نهاد علي أوزرجان – صحيفة ملليت – ترجمة وتحرير ترك برس

في الأيام الأولة لاندلاع الثورة السورية حرصت الحكومة الأمريكية على جعل مدة الثورة قصيرة وعملت على الإطاحة بنظام الأسد بسرعة. وبحسب القواعد الأمريكية فإن من الواجب القيام بذلك عبر "عملية سرية".

خلال فترة قصيرة تدخلت وكالة الاستخبارات الأمريكية وبدأت التحرك كما تقتضي القواعد. أقامت تعاونًا مع أجهزة الاستخبارات الصديقة في البلدان المجاورة، وبعد ذلك بدأت العملية السرية التي تتمحور حول تقديم كافة أنواع الدعم للمعارضة المسلحة. نتحدث هنا عن سلسلة من العمليات السرية تنكرها الولايات المتحدة في كافة الظروف.

كان الهدف الرئيسي تنظيم الفصائل العسكرية في الميدان، وإنشاء قدرات جديدة لها، وإضفاء هوية إيديولوجية عليها. وفي هذا الإطار أنفقت الولايات المتحدة على المعارضة الصديقة لها بسخاء، وقدمت لها الأموال وزودتها بالسلاح، ووفرت لها التدريب العسكري، والأنشطة الدعائية، وأقامت الاجتماعات لها في فنادق خمس نجوم. 

ومع استمرار الحرب فترة طويلة زاد عدد اللاعبين في الساحة، وبعد مدة تغيرت طبيعة الحرب. وقفت روسيا وإيران وحزب الله بقوة إلى جانب الأسد. واتضح بعد فترة أن الجيش السوري الحر، الذي انقسم وتكاثرت فصائله، لن يتمكن من الإطاحة بالأسد. أظهر "صعود الراديكاليين" أن طبيعة العملية في سوريا تغيرت بالنسبة للولايات المتحدة. 

أما التطور الأبرز، الذي وسم التغير في الحرب السورية، فهو حملة تنظيم داعش في العراق وسوريا. ليتضح بعدها أن المشكلة تجاوزت الحد الذي يمكن لجهاز استخبارات أن يحلها، وخرجت من قائمة الأمور التي يمكن التعامل معها عن طريق عمليات سرية. طبيعة العنف وشدته وحجمه والحسابات السياسية، كل ذلك أبرز الصفة العسكرية للأزمة. 

دفع فشل القوات المحلية في إخراج داعش من عين العرب والموصل وتزايد الهجمات الإرهابية في الغرب، بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى الواجهة، بينما تراجع دور وكالة الاستخبارات المركزية. وأكسب مجيء إدارة ترامب والتقدم العسكري على الأرض المشروعية والزخم للبنتاغون.

الجيش الأمريكي هو من يدير الملفين السوري والعراقي اليوم. بطبيعة الحال هذا لا يعني أن وكالة الاستخبارات أوقفت عملياتها، لكن الأفكار والتطلعات والأهداف والحلفاء والمؤسسات والأساليب والوسائل في السنوات الأولى من الحرب السورية تعرضت لتغير كبير. وتحول التدخل من "عملية سرية" تديرها أجهزة الاستخبارات إلى حرب مفتوحة يخوضها الجنرالات.

أوردت صحيفة واشنطن بوست خبرًا في عددها يوم 19 يوليو/ تموز الجاري، يشير إلى مدى التغير. فقد كتبت الصحيفة أن ترامب أوقف برنامج تسليح المعارضة السورية المعتدلة، الذي تشرف عليه وكالة الاستخبارات. وبينما انقطع دعم سي آي إيه للمعارضة المعتدلة، عمّقت البنتاغون علاقتها بحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال تدريب وتسليح عناصره.

ستقرأ الدول والتنظيمات في المنطقة المشهد الجديد في سوريا بطرق مختلفة. وعند النظر من جانب تركيا يمكننا القول إن الولايات المتحدة وروسيا تقاسمتا سوريا جغرافيًّا وسياسيًّا وإيديولوجيًّا، وهذا الوضع الراهن لن يتغير على مدى سنين طوال. وهو يحتم على تركيا الإسراع في مراجعة مشكلة حزب العمال الكردستاني، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران، وقضية اللاجئين، وأمن الحدود.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس