عبد القادر سيلفي - يني شفق

إن العنوان في الأعلى لا يوجد عليه جواب مؤّكد. الإعلام الدولي تغلب عليه النظرة الغربية، فنظرتنا لـ"داعش" متأثرة فيها أيضا. علما أنه يوجد عدد غير قليل من الأكاديميين الغربيين من يكتب أن "داعش". مشروع أميركيّ.

قبل السؤال عمّا إذا كانت "داعش" مشروعا أميركيا و"إسرائيليا"، يحسن بنا العودة إلى مقال نشره قبل سنة تقريبا مدير التحرير لمجلة "تايم" فريد زكريا. وقد صرح فريد زكريا ذلك أيضا في لقاء أجرته معه محطة "إن تي في" التركية قال فيه وقتها: "لقد تعزّز وضع "إسرائيل" أكثر من أي وقت مضى.

لنتذكر كم يعاني الجيش "الإسرائيلي" قبل 20 سنة من التخطيط لحرب سيشنّها. كان أكبر حذره من الجيش المصري القويّ، ومن الجيش السوري القوي، ومن الجيش العراقي القوي. أما الآن فجميعهم مشتّتون. بدأت "إسرائيل" تظهر كقوة عظمى في المنطقة. واقتصادها أيضا بلغ منزلة عظيمة، ومعدل دخل الفرد فيها لا يختلف فيه عن أي دولة في أوروبا. جيشها مجهز بأحدث الوسائل ويعد أحدث جيش في العالم.

بالنسبة لي أرى أن الأمر لا يختلف مع "إسرائيل" لو نجح السيسي أو مرسي. المهم أن تبقى مصر غارقة في مشاكلها الداخلية. سوريا كذلك في حرب داخلية طاحنة، والجيش العراقي ممزق. لذلك تريد "إسرائيل" استغلال هذا الوضع وتجري اتفاقات سلام مع الفلسطينيين. هذا وقته المناسب. هذا هو وقت المخاطرة من أجل السلام، فإن لم يكن في هذا الوقت فمتى سيكون؟"

حسب تصريحات زكريا فإن كل شيء يجري وفق ما تريده "إسرائيل". فلا يوجد ما يدعو للخوف من ناحيتها. الجيش المصري غير قويّ، وهو مرتبط بأميركا وإنكلترا. سوريا تقريبا انقسمت إلى ثلاث مناطق. كذلك الأمر بالنسبة للعراق فالوضع فيها لا يسر. كل هذا لم يكفِ حتى سارعت "داعش" لمساعدتها. غيّرت كل طاقات المنطقة، وأصبح من أولويات الغرب حرب "داعش".

ومن جهة أخرى أصبحت توقعات "إسرائيل" وأملها في إنشاء دولة كردية ويعد هذا أمل "إسرائيل" منذ 1980، وبإنشاء دولة كردية، تكون "إسرائيل" ضربت عدة عصافير بحجر واحد. ولكن إصرار برزاني على التعاون مع تركيا في المنطقة، يجعل مخططات "إسرائيل" تذهب أدراج الرياح. في هذه الأثناء نرى صالح مسلم وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية قد دخل على الخط أيضا. يُضاف إلى ذلك الحرب غير المعلنة بين "إسرائيل" وأوباما، نلاحظ فيها خسارة أوباما في الانتخابات الأخيرة وخضوعه المحتوم أمام ضغوطات الجمهوريين. ويريد أوباما أن يمضي فترة العامين القادمين ما بين كرّ وفرّ مع خصومه.

لو عدنا مرة أخرة لقضية "داعش". نرى أمامنا تصريحات بارزة لأستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا ميشيل تشاسودوفسكي وقد نشرت في مجلة "جلوبال ريسيرتش" جاء فيها: " إن "داعش" هي نتيجة الانتصار للاتفاق بين الجيوش الأوروبية. وهناك اتفاق ضمني بين الولايات المتحدة وحلفائها يقضي بهدم وتخريب المنطقة خصوصا سوريا والعراق. كما يقضي بدخول قواتهم في النهاية إلى تلك المناطق. وغابت عن الأذهان هذه القضية: هي أن أميركا قامت بإنشاء شبكة تنظيمات إرهابية من أجل إضعاف دول المنطقة، والآن هي تحاول جمع تحالفات من أجل محاربة شبكتها الإرهابية".

هل حقا أن "داعش" هي مشروع أميركي و"إسرائيلي"، الآن الوضع غامض. أما لو نظرنا إلى الغاية منه فمن الممكن أن نلمح جوابا على ذلك. ونذكر هنا مقولة رئيس الجمهورية أردوغان عنما قال يوجد هناك مخطط يصعب على العقل أن يستوعبه، وهو العمل بشكل واضح على إشعال نار طائفية في المنطقة. وهناك حدود لتركيا والأردن مع سوريا. كما يوجد حدود للسعودية وتركيا مع العراق. لو رضخت تركيا لمطالب الغرب فإنها ستقوم هناك حرب مذهبية. مثل هذه الحرب المذهبية مرشحة كي تمتد من البحر الأبيض حتى آسيا الوسطى. حسب ما صرح به تشاسودوسكي فإن تركيا ساهمت في وجود "داعش" لكنها لم تلتزم بمخططات الغرب تجاه "داعش". حاولوا توريط تركيا بعملية عسكرية بشكل منفرد، لكن لم تنجح خطتهم. وهنا استطاعت تركيا إفشال المخطط. من أجل هذا نرى إعلام في الغرب يكتب في كل يوم مقالات ضد تركيا.

فرّق، مزّق واحكم. هذا ما فعلوه منذ عقود. ومازالوا يفعلونه. بعض الدول الغربية اعترفت بدولة فلسطين. فكان ردّ "إسرائيل" باقتحام المسجد الأقصى. وهذا يمثل نوعا من صور المواجهات بين أوباما و"إسرائيل".

كل ما يجري من أمور الآن هي لصالح "إسرائيل". وكما قال زكريا فهي فرصة لا تعوض بالنسبة لهم.

بقدر ما تتوتر الأجواء وتتعكر فإن قوة المناورات الإسرائيلية" تزداد وفقا لذلك. في هذه الأثناء توقفت "داعش" عن التقدم وانسحبت لحدودها السابقة. هناك يدّ خفية قالت لهم توقفوا. الوضع يعتبر خطير جدا بالنسبة للعالم الإسلامي، أما بالنسبة للغرب فلا خطر عليهم. وبعد سنتين تقريبا ستُظهر النتائج الوضع أمامنا ونراه بشكل واضح.

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس