ترك برس

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا لمراسلتها في إسطنبول عن عائلات شهداء المحاولة الانقلابية التي راح ضحيتها مائتان وخمسون مدنيا. ورغم مرور عام كامل على تلك المحاولة، والرعاية التي تقدمها الحكومة لأسر الشهداء وأطفالهم، فإن جرح فقدان الأحبة لم يلتئم بعد، ولا يخفف من آلامهم سوى الفخر بما فعله هؤلاء في سبيل بلدهم.

فقد الكثيرون أحباءهم عندما فتح جنود الانقلاب النار على المدنيين احتجاجا على محاولتهم الاستيلاء على السلطة ،واستشهد بعضهم على جسر البوسفور الشهير الذي أعيدت تسميته إلى جسر الشهداء تكريما لهم، واستشهد بعضهم في مطار أتاتورك الدولي، وفي المناطق الساخنة الأخرى حول إسطنبول.

كانت آخر مرة رأت فيها غولزيرين كيليتش ابنها محمد قبل عام بالتحديد، عندما خرج من المنزل في ليلة 15 يوليو بعد أن دخلت الدبابات إلى شوارع إسطنبول خلال محاولة الانقلاب العسكري.

توفي محمد (22 عاما) برصاصة قناص على جسر البسفور حيث  خرج في مسيرة لتحدي الجنود الذين أغلقوا الجسر، إلى جانب الآلاف الأتراك الذين استجابة للدعوة التي وجهها أردوغان إلى مواطنيه للنزول إلى الشوارع  للتصدي للمؤامرين وحماية المنتخبة ديمقراطيا.

قالت كيليتش وهي تجلس إلى جوار أمهات وزوجات الشهداء: "إن الألم في كل يوم هو نفس الألم لا يتغير . قدمت ابني شهيدا لبلدي. هو الآن في مكان أفضل، ينتظرنا في الجنة. لقد ضحى بحياته من أجل شعبه وجعلنا فخورين، لكننا بالطبع نفتقده كثيرا. لا يمكننا الاستمتاع بالحياة بعد الآن، بعد أن أُطفِئ نور حياتنا".

كانت عائلات الشهداء التي تجمعت خارج مسجد الفاتح في إسطنبول قد زارت مقابر أحبائها مع الرئيس أردوغان. هذه الصدمة التي تكتنف عائلات الشهداء تبين السبب في شعور كثير من الأتراك بالنفور من حلفاء البلاد في الغرب، ويقولون إن هؤلاء الحلفاء تجاهلوا معاناتهم، وركزوا بدلا من ذلك على حملة ما بعد الانقلاب التي أدت إلى عزل عشرات الآلاف من الأشخاص من وظائفهم أو اعتقالهم بسبب ارتباطهم بتنظيم غولن.

كانت آخر مرة سمعت فيها كيليتش صوت ابنها محمد عندما قال لها إنه على جسر البوسفور، وطلبت منه العودة إلى البيت. وتسترجع كيليتش اتصالها مع ابنها فتقول: "قال لي هناك الآلاف من الأطفال والنساء في مثل سنك محجبات وغير محجبات، وأنا مسؤول عنهم. إذا تركتهم، فلن أستطيع أن أنظر في وجه أحد. سيصفونني بالجبان".

توفي زوج سيفدا كارا أسلان بالقرب من جسر البوسفور. فعندما كان يقود سيارته في الجانب الآسيوي من مدينة إسطنبول، فوجئ بأن الدبابات تغلق الجسر، فخرج من سيارته وتوجه نحوها، فأصيب برصاصة أودت بحياته، وترك وراءه ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و13 و17 عاما.

تقول سيفدا: "خرجنا في اليوم التالي حتى أخفف عن الأطفال آلام الصدمة، وجلسنا في السيارة، لكننا انهمرنا نحن الأربعة في البكاء. أطفالي لا يريدون رؤية عائلات أخرى حولهم، ولا يريدون أن يروا أبا مع أولاده. لا يمكنهم الاستمتاع بالحياة. من قتلوا زوجي ليسوا مسلمين".

ورغم ذلك تقول سيفدا إنها لو تمكنت من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فإنها ستسير مع زوجها في الشوارع للدفاع عن بلدها ودينها، وتشعر بالسعادة لأن الله حقق رغبة زوجها في أن يموت شهيدا.

ترى بعض عائلات ضحايا الانقلاب  أن أحباءهم استشهدوا  في سبيل الله والبلد، ودفاعا عن من تركيا والإسلام. وهم يخشون الانقسامات في البلاد، ويعدون الهجمات التي تتعرض لها الدولة بعد الانقلاب خيانة كبرى.

وقالت كيليتش: "نحن نشجب الانقسام .آمل أن يهديهم الله إلى الطريق السديد، ولكن، إن لم يفعلوا ذلك، فآمل أن يعاقبهم الله. بعد الانقلاب توحد المسلمون بقوة، لكن هناك كثيرين ممن يقاتلون ضد الدولة".

هذا الشعور يخفي خوفا أعمق لدى كثير من مؤيدي الرئيس المحافظين من أن سقوطه يعني بدء عصر من القمع لمسلمي البلاد في دولة تقوم على العلمانية الصريحة.

هناك كثيرين يعجبون بأردوغان لتقواه وصلاحه، ويرون صعوده لمنصب الرئاسة لطمة للأتراك البيض، أي النخبة العلمانية التي احتلت المناصب العليا في الدولة، ومنعت ممارسات دينية مثل ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، وإغلاقها أمام كثير من المسلمين المحافظين.

تقول كيليتش: "يمكننا ارتداء الحجاب والصلاة في هذا المسجد بفضل أردوغان. لولاه لما كنا أحرارا  في ممارسة ديننا. هذا هو السبب في أننا نحبه. إنه يحمينا من كل الدول الأجنبية".

وتقول سيفدا: "نخشى إن ذهب أردوغان أن نفقد كل شيء".

فقدت زهرة أياباك شقيقها ماهر (16 عاما) بعد أن قتل بالقرب من مطار أتاتورك ليلة الانقلاب. ولا يخطر ببالها الانقسام في البلاد وهي تتذكر شقيقها الذي لم تكن تفارقه. في تلك الليلة، أخبر ماهر عائلته أنه سيبقى في المحل الذي يعمل فيه بدوام جزئي، ولكنه بدلا من ذلك توجه مع جيرانه إلى المطار لاستعادته من الانقلابيين.

تقول زهرة: "كلما راودتني آلام فراقه، فإنني أشغل الأغاني التي كنا نحب أن نستمع إليها معا. وفي كل مرة استمع إلى هذه الأغاني، دائما ما أسمع صوته؛ لأنه كان يغنيها أفتقده وحسب."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!