د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

غابت الأحزاب الكردية هذه المرة بشكل واضح عن حملات الدعاية الانتخابية، رغم ان تركيا تخوض حملة استفتاء دستور يتعلق بنظام وشكل الحكم القادم، وانعكاس النتيجة على القضية الكردية شيئًا لا مناص منه. وهذا جعل الكثيرين يتساءلون عن موقف الناخب ذي الأصول الكردية في هذا الاستفتاء الدستوري والمفصلي في حياة ومسيرة تركيا بشكل خاص والمنطقة كلها بشكل عام.

نسبة الأصوات الكردية، تتراوح ما بين 18 الى 20 بالمئة من مجموع الأصوات (55.4 مليون  ناخب تقريبًا)، وهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن عشرة ملايين صوت على أضعف تقدير، وهو رقم لا يستهان به في استفتاء يكفي النصف زائد واحد للفوز به، كما أن الهدف بالنسبة للفريق المؤيد هو ليس الفوز فقط، بل محاولة الحصول على أعلى نسبة ممكنة، لمنع اي طعن أو احتجاج، ولقطع الطريق على المشككين بالنتيجة لاحقًا.

ومما يزيد أهمية هذه الأصوات، ويجعلها بيضة القبان حقًا، نتائج استطلاعات الرأي بالآونة الأخيرة، وتقارب النتائج بين الرفض والقبول، حيث تشير الأرقام الى تقدم بسيط لـ"نعم" تتراوح حول 51 بالمئة. وإن كان هناك من يقول إن الاستفتاء سيفوز بنسبة 60% من الأصوات.

يعيش الأكراد الاستفتاء في هذه المرحلة وهم في حالة من الاضطراب الذهني والفكري، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، بسبب الأحداث التي عاشتها تركيا، والحرب الدائرة في العراق وسوريا وانعكاس ذلك على القضية الكردية داخل تركيا.

كما أن رؤساء حزب الشعوب الديمقراطية معتقلون بالسجون، وكثير من رؤوساء البلديات الذين تم اقالتهم وتعيين أشخاص من رجال الدولة بدلهم، يزيد من القطيعة والشرخ والجفوة بين الناخب الكردي والحزب الحاكم.

انحاز الأكراد لقوميتهم على حساب الموقف الحزبي الايديولوجي في انتخابات السابع من حزيران/ يونيو للعام 2015، وذهبت كثير من أصوات العدالة والتنمية إلى حزب الشعوب الديمقراطية، على أمل أن يكون هذا الحزب الجديد ممثلا ومدافعا عن حقوق الأكراد ضمن البرلمان التركي، ويكون جزءًا من الحل، وشريكًا في مشروع السلم المجتمعي مع العدالة والتنمية، لا أن يكون جزءًا من المشكلة، وينحاز لموقف جبال قنديل ومعركة الخنادق ومحاولة اعلان الحكم الذاتي في بعض مناطق جنوب شرق تركيا.

هذه الأصوات عادت، بعد خيبة الأمل لدعم العدالة والتنمية من جديد بانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، لدعم الاستقرار عندما أدركت أن خسارة العدالة والتنمية، سيفقدها الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية. وهي تعيش اليوم حالة من شبه طلاق مع حزب الشعوب الديمقراطية، وأبعد ما تكون عن تأثير حزب العمال الكردستاني، بعد أن خسر كثير من قواعده وقوته العسكرية داخل تركيا، رغم الدعم الأمريكي وزيادة المكاسب والتمدد في العراق وسوريا.

اتفاق العدالة والتنمية التركي مع حزب الحركة القومية على صياغة الحزمة الدستورية، وخلوها من أي مادة تتعلق مباشرة بالقضية الكردية، والشعارات القومية التي عمت على مظاهر الحملات الانتخابية، زادت من الجفاء والشرخ بين العدالة والتنمية والناخب  الكردي أيضًا، وهذا ما دفع الحزب الحاكم بالتحرك لكسب ثقة هذه الأصوات من جديد، كان هذا واضحًا من خلال اللقاء الجماهيري بديار بكر الذي حضره رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ومن خلال التواصل الشخصي المباشر مع منظمات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية وممثلي العشائر وأصحاب الرأي والفكر.

موقف حزب الشعوب الديمقراطية الخافت من الحملة الانتخابية، واختياره العمل بصمت بدون الاهتمام الزائد، جعل المنطقة بعيدة عن أجواء الحماس والاهتمام بهذا الاستفتاء.

علاقة الأكراد اليوم مع الاستفتاء، مع عدم وضوحها، لا تخلو من ثلاث حالات.

المصوتون بـ"نعم" وهم مؤيدو العدالة والتنمية من المحافظين "الأكراد أي الإسلاميين"، وممن لا يعتبر الحكم الرئاسي خطرًا عليهم، من مؤيدي الشعوب الديمقراطية الليبراليين والديمقراطيين، والذين تضرروا اقتصاديًا وأمنيًا من الأحداث الأخيرة.

الرافضون وهم مؤيدي العمال الكردستاني والشعوب الديمقراطية، يضاف لهم ما يسمون بالإيرانيين الأكراد .

المقاطعون وربما تكون هي النسبة الأكبر من الطرفين في هذا الاستفتاء .وهم المترددون والمحبطون مما جرى بمناطقهم.

استطلاعات الرأي تقول إن أكثر المحافظين "الاسلاميين "بتركيا هم من الأكراد، وأن هذه الشريحة كانت دائما تصوت لصالح العدالة والتنمية، وإن أكثر من نصف هؤلاء الناخبين الأكراد يقيمون ليس بمناطق جنوب شرق تركيا، بل في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهم أبعد ما يكونون عن حلم الانفصال والدولة الكردية والعودة للعيش بجنوب شرق تركيا.

هذه الشريحة مع أصوات كردية أخرى طالما أعتقدت بالمقولة "إن كان هناك من شخص سيستطيع حل  القضية الكردية بتركيا فهو طيب أردوغان" وتريد أن يكون لها دعم لاستمرار هذا الحلم والأمل...

الأكراد الذين صوتوا بانتخابات حزيران بدوافع قومية هم اليوم أقرب للتصويت بدوافع سياسية أيدولوجية لصالح تركيا وهذا يعني تصويتهم لأردوغان والعدالة والتنمية ولصالح الاستفتاء...

وعندها ستكون أصواتهم في حال مشاركتهم بيضة القبان بلا منازع...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس