د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

لم تكن جريمة خان شيخون البشعة، لتمر بدون أي ردة فعل أو تحرك أممي، رغم فقدان الثقة بكل مؤسسات المجتمع الدولي، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، ومجلس أمنها، هذه المؤسسات التي سقطت منذ زمن طويل، وتحطمت كل القيم الإنسانية التي تدعيها وهي تتفرج على جرائم نظام دمشق منذ ست سنين.

فظاعة الجريمة وتوقيتها ،كانت لها دلالات ومؤشرات على ما سيتبعها من هزات ارتدادية، ومضاعفات كثيرة. فهي جاءت في وقت يعاني فيه نظام الأسد من خسارات وتراجع على أرض المعركة، وخاصة بالعاصمة دمشق بجوار القصر الجمهوري، وانحسار للدور الايراني ،رغم كل الدعم الروسي المدمر، والتخاذل الدولي، والصمت العربي.

كان النظام يأمل أن يحقق إنجازات متسارعة بعد انتصاره المزعوم في حلب، وكان يحلم بتوظيف ذلك في مباحثات الأستانة وقبل مجيء الإدارة الامريكية الجديدة. لكن المفاجآت العسكرية في حماة ودمشق إصابته بفقدان التوازن وخيبة الأمل، انعكس ذلك بشكل واضح على تصرفات وفده في مفاوضات جنيف العقيمة.

وربما هذه النكسة العسكرية والأزمة السياسية دفعتاه لارتكاب هذه الجريمة النوعية، لكي يغير قواعد الحرب ويحول الأنظار لقضية جديدة...!!؟؟

استخدام غاز السارين من جديد، وفي هذا الوقت، هو أيضا تحدي سافر لكل المجتمع الدولي، ودليل على خرق اتفاق تسليم السلاح الكيماوي، ودليل على تحدي الإدارة الأمريكية الجديدة، ورغبة  من النظام لامتحانها  واستغلال تصريحاتها الأخيرة، لتحقيق هدفه في معركة إدلب وتصفية المعارضة المسلحة هناك بحجة القضاء على الإرهاب، طالما أن الإدارة الأمريكية أعلنت أن أولويتها هي ليست اسقاط النظام بل محاربة الإرهاب...

سرعة القرار الأمريكي، والتحرك الأحادي خارج مجلس الأمن، والضربة المباغتة، فاجأت جميع المراقبين والسياسين وحتى الدول المجتمعة في مجلس الأمن لمناقشة هذه الجريمة.

وأكد هذا التحرك من جديد أن أمريكا هي التي منعت سقوط النظام حتى اليوم لتذرعها بحجج لم تأبه بها اليوم عندما أرادت القيام بعمل عسكري...!!!

لم تمض سويعات على التفاؤل والاستبشار العاطفي لدى جمهور المقهورين، بهذا التحرك السريع لمعاقبة المجرم، وخاصة بعد التغير المفاجئ للتصريحات الترامبية، وانشغال الناس بالتحليلات والسناريوهات المستقبلية، حتى بدأت خيوط وملامح الضربة العسكرية تتكشف وتحمل بين طياتها الكثير من الرسائل والمعاني وخيبات الأمل للكثيرين.

فهي كانت موجهة لمطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات لقصف مدينة خان شيخون بغاز السارين وقتل العشرات جلهم من الأطفال والنساء وتسمم المئات من المدنيين الأبرياء الذي أبوا الهجرة والنزوح وأصروا على البقاء في أرضهم ووطنهم.

هذا التخصيص بالاستهداف لمعاقبة آلة الجريمة، يحمل التناقض في طياته، فهو يترك المجرم حرًا طليقًا ويعاقب آلة الجريمة، وهذا بمثابة مكافئة المجرم وليس عقابًا له...

كما أن الحرص على معاقبة السلاح الكيماوي فقط هو دليل آخر على الازدواجية، ورسالة على أن القتل بالبراميل والقصف بالصواريخ والطائرات والحصار والتجويع والمسالخ البشرية تحت التعذيب بالسجون أمور لا تعني الغرب ولا الإدارة الأمريكية، طالما أنها لم تصل للكيماوي الذي يخدش هيبة تمثال الحرية وحقوق الإنسان المزعومة.

تزويد روسيا بالمعلومات الكافية عن الضربة الامريكية قبل أربع ساعات من تنفيذها ،دليل على وأد العملية قبل ولادتها، وكاف لسحب كل الطائرات الفاعلة، واتخاذ كل التدابير لتقليل الضرر وإخراج التمثيلية بالشكل اللائق.

وهذا ما أكدته صور المطار بعد الضربة والأضرار الخفيفة بالمدرجات وكأن الهدف كان مجرد إرسال رسالة ليس إلا...!!

تحويل الأنظار من الجريمة البشعة واستخدام الغاز المحرم إلى الضربة الهزلية، مكسب للنظام المجرم، ويثير الشكوك بأن القضية سيتم إغلاق ملفها بهذا الشكل من العقوبة، كما حدث في جريمة الغوطة التي ذهب ضحيتها أكثر من ألف وخمسائة شخص، واقتصر العقاب يومها على تسليم الأسلحة الكيماوية وترك المجرم كما يحدث اليوم. وها هي الأيام تثبت أيضا أنه لم يتم تسليم كل الأسلحة الكيماوية، وبعلم روسيا الضامن لذلك الاتفاق.

كل هذه الملابسات والمؤشرات، تدل بشكل لا ريب فيه، بهزالة الموقف الدولي وازدواجية مواقفه الفاقعة، وعدم جديته في معالجة السبب والمسبب والاكتفاء بمعالجة النتائج والأعراض، وهذا ما ترفضه كل القيم والثوابت، وما لا يقبله العقل والمنطق أيضًا.

لكن ورغم كل هذه السلبيات الواضحة للجميع، فإن هناك شيئًا من الكأس يمكن رؤية بعض القطرات من الماء فيه. من أهمها سرعة التحرك والرد الامريكي، والتصرف الفردي دون الرجوع لمجلس الأمن، وتخطي الفيتو الذي حمى الأسد لسبع مرات، وعودة أمريكا للملف السوري من جديد لإعادة التوازن، وخاصة بعد الحديث عن رغبة لتحجيم الدور والنفوذ الإيراني. كل هذه التناقضات والتقاطعات والمصالح، أمور يمكن اللعب عليها ومحاولة تسخيرها لمنفعة الثورة السورية والشعب السوري المكلوم.

كما أن هذه الضربة، أنهت الجدل حول الجهة التي استخدمت غاز السارين، ومحاولات النظام وروسيا تمييع الجريمة وإلصاق التهمة بالفصائل العسكرية المتواجدة هناك، رغم عرقلة روسيا لتشكيل لجنة تحقيق دولية، لأنها تدرك وتعرف حقيقة الأمر أكثر من غيرها.

الضربة الأمريكية جاءت لإعادة الهيبة الامريكية أولًا، وثانيًا لتأكيد عودتها للملف السوري من جديد.

لكنها أيضًا حملت كثير من الرسائل لروسيا ونظام الأسد بشكل خاص، ولكل الدول الاقليمية والمجاورة بشكل عام...

وتركيا ليست مستثناة من هذه الدول...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس