ترك برس

رأى الكاتب والمحلل حسين عبد العزيز، أن لمنطقة "عفرين" أبعادا تتجاوز مسألة التوتر التركي ـ الكردي، فكما كانت عملية "درع الفرات" نتاج التفاهم حول مدينة حلب، فإن عملية "سيف الفرات" هي الأخرى ستكون نتاج التفاهم حول محافظة إدلب.

وفي تحليل نشره موقع "عربي21"، قال عبد العزيز إنه على مدار السنوات الماضية، لم تستطع تركيا اجتراح سياسة عسكرية خاصة بها في الشمال السوري بعيدا عن موسكو وواشنطن، مضيفًا: هكذا كانت عملية "درع الفرات"، وهكذا ستكون عملية "سيف الفرات" التي يجري التحضير لها عسكريا وإعلاميا في الشمال الغربي لسوريا.

وأوضح الكاتب أنه خلال العامين الماضيين، لم تكن مدينة عفرين غرب حلب ضمن الأهداف العسكرية التركية المباشرة، على عكس مدينة منبج في الشمال الشرقي لمحافظة حلب والبلدات الحدودية غرب منطقة "درع الفرات".

واعتبر أن الهدف التركي كان وما يزال فك الترابط الجغرافي بين كانتون عفرين وكانتون عين العرب ـ كوباني، لكن عملية "درع الفرات" لم تنجح في تحقيق هذا الهدف بشكل كامل بسبب سيطرة الوحدات الكردية على منبج والبلدات الحدودية شمالي محافظة حلب.

وفي محاولة أمريكية لإرضاء أنقرة بعد إبعادها نهائيا عن محافظة الرقة، قدمت الولايات المتحدة مقترحا تسلم بموجبه الوحدات الكردية بلدات (تل رفعت، منغ، ماير، تل جبين، معرسته الخان، حردتنين، شيخ عيسى) لفصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، لكن هذا المشروع تأجل أو ألغي بعد اتفاق مناطق خفض التوتر، بحسب الكاتب.

وتابع: يبدو أن واشنطن اكتشفت أن تسليم هذه البلدات للأتراك سينطوي على مخاطر كبيرة، خصوصا أن اتفاق مناطق خفض التوتر يتجه إلى وضع محافظة إدلب تحت العباءة التركية، وفي حال تم ذلك ستكون تركيا مسيطرة على مساحة جغرافية كبيرة جدا، تمتد من محافظة إدلب في الغرب إلى جرابلس في الشمال الشرقي (أعلي نهر الفرات) مرورا بالريف الشمالي لحلب كاملا.

ورأى عبد العزيز أن من شأن ذلك أن يعطي الأتراك وجودا عسكريا كبيرا وقدرة هائلة على الاستفراد بهذه المنطقة، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على المخططات الأمريكية في الشمال السوري.

غير أن أحد مفارقات السياسة، أن اتفاق مناطق خفض التوتر الذي أغلق البلدات الشمالية الخاضعة للسيطرة الكردية أمام الأتراك، فتح بوابة عفرين أمامهم، وهي منطقة لا تخضع للوجود الأمريكي وإنما للوجود الروسي الذي لا يمتلك حضورا عسكريا في أرياف حلب باستثناء هذه المنطقة.

ولذلك تتجه الأنظار الآن إلى مدينة عفرين بعد الهجوم التركي عليها نهاية الشهر الماضي، لكن للمدينة أبعادا تتجاوز مسألة التوتر التركي ـ الكردي، فكما كانت عملية "درع الفرات" نتاج التفاهم حول مدينة حلب، فإن عملية "سيف الفرات" هي الأخرى ستكون نتاج التفاهم حول محافظة إدلب، ولذلك تأخرت العملية العسكرية التركية بانتظار اكتمال التفاهمات بين موسكو وواشنطن.

وأردف الكاتب: من الصعوبة بمكان معرفة الحدود الجغرافية للعملية العسكرية التركية، فالوحدات الكردية لن تتخلى بسهولة عن منطقة عفرين التي تشكل بالنسبة لها بوابة استراتيجية للوصول إلى البحر المتوسط، وقد أعلنت هدايا يوسف المتحدثة باسم مشروع الفدرالية لمنطقة الحكم الذاتي قبل نحو شهرين أن هدف الفدرالية هو الوصول إلى البحر المتوسط.

ولذلك هددت قيادات في حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بتسليم المدينة إلى النظام السوري في حال لم تعمل روسيا والولايات المتحدة على وقف التلويحات التركية بعمل عسكري، أنه هروب للأمام للضغط على واشنطن لقطع التفاهمات الروسية ـ التركية.

لكن الموقف الأمريكي ما يزال غامضا، هل تتكرر تجربة منبج بإرسال قوات عسكرية أمريكية لمنع اقتحامها؟ أو يتم التوصل إلى صيغة ترضي الأطراف جميعا، عبر تسليم المدينة للنظام السوري؟

وأشار عبد العزيز إلى أنه بكل الأحوال، ثمة حصة جغرافية ستقطع في الشمال لصالح تركيا، وهو ثمن مهم للسيطرة على محافظة إدلب، وإيكال الأتراك مهمة القضاء على "هيئة تحرير الشام"، وهي مهمة صعبة لن تقبل تركيا بها دون ثمن استراتيجي.

وأشار إلى وجود ثلاثة احتمالات: مدينة عفرين، أو البلدات الحدودية غرب منطقة "درع الفرات"، أو محافظة إدلب، والأمر مرتبط بالتفاهمات المحلية والإقليمية والدولية، مبينًا أن لروسيا هدفين من إرضاء تركيا في مناطق عمقها الاستراتيجي داخل سوريا: الأول إبقاء التحالف الروسي ـ التركي قائما مع إدراك موسكو أن مشروعها (مناطق خفض التوتر) لن يكتب له النجاح من دون أنقرة، والثاني أن موسكو تسعى إلى إبعاد تركيا عن الولايات المتحدة قدر الإمكان ضمن أية ترتيبات مستقبلية.

في المقابل، لا تريد واشنطن الظهور بمظهر المعادي للمصالح التركية، وترك أنقرة في الملعب الروسي، فهذا أمر ستترتب عليه نتائج لا تخدم المصالح الأمريكية، خصوصا في المرحلة المقبلة، بعيد الانتهاء من "داعش" في الشمال السوري، وهي مرحلة تحتاج واشنطن فيها لتركيا أكثر من الوحدات الكردية، وهكذا يعود الشمال الغربي لسوريا على دائرة المساومات، وستكون محافظة إدلب بمثابة البوصلة التي تحدد شكل الاتفاق النهائي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!