خلود الخميس - ترك برس

اليوم الأحد يقترع الشعب التركي على الاستفتاء الشعبي السابع في تاريخها لتعديل الدستور.

وقد نشر مركز "عادل غور" التركي الشهير لاستطلاعات الرأي يوم الجمعة الماضي فوز حملة Evet  بنسبة 60.8% بمقابل 39.2% لحملة Hayir. وذلك استطلاعًا لعينة في 41 ولاية تركية.

والمركز المذكور كانت نتائج استطلاعاته للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، مقاربة للنتائج النهائية بنسبة 95%، أيضًا نشرت شركة ORC للدراسات استطلاعًا بأن نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية بلغت 59.4% بينما الرافضين 40.6%، بينما فوز التعديلات لا يتطلب أكثر من 51% فقط.

أما الحرب الشعواء التي تقودها أوروبا واتحادها الذي كشف عن وجهه العنصري ضد المسلمين ودول الإسلام تجاه انضمام تركيا ذات الأغلبية المسلمة للاتحاد الأوروبي، كشر عن وجهه بعد اجتماع قادته في الفاتيكان مع البابا، حرب صارت عاملًا مساندًا لحملة (نعم - Evet) وأجاد حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان استثمارها لصالح التعديلات.

اوروبا لم تقوَ على الصبر أكثر وهي ترى انطلاق تركيا وقيامها بقوة بعد كل فتنة تثيرها لتغرقها في مستنقع التدهور الاقتصادي وهبوط قيمة العملة والانقلابات العسكرية، فوقفت تصفق بصمت فرِح وهي تشاهد العلاقات تتوتر مع روسيا، الحليف الاستراتيجي الاقتصادي لتركيا لولا أن تداركت الإدارة التركية باحتواء الأزمة.

تخبطت وانتهكت الأعراف الدبلوماسية بمنع تجمعات ولقاءات بين الدبلوماسيين والبيروقراطيين الأتراك ومواطنيهم المهاجرين في أوروبا، وأساءت لدبلوماسيي الثانية، وذلك للتشويش على حملات دعم التعديلات بهدف إسقاطها، ولكن كل جهودها أدت إلى ردة فعل عكسية لدى الشارع التركي موالاة كان أو ومعارضة.

دائمًا يفشل الأوروبيون بتقدير وقراءة نفسيات الشعب التركي، الذي تأبى أنفته أن تتحكم في مصيره أوروبا أو غيرها، وإن فازت التعديلات، فلعجرفتهم فضل في ذلك لا بأس به.

ومن التعديلات الدستورية، والتي في سبيل إجهاضها أفردت صحف عالمية للرئيس أردوغان وجه أغلفتها بعناوين تحمل التحريض ضدها وضده شخصيًا، في: استقلال القضاء، زيادة عدد النواب من 550 إلى 600، خفض عمر حق الترشيح لعضوية البرلمان من 25 إلى 18، إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية والبرلمان في نفس اليوم في الثالث من نوفمبر 2019، رئيس الجمهورية لا يشرع بل البرلمان، رئيس الجمهورية والوزراء تحت رقابة البرلمان، رئيس الجمهورية رئيسًا للحكومة والدولة، رئيس الجمهورية يُحاكم، في حال تعيين النائب وزيرًا في الحكومة يفقد نيابته، إذا جدد رئيس الجمهورية الانتخابات ينتهي منصبه كرئيس، البرلمان من يوافق على إعلان الحرب والطوارئ وليس رئيس الجمهورية، إلغاء المحاكم العسكرية، رئيس الجمهورية والبرلمان من يعين أعضاء المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، البرلمان يعتمد الميزانية، إلغاء رئاسة الوزراء والأحكام العرفية، بقاء علاقة رئيس الجمهورية بحزبه، يحق لرئيس الجمهورية تعيين مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، للرئيس نشر مراسيم تتعليق بالسلطة التنفيذية.

الغرض الرئيس من التعديلات الدستورية الانتقال في نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي, وأكبر خطوة انتقالية باتجاهه كانت الانتخاب المباشر من الشعب لرئيس الجمهورية الماضي، بينما كانت هناك تعديلات بطيئة ومتدرجة، ولكن لم يكن أردوغان أول من نادى بالنظام الرئاسي، بل سبقه تورغوت أوزال أثناء رئاسته للحكومة.

دستور تركيا الحالي وضعه الجيش في العام 1982 بعد استفتاء حصل على أرقام شبيهة بتلك التي يفوز فيها رؤساء العرب، 91.3% وبعده مباشرة عنه سجن رؤساء الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتهم وقوضت الحياة المدنية والاجتماعية، وكان ذلك بعد انقلاب كنعان ايفرين 1980 وجاءت مواده لتحصين المؤسسة العسكرية ومنحها صلاحيات مخيفة، ويبيح لها الهيمنة على الحياة المدنية ومؤسسات الدولة بغرض حماية التعاليم العلمانية، الفزاعة التي أسقطها حزب العدالة والتنمية بدحضه للانقلاب الأخير.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يستفى الشعب لتعديل الدستور، ففي 2007 تم التعديل التاريخي للانتخاب المباشر للرئيس، وصوت 87% من الشعب التركي على تعديلات في 2010 بموافقة 58%، أيضًا تم إجراء 18 تعديلًا دستوريًا أغلبيتها خلال إدارة العدالة التنمية، من أهم أسباب الحاجة للتغيير تحقيق الاستقرار السياسي، عبر وجود إدارة تنفيذية واحدة، ففي النظام الحالي يوجد منصبان إداريان رفيعان (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء) ما يهيئ أرضية للصراع بين المنصبين، وقد ذكر التاريخ رؤساء وزراء ورؤساء جمهوريات نشبت بينهم صراعات على السلطة لخلل في النظام السياسي المتبع، بينما التعديل يتضمن رئيس جمهورية ويلغي منصب رئاسة الوزراء للفصل بين السلطات ما يصب لصالح رفع إنتاجية الإدارة التنفيذية التركية.

نقطة مهمة جدًا في فلسفة نظام الحكم في تركيا، نخب وعامة، والعدالة والتنمية يرى أن التعديلات الدستورية والانتقال للنظام الرئاسي في الحكم سيحد من سلطة حكم الأوليغارشية (وهو حكم الأقلية أو النخب) البيروقراطية والذي يكرسه النظام البرلماني، وغالبًا تستفيد منه تلك الفئة فقط وهو مناف للعدالة الاجتماعية أحد أكثر قيم الحزب رسوخًا.

كما أن ميزة النظام الرئاسي أنه يحول دون وجود ديكتاتورية في تركيا، ففي البرلماني للرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جدا، بينما لا يتحمل أية مسؤولية، أما في الرئاسي سيخضع الرئيس للمساءلة القضائية والبرلمانية، ومعرضًا للمحاكمة، وسيكون بالإمكان الذهاب والتخاصم في الديوان الأعلى أيضًا.

ومعروف أن الرئيس أردوغان من أكبر الداعمين للحملة التي تلغي حصانة رئيس تركيا، أي حصانته ما دام رئيسًا، من المساءلة البرلمانية والقانونية، فيمكن للبرلمان إنهاء مدة ولايته والدعوة لانتخابات جديدة في حال ثبوت الاتهامات ضده، وهذا سيعزز السلطة التشريعية.

ومن الطبيعي بالنتيجة أنه مع إلغاء المحكمة العسكرية الإدارية العليا، والقضاء العسكري، سينخفض عدد الأعضاء الذين يعينهم الرئيس في المحكمة الدستورية وفق النظام الرئاسي، ولن يكون بإمكان الرئيس الجديد بمجرد توليته اختيار أعضاء جدد للمحكمة الدستورية العليا لأن اختيارهم لاثنتي عشر عامًا وأقصى ما يمكن للرئيس تغييره عدد محدد من الأعضاء خلال فترة توليه الرئاسة.

وللرئيس صلاحية اختيار أربعة أعضاء للجنة العليا للقضاة في النظامين البرلماني والرئاسي، ولكن البرلمان لا يمكنه اختيار أي عضو في النظام الأول في حين سيختار سبعة أعضاء بعد إقرار التعديلات الدستورية.

وفي شأن حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، فهو حق لكل من رئيس الجمهورية والبرلمان أن يتخذه. أحدهما للطرف الآخر، بأن يخوض الآخر انتخابات جديدة.

فالرئيس ضمن النظام البرلماني له حق الحل والدعوة لانتخابات جديدة، بينما ليس للبرلمان صلاحية باتخاذ قرار مشابه فيما يخص رئيس الجمهورية، أن يخوض انتخابات جديدة، أما النظام الرئاسي سيمكن الطرفين من اتخاذ قرار خوض الطرف الآخر انتخابات جديدة، بشرط أن يكون هو نفسه مستعدًا لخوض انتخابات جديدة أيضا.

والتعديل القاضي بخفض سن الترشح من 25 إلى 18 ليس بجديد على الأنظمة السياسية، فهو مطبق في 51 دولة مثل ألمانيا، وبلجيكا، والصين، وبريطانيا، والسويد، وكندا، والمجر، والبرتغال، ولوكسمبورغ، وفرنسا، وإسبانيا، والدنمارك، وتايلاند، وأوغندا، وكينيا، وجزر المالديف، وهناك بلدان في العالم تجيز قوانينهما لمن أتم 17 عامًا الترشح لعضوية البرلمان، هما تيمور الشرقية وكوريا الشمالية، و178 دولة يتراوح فيها سن الترشح للبرلمان ما بين 18-25 ما نسبته 93 بالمائة من دول العالم.

في حملته (EVET) سوّق العدالة والتنمية الحاكم لأهمية ثقة تركيا بشريحة الشباب جيدًا خصوصًا أن سن الانتخاب هو 18 عامًا مبينًا أن حق التمثيل لا يقل أهمية عن الاختيار.

ويجدر البيان في شأن القوانين، أن النظام البرلماني يسمح للمجلس الوزاري بتقديم مسودات القوانين إلى البرلمان الذي يأت بنسبة 98% منها، بينما الاقتراحات بقوانين المباشرة من النواب لا تتجاوز 2 بالمائة، مقترحات القوانين في النظام الرئاسي ستأتي بقرار من نواب البرلمان لذلك وضع تعديل لرفع عددهم.

ومقارنة فتركيا متراجعة في نسبة التمثيل للمواطنين بالنسبة لأوروبا: في فرنسا لكل 72 ألف مواطن نائب يمثله في البرلمان، وفي إيطاليا لكل 64 ألف مواطن نائب، أما في بريطانيا فلكل 45 ألف مواطن نائب، ومتوسط التمثيل في الاتحاد الأوروبي : لكل 54 ألف مواطن نائب، بينما في تركيا لكل 143 ألف مواطن نائب يمثله في البرلمان.

ما الذي  يرجح فوز التعديلات الدستورية بتأييد الناخبين؟

وجود خطة لدى أردوغان عبر حزبه الحاكم لتحسين الاقتصاد، مثال إنقاذ الإدارة التركية للبلاد من أزمة 2008 الاقتصادية، تفادي الأزمة قبل تفاقمها مع روسيا حتى لا تخسر تركيا التبادل التجاري، تحقيق فائض 85 مليار دولار من التجارة مع الخليج بين العامين 2012 و2015، وفي قمة إسلام أباد لمنظمة التعاون الاقتصادي، سعت لزيادة حجم تجارتها مع آسيا الوسطى، وما سبق يصب في الحفاظ على قيم الحزب ومشروع التنمية الذي يعتبر أحد أعمدته، وذلك لا تملكه المعارضة التي تقف ضد التعديلات.

أيضًا ثقة الناخبين الأتراك في قدرة سياسات الحزب والرئيس على احتواء الوضع الأمني، قضية اللاجئين السوريين مثال والتي تبنى كليجدار في خطابه لحملة (لا) الأخير نزعة شعبوية مناهضة للهجرة إلى تركيا وهو خطاب غير مستحب لغالبية الشارع المتعاطف مع الشعب السوري، إضافة لقدرة الحكومة إعادة العجلة للدوران بعد محاولة الانقلاب الفاشلة واحتواء الأزمة خارجيًا وداخليًا والتفوق الدبلوماسي في سرعة غلق الباب بوجه دعم من يقوض النظام العام للدولة بتحديد المتورطين (جماعة غولن) والمطالبة بتسليمه، مثال آخر.

وفيما يتعلق بالانضمام للاتحاد الاوروبي فهناك عنصران رئيسان أولهما تغيير اتجاه الشارع وقلة اهتمامه في الدخول لجلباب أوروبا خصوصًا أنها تصرفت بدونية وتسلط تجاه تركيا لأكثرمن نصف قرن في هذا الشأن، والعنصر الثاني عجز المعارضة التركية ضمان العضوية لفقدان جدول أعمال واقعي للانضمام يمكن تصديقة والثقة بإمكان تحقيقه.

لذلك عندما يخبر أردوغان شعبه بأن أعضاء الاتحاد الأوروبي يخونون تركيا ويؤخرون انضمامها يصدقونه، لأن رجل الشارع يفضل قائدًا لديه بدائل تدعمها التجربة، أكثر مما يمكن أن تقدمه أحزاب بلا خطط تنفيذية ومجرد دغدغة انتخابية.

ختامًا وليس أخيرًا: فإن قلق أوروبا، وبعض الأنظمة العربية بطانة لجلبابها، من الأتراك ليس بحديث عهد، فالوثائق التاريخية التي طرحها الأكاديميون من جامعة إسطنبول التجارية "ميم كمال أوكة" والبروفسور "صبحي سعاتجي" من جامعة السلطان محمد الفاتح، تؤكد أن المناطق ذات الغالبية التركمانية في العراق تعرضت لتغييرات ديموغرافية عقب الحرب العالمية الأولى على يد بريطانيا التي رفضت مع السلطة العربية الاستفتاء على مصير الموصل خشية إلحاقها بتركيا، فأربيل وكركوك كانتا تركمانيتين حتى قبل دخولهما تحت سيادة الدولة العثمانية، وهذا موقف أوروبا الصليبية لا غرابة.

ولكن ما يهمنا معرفته عن انقضاض الخفافيش على قصعة تركيا المسلمة، هو دور أيدي العرب، فهل ستتسلل لتشارك الغربان نهشها، أم ستمتد لتضربهم وتمسك بيد إخوة الدين ليقفوا معًا صفًا كبينان مرصوص؟!

الاستفتاءات الشعبية الستة في تاريخ تركيا

الاستفتاء الأول بعد انقلاب 27 أيار/ مايو 1960 العسكري للتصويت على الدستور الجديد الذي وضعته لجنة الوحدة الوطنية التي تم اختيار أعضائها من قبل الانقلابيين، تم التصويت في 9 تموز/ يوليو 1961. صوت في الاستفتاء 61.7% لصالح ما عرف بدستور 1961، و38.3% بلا.

الاستفتاء الثاني بعد انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980 العسكري، وأشرف مجلس الشورى، الذي تم تعيين أعضائه من قبل الانقلابيين على صياغة الدستور الجديد, تم التصويت عليه في 7 نوفمبر 1982. صوت في 91.4% لصالح ما عرف بدستور 1982، و 8.6% بـلا.

الاستفتاء الثالث جاء للتصويت على المادة الرابعة المؤقتة من دستور عام 1982 والمتعلقة بحظر النشاط السياسي لبعض الزعماء السياسيين، وفي 6 سبتمبر 1987. وصوت 50.2% من المشاركين لصالح رفع الحظر عن نشاط السياسيين، فيما صوت 49.8% بلا، وهكذا عاد رؤساء أحزاب وشخصيات سياسية مثل سليمان ديميريل، وبولند أجاويد، ونجم الدين أربكان، إلى ممارسة العمل السياسي، بعد إتمام رفع الحظر، لتنتعش الحياة السياسية في تركيا مرة أخرى.

الاستفتاء الرابع  لإجراء انتخابات محلية مبكرة، استفتي الشعب في 25 سبتمبر 1988، فصوت لصالح إجراء انتخابات مبكرة 35% من المشاركين في الاستفتاء، فيما صوت 65% بلا.

الاستفتاء الخامس جاء لتعديل دستوري يقضي بالانتخاب المبائر من الشعب لرئيس الجمهورية وليس من قبل البرلمان، وكان في 21 تشرين الثاني/ أكتوبر 2007. وصوت لصالح التعديل الدستوري 68.9%, فيما صوت 31.1% بلا.

الاستفتاء السادس كان في 12 سبتمبر 2010، للتصويت على حزمة تعديلات دستورية تشمل 26 مادة، وصوت لصالح التعديلات 57.9% من المشاركين، فيما صوت 42.1% بـلا.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس