د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

تعيش تركيا حالة من الاستقطاب الحاد، والانقسام المجتمعي في هذه الأيام القليلة، التي تسبق موعد الاستفتاء على حزمة من التغييرات الدستورية في السادس عشر من نيسان/ أبريل الحالي.

الاستفتاء هذا يختلف عن غيره من الاستفتاءات السابقة التي عاشتها تركيا، لأنه يتعلق بصيغة الحكم القادم، وينقل تركيا نقلة كبيرة من نظام برلماني اعتادت عليه إلى شبه رئاسي أو جمهوري رئاسي خاص بتركيا تجهل خباياه وطبيعته.

تصحب هذا الاستقطاب حالة من الملل والضجر لدى الناخب، واستعجال لموعد الاستفتاء، بسبب تحول الدعاية الانتخابية إلى سجال متكرر من قبل المؤيدين والمعارضين لنفس الأحاديث والمواضيع التي حفظها الناس عن ظهر غيب.

هذا الاستفتاء الذي يتعلق بصيغة الحكم وشكله، فهو يلغي منصب رئيس الوزراء- وهذه خلاصة الحزمة الدستورية- وينقل كل صلاحياته لرئيس الجمهورية، فلن تشهد تركيا بعد اليوم، تشكيل الحكومة من قبل رئيس الوزراء، ولن تشهد جلسة برلمانية لمنح الثقة لها، حيث سيتم تشكيلها- في حال قبول هذه الحزمة- من قبل رئيس الجمهورية مباشرة، ولن تكون بحاجة لأخذ الثقة من البرلمان، ولا يشترط أن يكون أعضاؤها من البرلمان، بل ستسقط عضوية الوزير البرلمانية في حال تم تعينه كوزير وهو عضو بالبرلمان، الذي ستكون الحكومة  بعيدة عنه وعن مشاداته التي اعتاد عليها الشعب التركي.

وهذا ما جعل الطرف المعارض للاستفتاء، يركز كل حملته الانتخابية حول هذه المادة والصلاحيات الأخرى الممنوحة لرئيس الجمهورية، ويتهم هذه الحزمة بأنها ستحول تركيا إلى نظام يقترب من الديكتاتورية والرجل الواحد. وأن أساس الديمقراطية وهو الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية قد تم تسليمها لشخص واحد. وأن هذا الوضع سيحول تركيا إلى بلاد شبيهة بالدول الدكتاتورية المجاورة التي جلبت الدمار لشعوبها.

العدالة والتنمية الحاكم نقل حملته الانتخابية من شرح مواد الدستور إلى التركيز على المطبات والأخطاء التي وقع بها قادة حزب الشعب الجمهوري وخاصة رئيسه كليجدار أوغلو خلال حياته السياسية وفشله خلال إدارته السابقة لمؤسسه الضمان الاجتماعي، وكاسيت الفضيحة لبايكال التي جاءت بكليجدار لرئاسة الحزب، وأخيرا حول كلامه حول الانقلاب العسكري الفاشل، الذي وصفه "بالانقلاب المفبرك" أو المسيطر عليه، وجاءت صور خروجه من المطار ليلة الانقلاب من بين الدبابات وتخفيه في بيت رئيس البلدية لتصب النار على الزيت... بالإضافة إلى تصريح عضو الحزب عن مدينة قونية الذي قال بأننا سنلقي كل المؤيدين ببحر إزمير في حال فاز الاستفتاء...

هذه الحملات المتبادلة من الطرفين، ابتعدت عن مناقشة الحزمة الانتخابية لتتحول إلى تجييش شعبي يغلب عليها صبغة الدعاية السلبية، لنقل المواطن من الحالة الواقعية العقلانية إلى الحالة العاطفية التي تجعل الناخب يختار بحس عاطفي. بينما الدعاية الإيجابية، تجعل الناخب أكثر واقعية وتدفعه بالتفكير العميق حول الحزمة الدستورية وتجعله يفتش عن الخطأ والصواب، وهذا يسبب التردد وعدم القدرة على إعطاء القرار.

فالاستقطاب الحاد، والدعاية السلبية عن الطرف الآخر، هما أسهل وسيلة للسياسيين لتحقيق أكبر حشد من الاصوات الثابتة، وتقليل من الأصوات المترددة، وهذا ما يجيده رجب طيب أردوغان بشكل خاص والعدالة والتنمية بشكل عام، وخاصة عندما يمتلك هذا الطرف كل هذا الكم الهائل من الحقائق عن سلبيات وتناقضات وازدواجيات الطرف الآخر.

هذا الاستقطاب وهذه الحملات المكثفة آتت أكلها منذ اليوم، حيث تشير الاستطلاعات أن نسبة المترددين انخفضت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. وهذا يحسب لخانة العدالة والتنمية الذي كان يستهدف هذه الشريحة بشكل خاص.

استطلاعات الرأي بالآونة الأخيرة تشير أن النتائج لا تزال تتراوح حول الخمسين (51%- 54%) مع تنامي لأصوات التأييد، وهذا ما يفسر الاستنفار الحزبي والحكومي من قبل العدالة والتنمية، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني المؤيدة التي تعمل بشكل دؤوب ومكثف وموجه للوصول إلى الأصوات من كل الشرائح المجتمعية الأخرى وخاصة التي لا تزال تتراوح بين التصويت والمقاطعة، لأنها تدرك أن مجرد دفع الناخب للذهاب إلى صندوق الاقتراع هو مكسب لفوز الاستفتاء...

حيث أن الهدف هو الوصول لنسبة أعلى من الأرقام التي تتداولها استطلاعات الرأي والوصول لنسبة فوق الستين تجعل النتيجة بعيدة عن أي طعن واعتراض.

وتظل بيضة القبان هي أصوات الأكراد وهذا ما سنتناوله في المقال القادم...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس