذها ضد بشار أسد ونظامه، ولكنه قال بأنه ليس من عادته أن يفصح إلى أين هو ذاهب وما هو فاعل. التغيير المفاجئ والكبير في موقف ترامب بإتجاه الأزمة السورية وموقفه من بشار أسد، له دلالات كثيرة، بالرغم من انتقاداته الكثيرة للإدارة المريكية السابقة بأنها كانت تتدخل في شؤون دول أخرى ولا تهتم بالشأن الأمريكي الخاص.

هنا يطرح السؤال نفسه، ما هو الدور الروسي وكذلك الدور الإيراني في هذه المجزرة؟

هل تمت هذه المجزرة بالتنسيق مع هذين الداعمين من أجل معرفة ما هي ردود فعل الإدارة الأمريكية الجديدة في هكذا تحرشات أو تجاوزات أو في حالة القفز على حزمة كبيرة من الخطوط الحمراء؟

من الواضح بان نظام بشار أسد وكل أبواق دعاياته الداخلية والخارجية أصبحت في مأزق كبير، وها هي تحاول يائسة أن تسد الشمس بالغربال لكي تساعد هذا القاتل ونظامه من التملص من الجريمة النكراء التي ارتكبتها طائراته أمام أعين العالم وفي وضح النهار.

إن المجزرة الكيمياوية التي حصلت في الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب/ أغسطس من عام 2013 والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 شهيد، استطاعت آنذاك اللوبيات الأسدية والمحافل الدولية والمنظمات السرية والعلنية أن تعيد السفن الحربية الأمريكية من حيث أتت، والتي كانت في طريقها لمعاقبة المارق والجاني بشار أسد ونظامه.

في هذه المرة يظهر بأن غضب دونالد ترامب كبير وأن موقفه من معاقبة بشار أسد ونظامه سيكون محل اختبار على جديته في قراراته ووعوده، وإن لم يقم بشيء ما ليحفط ماء وجهه، فلن تأخذه الدول الأخرى وساستها بعين الاعتبار والجدية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيستطيع الرئيس ترامب أن يغيّر استراتيجيته بسبب موقف إنساني؟

أم ربما سيستغل الرئيس الأمريكي في عقابه لبشار أسد ونظامه الفرصة لإعطاء درسا في الأدب وعدم تجاوز الحدود المرسومة لكل القوى المارقة في العالم مثل إيران ومن هم من شاكلتها، بالرغم من أننا نعلم بأن أيام حكم الرئيس السابق أوباما كانت أسهل بكثير وأن ساحة الصراع على الأرض السورية كانت أوضح بكثير من الآن، لأن عدد الدخلاء والمليشيات الشيعية المقاتلة وغيرها على الأرض السورية تضاعفت كثيرا خلال السنوات الأربع الماضية وما يزيد الساحة السورية تعقيدا هي القوى الروسية المحتلة.

من الواضح بأن بشار ونظامه أصبحا عبئًا كبيرا على أصدقائهم، وهم ينتظرون اللحظة السانحة من أجل الخلاص من الورطة التي دخلوها ولا يعرفون الآن كيف الخروج منها. حتى إسرائيل أصبحت لا تحتمل السكوت على إجرام بشار ونظامه، لأن هذا الإجرام أصبح يضاهي إجرام النازية العالمية.

إن القلق الكبير والتوتر لدى نظام بشار ومن يدعمه هو سيد الموقف، لأنهم أصبحوا يعلمون بأن أكاذيبهم وتبريراتهم لم تعد تنطلي على أحد، وربما ساعة الحسم قد اقتربت وهم يتذكرون المثل القائل: "لا تسلم الجرة كل مرة."

عن الكاتب

جمال قارصلي

نائب ألماني سابق من أصل سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس