طه أوزهان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

من الصعوبة بمكان فهم المواجهة بين قطر والخليج، حيث تقذفنا وسائل الإعلام بمجموعة من الأفكار النمطية المبتذلة تتعلق بطبيعة الأزمة، وتطورها والعواقب المحتملة. أضف إلى ذلك بالطبع التحليلات الجيوسياسية العميقة التي يبلغ طولها 140 حرفا للأزمة التي يقول الكثيرون إن عواقبها ستكون وخيمة جدا.

ولكن على الرغم من التعقيد الذي يحيط بالأزمة، فإن هذه المواجهة تمثل حقا قمة العدمية السياسية والهراء. ذلك أن دولة خليجية  لها علاقات تجارية كبيرة مع إيران تلوم بطريقة ما دولة خليجية أخرى؛ لأنها تقيم علاقات مع إيران. لا يمكن للقطري زيارة الإمارات بسبب علاقات بلاده الرسمية مع إيران، لكن الإيراني بمقدوره زيارة الدول الخليجية أخرى.

دولة خليجية أخرى هي سبب وجود السلفيين الذين ساعدوا على جعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أمرا واقعا، تتهم بطريقة ما قطر بدعم الجماعات الطائفية التي يعادي بعضها بعضا.

وباختصار، فإن أزمة الشرق الأوسط برمتها قد اختزلت في مشكلة الإرهاب بضربة قصيرة واحدة، وأُعلن أن قطر هي الجاني.

الفضيحة والمأساة والدراما الكوميدية

إذا كان هذا كله هو حقيقة الأمر، فربما يمكننا أن نتوقف هنا. ولكن بمجرد أن تبدأ في التفكير بأنك على وشك أن تفهم ما يحدث، يأتي الرئيس الأمريكي ويكتب تغريدة على موقع تويتر يقول فيها: "من الجيد رؤية زيارتي إلى السعودية ومقابلة الملك ورؤساء 50 دولة أخرى تؤتي ثمارها بالفعل".

ثم تسرع الإدارات الأمريكية وبعض الشخصيات من وزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة الخارجية إلى الإعلان عن أن الولايات المتحدة لا علاقة لها "بالمكاسب الناتجة عن زيارة الرئيس".

وزاد الطين بلة أن الأمريكيين أرسلوا فريق مكتب التحقيقات الفدرالي إلى قطر - التي  دعمت جميع أنواع الإرهاب ثم أصابهم الأسى تجاهها - للتحقيق في فضيحة القرصنة! ثم  يهاتف الرئيس، دونالد ترامب، أمير قطر، الذي اتهمه بتمويل الإرهاب، ويعرض وساطته لحل الأزمة!

أي خارطة طريق يمكن أن تخرج من هذه الفوضى الضاربة بأطنابها، إذا كان هذا كله لغزا كاملا. ومن الصعب أيضا معرفة كيف كان من الممكن أن تكون النتيجة مختلفة، إذا كانت قطر "تفهم حقا" ما كان متوقعا منها، واتخذت الخطوات "الضرورية".

هذه هي الحقيقة: أزمة مصطنعة نتجت عن فضيحة القرصنة، وأوجدت مأساة تبعتها دراما كوميدية. ولعل هذا هو السبب في أن اللاعبين في هذه الأزمة يبدو أنهم يعتقدون أن هذا الوضع ليس إلا وضعا مؤقتا، فهناك فرصة كبيرة في أن التوتر سيُنسى ويُعامل وكأنه لم يحدث قط بكتابة تغريدة جديدة غدا.

فوضى وليس أزمة

علينا أن نبدأ بهذه النظرة العامة للأحداث من أجل الفصل بوضوح بين الأسباب الخطابية للأزمة وخلفيتها الجيوسياسية الحقيقية والخطيرة.

إن ما نواجهه في الواقع يحمل صفات الفوضى أكثر من الأزمة: تتكشف فوضى الخليج السياسية في ظل الأزمة السياسية العالمية. وإذا كانت هذه أزمة عميقة وشاملة، وليست فوضى، فسنتمكن من تحديد ديناميكيتها وأسبابها الملموسة وعواقبها المحتملة. ومن ثم فإن ما يطرح على أنه "أزمة قطر" ليس سوى فوضى.

لا يمكن لنقاط الخلاف بين قطر والمملكة العربية السعودية التي تمتد على مدى ربع قرن، ولا الجيوبولتيك الطاقوي، ولا خريطة التحالفات في الخليج أن تقدم تفسيرا مرضيا "للأزمة" المزعومة.

إن التفكير في هذا الوضع على أنه حالة من الفوضى المشوشة وغير المنظمة للأمور المبدئية أو عدم القدرة على التنبؤ بسلوك النظام، قد يجعل الأمور أكثر وضوحا بالنسبة إلينا جميعا.

وبالنتيجة  فإن من يُصْدر قائمة من المطالب لقطر لإنهاء الأزمة، مثله مثل شخص يحتجز رهائن، وهو شخص يعاني بوضوح حالة ذهنية بالغة التعقيد.

وعلى الرغم من ذلك، فليس مفاجئا أن جميع مقالات الرأي والتحليلات التي كتبت حول هذه "الأزمة" تنتهي بشكل أو بآخر بسؤال واحد مفتوح أو ضمني: "ماذا يريدون حقا من قطر الآن؟".

وعلى الرغم من أن الخليج أصدر قائمة عامة من المطالب، فإن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه لا يبدو أن أحدا يأخذ هذه المطالب على محمل الجد، بل ما يزال كثيرون يطرحون سؤالا "ماذا يريدون حقا؟"، يعقبه بالطبع سؤال آخر "لماذا تريدون ذلك ولماذا الآن؟".

أزمة مدفوعة بالإسلاموفوبيا ورهاب الإسلاميين

علينا أن نعترف أن التحليلات السياسية والقراءات الجيوسياسية وسياسة الطاقة لا يمكن أن تفسر الفوضى الخليجية؛ لأن أيا منها لا يلعب دورا جوهريا في هذه الحالة. وبدلا من ذلك، يجب أن نقول صراحة إن ما يسمى "أزمة قطر" هو تقاطع الإسلاموفوبيا التي أوجدتها الشعبوية الأطلسية، مع رهاب الإسلاميين الذي يقوده الخليج.

ومما يزيد الأمور سوءا أن القرارات الشخصية التي تقع خارج نطاق المؤسسات والأعراف السياسية هي التي تدفع هذه الأزمة، كما يتبين من قائمة مطالب الخليج،وحقيقة أن وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون وغيرهما قد تجاهلوا هذه المطالب، على عكس الرئيس ترامب.

وفي النهاية، فإن الجهات الفاعلة المشاركة في الفوضى ليست سوى أمير، وملك ورئيس، مثلث خليجي غريب ومشبوه. ولا تشارك وزارات الخارجية والقوى الإقليمية ووزارات الدفاع في ذلك.

وعند هذه النقطة ينتهي التحليل السياسي والتحليل الجيوبوليتيكي وتبدأ الصحافة. واعتمادا على الصحفيين الاستقصائيين قد يكون الجمهور أكثر اطلاعا على ديناميات هذا المثلث الخليجي وعناصره في الأيام المقبلة.

العقلية وليس المطالب

نحن بحاجة في الوقت نفسه إلى التفكير في العقلية التي وضعت قائمة المطالب بدلا من الموضوعات. هذه هي نفس العقلية في نفس المحور الذي يريق الدماء ويحبط التغيير ويقمع الربيع العربي. هي العقلية التي ترسخ تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب، وتزيد من تعميق رهاب الإسلاميين.

وكما يتفق جميع العقلاء السياسيين، فإن تنظيم الدولة الإسلامية والمنظمات المماثلة لها التي تعد العدو اللدود للحركات الإسلامية التي تطالب بالتغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط، تتغذى من الإسلاموفوبيا. فالحرب ضد الحركات الإسلامية غير العنيفة لا تُقوي إلا المنظمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والقاعدة.

وبالنظر إلى هذا المنطق، يبرز سؤال مشروع: لماذا ترغب جماعات من قبيل داعش في أن تصبح أقوى؟ والإجابة الأكثر منطقية هي أن المطالب الديمقراطية بالتغيير، بالنسبة إلى قادة الإسلاموفوبيا، هي أكثر خطورة من الجماعات الإرهابية المسلحة.

وهذا هو السبب في أن جماعة الإخوان المسلمين التي ترفض العنف وتأبى حمل السلاح، تتحول بجلاء إلى هدف للتخويف. وكلما قال الإخوان "لن نلجأ إلى العنف. سنواصل كفاحنا الديموقراطي"، سرعان ما يُعلن أنهم منظمة إرهابية. وكلما وعدت حماس ببدايات سياسية جديدة في بلد محتل، اتهمت بالإرهاب.

إن الشيء الوحيد الذي يتوقعه العقل الإسلاموفوبي من الحركات الإسلامية هو أن تبدو جميعا مثل القاعدة و داعش. ومع ذلك، صَنّفَت منظماتٌ إرهابية مثل داعش وتنظيم القاعدة، الإسلاميِين الساعِين إلى التحول الديمقراطي أعداء  منذ البداية.

لا يمكن أن تكون جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية حتى لو حاولت أن تكون كذلك؛ لأنها، مثل حماس، حركة ذات جذور تاريخية، مستقرة من الناحية العقدية، وتستند إلى فلسفة صلبة وتقاليد سياسية ناضجة. إن وضع الإخوان المسلمين في القائمة نفسها مع داعش ليس أمرا دائما، حتى لو كان ذلك ممكنا.

على أن داعش وغيرها هي منظمات إرهابية ظلامية نشأت بعد الاحتلال الغربي، وبعد إقحام الرؤية الخليجية المشوهة للإسلام. يزدهر تنظيم داعش والقاعدة في أقبية وكالات الاستخبارات العالمية. وعلى النقيض من ذلك، فإن جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الحركات الإسلامية غير المسلحة، هي أحزاب سياسية تزدهر بين الناس على الأرض.

أما من لا يرغبون في التفريق بينها، فإنهم يحاولون استغلال حالة الهزيمة والاكتئاب التي توجد عليها الآن الحركات الساعية للتغيير الديمقراطي في المنطقة بعد الربيع العربي.

إن هذا الاستدلال البديهي لن يؤدي إلا إلى نتيجة إيجابية واحدة على المدى الطويل. أن استيراد وتحويل "الحظر الإسلامي" إلى "حظر قطر" قد يكون ممارسة سياسية مثيرة، لكنه أيضا أمر خطير للغاية.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس