عمير أنس - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

ليس من الضروري أن تثير الرواية الغربية المشاعر القومية، على النقيض يمكنها أن تدفع الناخبين الشباب إلى تفضيل تركيا القوية والمقاومة.

يجري تدريجيًا تدويل السياسة الداخلية التركية، وذلك بفضل الجهود الصريحة التي تبذلها أوروبا للتأثير على الاستفتاء المقبل من خلال منع التجمعات المؤيدة لأردوغان التي لم تعارضها أوروبا سابقًا.

وضع القادة الأوروبيون قوات المعارضة التركية في وضع صعب بعد أن اضطروا على إدانة الدول الأوروبية لمنع التجمعات، ومنع الوزراء والدبلوماسيين الأتراك الذين يحملون جوازات سفر دبلوماسية من عقد اجتماعات مع المواطنين الأتراك.

قال زعيم حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري (CHP) كمال كليجدار أوغلو في اجتماع حاشد بإسطنبول: "إذا تم رفض وزير تركي، ينبغي على هولندا الاعتذار لنا، بكل بساطة". وما لم يكن قد أدركه معارضو أردوغان هو أن احتمالات أردوغان قوية في التغلب على القضايا التي لا يستطيع فيها خصومه الخارجيون تقديم أي مساعدة للناشطين ضد الاستفتاء.

ومع ذلك، فبالنظر إلى رد الفعل الأوروبي، لا ترى القوى العلمانية التركية، التي هي في معظمها معارضة والتي استلهمت المثل السياسية العليا للديمقراطية الأوروبية، سببًا لدعم الرواية الغربية للسياسة التركية. وبدلًا من ذلك، هناك إجماع متزايد بين الأتراك على أن جميع شركاء البلاد الغربيين وحلفاءهم المحليين غير جديرين بالثقة، مما يعطي أردوغان اليد العليا في الاستفتاء المقبل.

وإليكم خمسة أسباب تُحدّد لماذا من المرجح أن تجعل هذه الديناميات المحافظين والقوميين والناخبين المترددين يصطفون خلف أردوغان:

1- لا يمكن لمعارضي أردوغان أن يضمنوا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

تعترف جميع التقارير التي أصدرها الاتحاد الأوروبي بين عامي 2004 و2014 بشأن انضمام تركيا صراحةً بالدور الذي لعبه أردوغان وحكومته في إضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات التركية.

على سبيل المثال، في 2006، أشاد تقرير الاتحاد الأوروبي ببدء البث الكردي، بما في ذلك برامج متخصصة للمجتمعات الكردية، مما يتيح للأكراد الحرية في ممارسة حقوقهم الثقافية والتعليمية. وفي 2007، أشاد تقرير بالتقدم المحرز في تركيا مرة أخرى بحقيقة أن الديمقراطية سادت في تلك السنة على محاولات الجيش للتدخل في العملية السياسية، واعترف بالتقدم الذي قامت المؤسسات العامة ومنظمات المجتمع المدني به لحماية المرأة من العنف. وفي 2014، أشاد التقرير ببرنامج الحكومة بإرساء الديمقراطية، الذي تم تقديمه في أيلول/ سبتمبر 2013، ورحب بإنشاء مؤسسات جديدة تحمي حقوق الأفراد وحرياتهم. وفي عام 2015، رحب البرلمان الأوروبي باعتماد خطة عمل لمنع انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) في آذار/ مارس 2014 كخطوة هامة نحو مواءمة الإطار القانوني في تركيا مع الاتفاقية.

وبالنظر إلى سنوات التقارير التي تعترف بإنجازات أردوغان وحكومته، تحتاج الدول الأوروبية حقًا إلى العمل الجاد الآن لإقناع الناخبين الأتراك بأن التقدم الذي توصلوا إليه قد انقلب.

لذلك عندما يخبر أردوغان شعبه بأن الذين يخونون تركيا ويؤخرون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي هم أعضاء الاتحاد الأوروبي، فإن تصريحاته تكون جذابة ويمكن تصديقها. حيث كان قريبًا للغاية من الانضمام، وهو ما رفضته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي. وربما إذا خسرت ميركل الانتخابات، يمكن أن يبدأ أردوغان بداية جديدة أكثر واقعية في هذا الشأن.

ومن بين المعارضة التركية، لا يوجد جدول أعمال قوي ومقنع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يُمكن أن يعتمد عليه الناخب التركي. ففي غياب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، يفضل الأتراك القائد الذي لديه بدائل أكثر مما يمكن أن تقدمه الأحزاب العلمانية أو الكردية.

2- ليس لدى المعارضة خطة لتحسين اقتصاد تركيا.

يمر الاقتصاد التركي بمرحلة حرجة. حيث تشهد قيمة الليرة تراجعًا تاريخيًا مقابل الدولار منذ انقلاب 15 تموز/ يوليو الفاشل. ولكن من الذي سيدير ​​هذا الوضع بشكل أفضل؟

في الانتخابات الأخيرة، تمكن أردوغان من الحفاظ على شعبيته؛ في الغالب بسبب قدرته على الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد وحمايته من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. وليس هناك ما يشير إلى أن الأتراك فقدوا ثقتهم في قدرته على إدارة الاقتصاد، كما لم يقدم أي من المترشحين أي بدائل جذابة. على المدى القصير والمتوسط، لا يزال أردوغان وحزبه أملهم الأفضل.

ومع استمرار تطبيع تركيا مع روسيا وإسرائيل، هناك آمال في انتعاش السياحة هذا الصيف، كما أن المستثمرين الصغار ومجتمعات الأعمال والمجموعات التجارية الرئيسية قلقون من تأثير أي نكسة لأردوغان.

تتشكل العلاقات الخارجية التركية الآن بطريقة تتسع فيها حجم تجارتها وتنوعها خارج أوروبا والصين. وقد حققت تركيا، في تجارتها مع دول الخليج فائضًا قدره 85 مليار دولار بين عامي 2012 و2015. وفي قمة منظمة التعاون الاقتصادي التي عُقدت مؤخرًا في إسلام أباد، سعت تركيا إلى زيادة حجم تجارتها مع بلدان آسيا الوسطى.

3- يتمتع أردوغان بموثوقية في تحسين الحالة الأمنية المتدهورة.

بسبب الهجمات الإرهابية المتكررة في البلاد في السنوات الأخيرة، لعل أهم مسألة تواجه الأتراك الآن هي الحالة الأمنية. ويعتقد معظم الناخبين أن الجماعات الكردية المسلحة في سوريا وتركيا وتنظيم الدولة (داعش) وتنظيم القاعدة وشبكة فتح الله غولن مسؤولة عن الهجمات الإرهابية منذ عام 2015 حتى الآن.

ونظرًا لهذه الهجمات، ينظر الأتراك إلى الدعم الأمريكي والأوروبي للمسلحين الأكراد في سوريا بشكوك كبيرة. وبالمثل، فإن سياسة تركيا الوحيدة في جرابلس ثم الباب أرسلت رسالة قوية إلى الأتراك بأن الحكومة الحالية يمكنها المضي قدمًا في هزيمة تنظيم الدولة دون الاعتماد على الدعم الأمريكي. ويُعتبر حلفاء تركيا الغربيون متواطئين مع القوات التي تتهمها البلاد باستخدام الإرهاب ضد تركيا، ولا سيما شبكة غولن والمسلحين الأكراد في أوروبا.

ومن غير المحتمل أن يشارك الناخبون الأتراك في الخطاب الإعلامي الغربي والروسي والإيراني الذي يقول إن تركيا كانت وراء تسهيل وتمكين داعش. فقبل بضعة أشهر فقط، اعتذرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية رسميًا لتركيا بسبب مزاعم حول تداول النفط بين أنقرة وداعش في عام 2014.

وكان الانقلاب الفاشل في 15 تموز/ يوليو يومًا عظيمًا لشعبية أردوغان التي ارتفعت إلى مستوى تاريخي. وعلى الرغم من تراجعها تدريجيا منذ ذلك الحين، فإن الثقة التركية في قدرته على إدارة أمن البلاد أمر لا يزال قائمًا بقوة.

4- لدى أردوغان سجل حافل في سوريا.

كانت تركيا ستنهزم في سوريا، لو لم يتخذ أردوغان سلسلة من الإجراءات التصحيحية بما في ذلك تطبيع العلاقات مع روسيا وتعيين رئيس وزراء جديد يُعتقد أنه أكثر مرونة وعملية من سلفه أحمد داود أوغلو.

هل يرفض الأتراك حقًا سياسة أردوغان السورية؟ بعد زيادة التعاون التركي الروسي في سوريا، ازدادت ثقتهم في قيادة أردوغان. وبعد كل شيء، أصبحت سوريا الآن قضية محلية لتركيا التي توفر الملاذ لثلاثة ملايين لاجئ سوري، في حين أن اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عمليًا في طريق مسدود.

في آخر حديث له، استخدم كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، كرت المناهضة للمهاجرين السوريين قائلًا: "إن أول شيء سيفعلونه إذا نجحوا في الاستفتاء هو إعطاء الجنسية للسوريين".

5- الناخبون مهتمون في "تركيا قوية" أكثر من "تركيا ديمقراطية".

كان هناك دائمًا توافق في الآراء بين الأتراك بأنه ينبغي استبدال دستور عام 1982، الذي صاغه وأقره قادة الانقلاب العسكري في ذلك العام. ولكن لم يكن هناك حزب سياسي منذ ذلك الحين قادر على تحقيق أغلبية كبيرة بما يكفي لبدء العملية. وإذا تمت الموافقة عليه، فإن الاستفتاء سيحقق هذا التغيير في النهاية.

ومن بين التعديلات الكثيرة في الاستفتاء، يتمثل أحد الجوانب في أن النظام البرلماني التركي سيتحول إلى رئاسة تنفيذية. ولكن أصبح النقاش حول الاستفتاء مستقطبًا، ومتمحورًا على التركيز على أردوغان نفسه وطموحاته من أجل المزيد من السلطة، وهو أمر لن يحشد الناخبين للقول بـ "لا" في الاستفتاء.

ويرى الأتراك القوميون أن الكثير من الحملات في أوروبا ضد أردوغان تُدار من خلال جماعات مؤيدة للكرد، تلك الجماعات التي تؤويها دول الاتحاد الأوروبي. وهنا يستغل كل من حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية بنجاح الهستيريا الغربية ضد تركيا والإسلام. حيث يحفز هذا الخطاب السياسي في تركيا- وكذلك عن تركيا من قبل حلفاء البلاد الغربيين- الناخبين الأتراك الشباب الذين يفضلون بالتأكيد رواية أكثر تحفظًا أو قوميةً أو معاديةً للغرب على الرواية الغربية المؤيدة للأكراد ولغولن.

لذلك يعتمد ذلك على الكيفية التي سيفسر بها الجيل الشاب المتعلم السياسة العالمية. فالروايات الحالية التي من غير الضروري أن تثير المشاعر القومية، يمكن أن تدفع الناخبين الشباب إلى تفضيل تركيا القوية والمقاومة بدلًا من الغضب الغربي. وقد لا تكون أحزاب المعارضة جيدة في لعبة القومية التنافسية هذه.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس