جوكتوغ سونماز - مؤسسة جيمس ستون للأبحاث - ترجمة وترحير ترك برس

في السابع والعشرين من مارس/ آذار أعلن مجلس الأمن القومي في تركيا انتهاء عملية درع الفرات وهي خطوة غير متوقعة بالنظر إلى البيانات الرسمية العديدة التي تشير إلى أنه سيتم توسيع نطاقها لتشمل الهدف التالي لتركيا وحدة حماية الشعب التي تسيطر على مدينة منبج السورية.

 كان للعملية التي بدأت في أغسطس/ آب 2016 هدفان رئيسيان، هما تطهير الحدود التركية من تنظيم الدولة (داعش) ومنع اندماج الكانتونات التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في المنطقة نفسها. وكان هدفها الأخير هو دفع قوات وحدات حماية الشعب إلى  غرب نهر الفرات، أي تطهير منبج من الميليشيات الكردية.

عجلت الديناميات المتغيرة بسرعة على الأرض في سوريا بإصدار قرار إنهاء عملية درع الفرات. ومع العملية الآن رسميا، يسأل المراقبون عن مدى نجاحها بالنسبة  إلى تركيا، وكيف غيرت المشهد السياسي للصراع السوري.

الإنجازات والتحديات

تحقق الهدف الأول المعلن للعملية بسرعة نسبيا بالنظر إلى أنها بدأت في 24 أغسطس/ آب 2016، حيث طُهر خط عزاز - جرابلس من مقاتلي داعش بحلول 5 سبتمبر/ أيلول 2016. وبغض النظر عن المطالب العسكرية، فإن هذا الجزء من العملية، إلى جانب مرحلة الباب الأخيرة، كان سهلا سياسيا ودبلوماسيا بالنسبة  إلى تركيا. لم يكن لدى أنقرة مشكلة تذكر في الحصول على موافقة الجهات الفاعلة الرئيسة في الميدان - على النقيض من الهجمات المزمع القيام بها مستقبلا في منبج والرقة - ولكن هذا القبول لم يعن أن التحالف المناهض لتنظيم الدولة قد قدم أي دعم عسكري على الرغم من طلبات تركيا.

وبمجرد أن حققت تركيا هدفها الأساسي، وأضفت مسحة أخرى من الأمن إلى حدودها السورية مع هجوم الباب، جدد المسؤولون الأتراك تصريحاتهم عن أهداف تركيا تجاه المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، حيث تكرر الحديث عن نقطتين رئيستين: نية تركيا جعل منبج الوجهة التالية لعملية درع الفرات، وإصرارها على أنها لن تسمح  بوجود وحدات حماية الشعب غرب نهر الفرات.

وقد صرح المسؤولون الأتراك مرارا بأن الولايات المتحدة قدمت وعودا بشأن انسحاب وحدات حماية الشعب. وعلى الرغم من ذلك، وعلى غرار طلبات تركيا من شركائها في التحالف بتقديم المساعدة وعدم استجابتهم لها، فقد أبرزت بعض التأكيدات حول انسحاب وحدات حماية الشعب الانقسام بين تركيا وشركائها الرئيسيين المناهضين لتنظيم داعش.

أسئلة عن منبج

أكدت عدة تطورات رؤية تركيا بأن "قضية وحدات حماية الشعب" لن تتعقد  إلا مع مرور الوقت. كانت تركيا تنظر إلى ظهور قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري خطوة لإخفاء مشاركة وحدات حماية الشعب. وقد أعطى تأسيس قسد وحدات حمایة الشعب وحلفاءها الفرصة لتصوير وحدات حمایة الشعب على أنها جزء من مجموعة ديمقراطية أوسع متعددة الأعراق. ويتناقض ذلك مع تقارير تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها وحدات حماية الشعب، وعن ارتباطها بحزب العمال الكردستاني واتهامات بالتلقين الأيديولوجي في المناطق التي يحكمها في شمال سوريا.

بعد انتهاء هجوم الباب أثارت عمليات انتشار القوات الأمريكية والروسية في منبج غضب تركيا. وأعقب ذلك نشر صور للقوات الأمريكية بجوار شارات وحدات حماية الشعب، وصور للقوات الروسية مع شارات قوات سوريا الديمقراطية  من بينها صورة لجنرال روسي يحمل شعار وحدات حماية الشعب في احتفال النوروز. من جانبها بدأت وحدات حماية الشعب رفع الأعلام الأمريكية والروسية على عدد من المباني والمركبات لتزويدها بقدر معين من الحماية.

في المقابل حقق الاجتماع الثلاثى الذي عقد فى أوائل مارس/ آذار الماضى،  وضم رئيس الأركان التركى خلوصي أكار ورئيس الأركان الروسى فاليرى جيراسيموف ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد تقدما ضئيلا فى حل هذه القضايا.

قدمت الولايات المتحدة دعما مباشرا لهجوم قوات سوريا الديمقراطية على سد الطبقة، وفي الوقت نفسه، كان هناك اعتقاد واسع النطاق بأن هجوم الرقة ستشنه وحدات حماية الشعب بدعم مباشر من الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح هذه القوات قوة سياسية أخرى تصور نفسها على أنها حليف رئيس معاد لتنظيم الدولة (داعش)، وسيطرة وحدات حماية الشعب على منطقة جغرافية أوسع، وبالتالي تقوية مطالباتها بمنطقة مستقلة. في تطور آخر، كانت هناك شائعات، نفتها روسيا في وقت لاحق، عن تحرك روسي لإنشاء قاعدة عسكرية مشتركة في عفرين مع وحدات حماية الشعب.

وإذا ما أخذت هذه الأمور مجتمعة، فإنها تركت أمام تركيا خيارا ضئيلا. وكان من الواضح أنه لم يعد ممكنا في الوقت الراهن تحقيق البعد الخاص بوحدات حماية الشعب في عملية درع الفرات دون تحقيق انفراج دبلوماسي بين الأطراف المعنية أو تحول سياسي أو عسكري درامي على الأرض.

نجاح في التوازنات

وبصفة عامة حققت عملية درع الفرات نجاحا جزئيا على الأقل، فقد نجحت تركيا في تطهير حدودها من داعش، وهي خطوة تحققت في مدة زمنية قصيرة للغاية. أما مدينة الباب مع ما لها من أهمية  استراتيجية على رقعة الشطرنج السورية فتمت السيطرة عليها بعد ذلك بوقت قليل.

 وفيما يتعلق بوحدات حماية الشعب فقد تحقق هدف تركيا المتمثل في منع دمج الكانتونات التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سوريا، والتي من شأنها أن تشكل منطقة حكم ذاتي كردي ذاتي بحكم الأمر الواقع مع صلات بحزب العمال الكردستاني. وعلاوة على ذلك، ضمنت تركيا لنفسها مقعدا على طاولة المفاوضات حول مستقبل سوريا،وهو ما ظهر في محادثات أستانا والمفاوضات بين إيران وروسيا وتركيا بشأن إجلاء المدنيين من حلب.

نجحت العملية في تعزيز الصلات سياسيا وعسكريا  بين تركيا والجيش السوري الحر، بالإضافة إلى توفير منطقة آمنة محدودة للجيش الحر. ومع ذلك فإن أهداف دفع وحدات حماية الشعب إلى غرب نهر الفرات والقيام بهجوم على منبج أصبحت غير قابلة للتحقيق بعد أن قامت وحدات حماية الشعب، في زي قوات سوريا الديمقراطية، بتعزيز مكانتها من خلال الأسلحة والدعم العسكري المباشر من عدة جهات فاعلة رئيسة في المجال، ويبدو في الوقت الحالي أن المجموعة هي الحليف المفضل للولايات المتحدة في عملية الرقة القادمة، وهو ما يثير الكثير من الحساسية لدى تركيا.

ومن الواضح أن المواجهات الدبلوماسية والعسكرية في سوريا لم تنته بعد. فمن جهة أصبحت صلات تركيا بالجيش السوري الحر أقوى من أي وقت مضى، مع سيطرة الأخير على منطقة جغرافية محددة، ومن جهة أخرى عززت وحدات حماية الشعب موقفها مع وجود نية واضحة لإنشاء منطقة جغرافية موحدة تحت سيطرتها في شمال سوريا، وهي منطقة ستدفع بقوة إلى الاعتراف بها في أي دستور جديد لسوريا.

ومما يجعل الموقف أكثر تعقيدا أن المواقف الأمريكية والأوروبية والروسية تجاه وحدات حماية الشعب تهدد من حين لآخرا العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، وتهدد مستقبل التحالف المناهض لتنظيم الدولة (داعش) والمحادثات حول مستقبل سوريا. ولا يزال اللغز السياسي في سوريا بعيدا عن الحل. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس