الأنضول 

لم تمنع 5 سنوات من الغربة، عائلة زمزم السورية من تحقيق المستحيل، فحصدت ٣ شهادات جامعية، للوالدين والابن، في عام واحد، ليكتبوا 3 “شهادات” بالتفوق على محنة اللجوء.
العائلة، التي لجأت إلى تركيا جراء الحرب في بلادهم، تجاوزت محنة الغربة واللجوء، فكسرت حاجز اللغة، وبذلت جهدا توج بتخرج الوالدين في كلية الشريعة، والابن من قسم هندسة الميكاترونيك.
طموح العائلة لن يتوقف عند هذا الحد، بل تطمح إلى المزيد، في سعي لتحويل ظروف الغربة إلى طاقة إيجابية، تحول كل شيء إلى إنجاز وإبداع، ليصبحوا نموذجاً لقصة نجاح يحتذى بها.
محمد زمزم، الشاب المهندس من مدينة اللاذقية (غرب)، مواليد ١٩٩٤، يقول عن قصته، للأناضول، “وصلت إلى تركيا أواخر ٢٠١٣، وهنا بدأت القصة، 5 أشهر أمضيتها في مخيم اللاجئين بولاية العثمانية (جنوب)، وبعدها انتقلت إلى إسطنبول، بينما عائلتي لا زالت هناك”.
زمزم كان أحد المتفوقين في بلاده، فكان ترتيبه الثاني على مستوى سوريا في الثانوية العامة، لكن بمجرد وصوله إلى تركيا كان عليه أن يبدأ من الصفر.
شهادة الثانوية لم يكن معترف بها، فتقدم للثانوية الليبية، وبنفس الفترة استعد لامتحان القبول الجامعي، وحقق فيها الدرجات النهائية، وبالتزامن مع ذلك تعلم اللغة التركية، التي كانت مفتاح التفوق والنجاح، حسب قوله.
تمسك بحلمه القديم بدراسة هندسة الميكاترونيك، وبالفعل بدأ طريق الحلم من جامعة “يلدز التقنية” بإسطنبول، وكان ترتيبه الأول في أول فصل دراسي، واستمر تفوقه حتى التخرج.
بل وحصل على برنامج منحة كاملة في جامعة صابانجي (خاصة)، ما جعله محط أنظار أقرانه السوريين والأتراك، وتشجيع من زوجته وهي طبيبة بشرية.
ويقول عن ذلك “طلاب جامعتي يعتبرون من الأوائل على تركيا، ومعايير اختيار الأساتذة صعبة للغاية، وبالتالي كنت في بيئة مثقفة نسبياً، ومع ذلك زملائي الطلاب واجهوا صعوبة بتقبل الأمر في البداية”.
ويوضح أن حفاظه على التفوق كان دائماً خير دليل على أن النجاح ليس مجرد مصادفة، ويأمل أن يكون قد أوصل لهم رسالة مفيدة كمسلم سوري عن الأوضاع، خصوصا في ظل حملات طالت السوريين.
ويتحدث “محمد زمزم” عن علاقته بأساتذته بالقول إنهم “أصبحوا مثل إخوة كبار لي، يوجهوني ويدعموني بغض النظر عن آرائهم السياسية، وآرائهم حول وجود السوريين”.
وحول طموحاته للمستقبل، يقول “خلال المقابلات والمراسلات بيني وبين الجامعة (صابانجي)، تم تصنيفي كواحد من أول ٣ متقدمين، فحصلت على منحة كاملة”.
ويضيف أن الجامعة قدرت وضعه كذلك وطموحاته بأن يكون أكاديمي ومدرس بالجامعات، ورئيس مجموعات بحثية، عبر الدرسات العليا والدكتوراة، وهو ما منحه المزيد من الثقة والأمل في خدمة تركيا.
وحول تخرج الوالدين في الجامعة العام نفسه، يقول، للأناضول، “أمر طريف ومسر جدا، أبي وأمي تخرجا في كلية الشريعة بجامعة تشكوروفا بمدينة أضنة (جنوب)، وتم تكريمها باعتبارهما أكبر زوج عمرا من الخريجين”.
وأوضح أن الوالدين يعتزمان مواصلة الدراسات العليا، لا سيما وأنهما جامعيين في الأساس، فالوالد درس تعويضات الأسنان، وكان له مخبر أسنان (صناعة أسنان بديلة) في سوريا، لكن تعثر عمله في تركيا لخصوصية هذا المجال، فتابع تعليمه، ليعمل مدرساً في مدرسة سورية مؤقتة.
كما أن الأم درست التحاليل الطبية، والعقبة الأكبر كانت تعلم اللغة التركية، وبمجرد عبورها فتحت لهما أبواب الدراسة والنجاح، وهما يقيمان حالياً في مخيم العثمانية.
ودعا زمزم السوريين إلى مواصلة طلب العلم وعدم البحث عن مبررات للتوقف عن تحصيله، “فالاجتهاد والعمل والإرادة صفات مطلوبة، لنكون قد قمنا بما نستطيع ووطنا بانتظارنا لكي ينهض”.
كما عبر عن شكره لإخوانه الأتراك قائلاً: “أشكرهم حكومة لأنها فتحت لنا مجالات كثيرة، وكشعب رأينا منها الخير الكثير رغم الحملات التي سيقت، وأتمنى منهم أن يفهموا أننا أخوة، وأن لا يلتفتوا للنماذج السلبية، فكل أمة فيها هذه النماذج، ونحاول سوياً إظهار الأمثلة الإيجابية.
وختم مستعرضا بعض المشاكل، التي تعترضه، وأهمها أن ما يتعلق بالأوراق الثبوتية الرسمية، ومن أجل الاستمرار في تركيا بالدراسة والعمل وتجاوز المعوقات، ربما الحصول على الجنسية التركية يساهم في تجاوز ذلك، والمضي قدما في مسيرة العلم والإبداع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!