جلال سلمي - خاص ترك برس 

في تصعيد صُنف على أنه منقطع النظير، انتقد المسؤولون الأتراك الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بحق المسجد الأقصى، بلغةٍ اتسمت "بالهجوم الشديد". التصريح الهجومي الأول جاء على لسان رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، الذي قال إن "ما تقوم به إسرائيل هو محالة للاستيلاء على المسجد الأقصى من أيدي المسلمين. وإذا كان الجنود الإسرائيليون اليوم، يدنسون باحات المسجد الأقصى بأحذيتهم بشكل صارخ، ويسفكون دماء المسلمين، متذرعين بحوادث بسيطة، فإن سبب ذلك هو عدم مساندتنا للأقصى بما يكفي."

ولم تقف إجراءات أردوغان على ذلك، بل شملت إجرائه اتصالات مكثفة مع الملك الأردني والسعودي، ورؤساء الدول الإسلامية الكبرى كابكستان وأندونسيا، للنظر في الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها حيال الانتهاكات الإسرائيلية.

وفي السياق ذاته، اتهم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، إسرائيل "بارتكاب انتهاكات غير قانونية في باحات المسجد الأقصى"، مضيفاً أن "إسرائيل بمنعها أداء العبادات بحرية، تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ".

وفي هذا الصدد أيضاً، أكد نائب رئيس الوزراء، بكر بوزداغ، على أن "الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى غير قانونية ولا يمكن القبول بها، لأنها تعارض حقوق الإنسان وحرية الدين، وتمثل انتهاكاً صارخاً لهما".

وفي ضوء هذه التصريحات الهجومية، يُطرح تساؤل مفاده "لماذا صعدت تركيا من حدة تصريحاتها ضد إسرائيل في هذا الوقت بالذات؟"

صعدت تركيا؛ لأنها تقود منظمة التعاون الإسلامي لهذه الدورة، وكان لا بد من القيام بواجبات هذه المهمة التي تستدعي السعي إلى توحيد الجهود في سبيل الحفاظ على المقدسات الإسلامية، وحقوق المسلمين.

صعدت تركيا؛ لأنها تحتاج، في الوقت الحالي بالذات، إلى "خطاب إنشائي تفاعلي" يراعي حساسية نسبة عالية من المواطنين الأتراك الذين يرون الدفاع عن المسجد الأقصى بمثابة الواجب الشرعي والإنساني عليهم وعلى حكومتهم. كما أنها بحاجة إلى توظيف القضية إعلامياً في كسب قلوب طيف كبير من المحافظين الذين "نقموا" على حزب العدالة والتنمية، بعد اتهامه لمنظمة الإغاثة الدولية "الإي ها ها" بالتحرك المستقل عن الحكومة في قضية الذهاب إلى غزة بقافلة أُطلق عليها لاحقاً "مافي مرمرة". الأمر الذي استدعي اتجاه الحكومة إلى صناعة "خطاب تفاعلي" فاعل يعيد استقطاب نسبة كبيرة من "الكيان المرجعي"، أي الجمهور، إلى حاضنتها، لا سيما في ظل اقتراب موعد الانتخابات البلدية والرئاسية والتشريعية.

ـ صعدت تركيا؛ لأنها رمت، على ما يبدو، إلى استغلال الفراغ الموجود في المنطقة، في زيادة رصيدها "الهوياتي" أمام شعبها والجمهور المسلم، عبر تقديم نفسها على أنها ملتزمة دينياً وإنسانياً وأخلاقياً وقانونياً بواجبها حيال القضايا الإنسانية عامةً، وقضية المسجد الأقصى خاصةً. وقد بدا ذلك واضحاً، في تأكيدها على اختراق إسرائيل لاتفاقيات حقوق الإنسان التي تمنح الجميع الحق في أداء العبادات بكل حرية.

ـ صعدت تركيا؛ لأنها بحاجة ماسة لحملة إعلامية قوية تمكنها من تفنيد اتهامات الوسائل الإعلامية المحسوبة على الدول الخليجية التي اتخذت إجراءات هجومية ضد قطر. فكان هذا الحدث كفيل بمنحها المطلوب. وبمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي يمكن قياس المكانة التي حصلت عليها تركيا نتيجة مساندتها للقضية بشكل غير مسبوق، بعدما كانت قد فقدت جزء من هذه المكانة جراء الهجوم الإعلامي المصاغ بواسطة وسائل الإعلام المحسوبة على الدول الخليجية "المقاطعة" أو "المحاصرة".

في المحصلة، تعتبر تركيا جزء من هام من المحيط، ولا ريب في أنها تحسب حالياً، نظراً إلى أيديولوجية حكومتها الحالية التي انبثقت عن "التيار المحافظ"، مدى أهمية القيام بالمهام والواجبات التي تقع على عاتقها حيال قضايا المنطقة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس