سيد قمر رزفي - باكستان أوبزرفر - ترجمة وتحرير ترك برس

يبدو أن تركيا الحالية، تحت حكم الرئيس، رجب طيب أردوغان، شهدت بعض التغييرات الملحوظة في سياستها الخارجية. ونتيجة الاحتياجات المتزايدة التي استلزمتها توافقات حقبة ما بعد الحرب الباردة وتغير الثقافة الإقليمية الجيوستراتيجية، أعادت مجموعة السياسة الخارجية في تركيا أخيرا توجيه سياستها بالتحرك العملي نحو الغرب، في الوقت الذي تتحرك فيه استباقيا نحو الشرق.

حدث تحول واسع  في السياسة الخارجية التركية منذ عام 2012 كمؤشر على نهج تدريجي. وفي ضوء المشاكل الإقليمية المعقدة لتركيا، فضلا عن التحديات المحلية المتنامية على مدى السنوات الأربع الماضية، أجرى حزب العدالة والتنمية مراجعات فكرية وسياسية لسياسته الخارجية التي ظلت دون تغيير منذ وصول الحزب إلى السلطة في عام 2002. وحتى وقت قريب كان جيران تركيا ينظرون إليها على أنها ممثل إقليمي منغلق. لكن بدعم من عوامل القوة الناعمة الجديدة، مثل توسيع العلاقات التجارية، وإنشاء المدارس الناطقة بالتركية وتأثير الثقافة الشعبية، تغير دور تركيا تغيرا كبيرا في جوارها من البلقان إلى القوقاز والشرق الأوسط.

ويكمن التغيير الرئيسي في الجهود التي تبذلها تركيا للعمل بفعالية مع التحالفات الغربية في جوارها المباشر، وتجنب القيام بعمل انفرادي. ويبدو أن هذا يتناقض مع الجهود السابقة التي بذلتها تركيا للقيام بدور إقليمي مستقل ووضع أجندة للمنطقة، ولكن هذه الجهود لم تكن كذلك في الواقع. وتسعى أنقرة الآن إلى إحياء دورها الإقليمي استعدادا للتدخل الأمني والعسكري بهدف إظهار قوتها وقدرتها على الردع بالتنسيق مع حلفائها. وقد تطور ذلك في خضم تفاقم المشاكل، ولا سيما زيادة التوترات مع كثير من دول المنطقة. وقد استند النهج الجديد على نحو بارز إلى التفكير الذي تطور في أعقاب ثورات الربيع العربي، وهي الحقبة التي شهدت آثارا سلبية على تركيا. وقد نظرت المراجعة الأولى في عام 2012 إلى ضرورة تدخل الناتو كوسيلة لإحداث تغيير في الشرق الأوسط، خاصة في ضوء الأزمة المتفاقمة في سوريا. وشددت على الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه تركيا بوصفها عضوا رئيسيا في حلف شمال الأطلسي. وناقشت المراجعة الثانية، في عام 2013، نهجا "للدبلوماسية الإنسانية" أعطى الأولوية للعمل الإنساني وركز على توسيع أنشطة تركيا على الساحة الدولية.

وعلى الرغم من أن المناخ المعادي لتركيا له جذوره التاريخية، فقد كان عاملا حاسما في مسار العلاقات المتبادلة. وما من شك في أن تجديد الدعم المقدم إلى حزب العمال الكردستاني وتشجيع تنظيم فتح الله غولن الإرهابي "فيتو" ضد تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب التي جرت في 15 يوليو/ تموز، قد عرض للخطر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة. وقد أكدت المراجعة الثالثة، في عام 2014، الحاجة إلى " تجديد تركيا" وذلك  بتعزيز الديمقراطية في البلاد والاقتصاد وتجديد النشاط الدبلوماسي في المنطقة.

وقد سعت أنقرة إلى توطيد نفسها شريكا في الأعمال التجارية العابرة للقارات، ومركز جذب ثقافي ومحورا للوساطة السياسية، وتطمح إلى كسب قلوب جيرانها وعقولهم. وتمشيا مع هذا النهج الجديد، بدأت تركيا بتغيير موقفها من تقسيم قبرص وخطة كوفي عنان في عام 2004، واستهدفت فيما بعد الصراعات المجمدة مع سوريا وأرمينيا.

تشكل المصالح الوطنية لتركيا تصحيحا ضروريا لتوجهات السياسة الخارجية السابقة لحزب العدالة والتنمية. وبالتالي، فإن الرئيس أردوغان يبذل قصارى جهده للقيام بذلك. وُيستبدل بالسياسة الخارجية العاطفية توجهات براغماتية واستباقية. ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد تغير موقف أنقرة فيما يتعلق ببشار الأسد  والرئيس الروسي بوتين. ومع ذلك، فإن هذه التطورات لا تشير في حد ذاتها إلى تحول جذري في السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية. وغني عن القول أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على مدى العقود العديدة الماضية ما تزال تقتصر على المعاملات التجارية. واضطر نهج الاتحاد الأوروبي المعارض لانضمام تركيا الرئيس أردوغان إلى  تبني سياسة "الانتظار والترقب" تجاه بروكسل. وفي هذا الصدد، لن يكون كافيا  لتركيا  فقط أو الاتحاد الأوروبي فقط أن يتطلع إلى إقامة علاقات قائمة على التعاون والعمل على تحقيق هذا الهدف. ومن المحتم أن يختار الطرفان هذه النتيجة وأن يتجنبا السياسات الاستفزازية.

وعلى الرغم من عدم وجود سياسة لأردوغان للحصول على ميزة سياسية قصيرة الأجل، وبالتالي ممارسة الخيار التركي لعرقلة صفقة قبرص، فإن السياسات الأوروبية  السقيمة تجاه أنقرة قد تجبره على القيام بذلك. ولسوء الحظ، فإن "زيادة عدد الأصدقاء" لا تتم بالمثل من قبل أوروبا، ودفعت خيبة الأمل التي واجهتها أنقرة إلى توجيه خطاب أقسى ضد أوروبا كما يتضح من رد فعل تركيا القاسي على ألمانيا فيما يتعلق بسياسة الهجرة.

على أن تركيا والاتحاد الأوروبي قد يستفيدان استفادة كبيرة من الشراكة التعاونية المتنامية بما يتجاوز المزايا السطحية. ومع ذلك، فإن مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة يعتمد إلى حد كبير على أربعة عوامل مهمة: مفاوضات الانضمام، وقضية اللاجئين، وقبرص، والتعاون الأمني. ويجب أن تكون القيادة الأوروبية في بروكسل مستعدة بشأن الاتجاهات / القرارات المستقبلية التي قد تتخذها حكومة أردوغان في وقت لاحق.

وختاما، فإن تركيا تحت حكم الرئيس أردوغان، مع تاريخها الطويل في إدارة شؤون الإمبراطورية العابرة للقارات، لديها الإمكانيات المناسبة لإدارة الشؤون الإقليمية مع تحالف أمني إقليمي دون أي تدخل من القوى الغربية المهيمنة. ومن المؤكد أن أنقرة لا تتنازل حول القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين فى القدس الشرقية منذ أن دعم أردوغان حل الدولتين فى الوقت الذى يسعى فيه إلى إعادة العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب. إن موقف أنقرة المتوازن من أزمة قطر وميلها الذي لا يتزعزع تجاه باكستان والصين وروسيا يعكس بشدة سياسة أردوغان الاستباقية للارتباط بالشرق.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس