إلياس وحيدي - إيران ريفيو - ترجمة وتحرير ترك برس

بدأت تركيا اتجاها جديدا في سياستها الخارجية في عام 2016 أهم عناصره هو تحسين العلاقات مع روسيا، والتعاون مع إيران  ورفض إقامة دولة كردية في سوريا. ومنذ ذلك الحين، تحركت السياسة الخارجية التركية عمليا خارج الخط الذي وضعته الولايات المتحدة. لذلك، اتخذت الولايات المتحدة وأوروبا مواقف غير ودية بشأن الانقلاب الساقط في تركيا في عام 2016، وذهب بعض المحللين بعيدا حين قالوا إن الولايات المتحدة وأوروبا دبروا  محاولة الانقلاب العسكري بطريقة أو بأخرى. وفي الوقت نفسه، نظرت أغلبية السياسيين والنخب التركية إلى إصرار الولايات المتحدة على مساعدة الميليشيات الكردية في سوريا (بما في ذلك عناصر وحدات حماية الشعب) ورفضها تسليم المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بأنه العقل المدبر الرئيس وراء محاولة الانقلاب الساقط عام 2016، على أنها علامات على عداء واشنطن أو على الأقل  خيانتها في علاقاتها مع أنقرة. ونتيجة لذلك، أدت هذه التطورات إلى تعميق جو من التشاؤم تجاه سياسات الولايات المتحدة في تركيا.

وعلاوة على ذلك، فإن أزمة علاقات قطر مع حلفاء الولايات المتحدة العرب، وإظهار الدعم الجاد لقطر من إيران وتركيا وفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران وروسيا، كلها علامات على وجود اصطفافات سياسية جديدة بين اللاعبين في منطقة غرب آسيا. ومن ناحية أخرى برزت هذه التحالفات الجديدة من خلال الجهود التي بذلتها قطر وتركيا للاقتراب من المحور الذي شكلته روسيا وإيران والصين في مقابل التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل.

على أن السؤال هو هل يدل الاتجاه الحالي في المنطقة على وجود توافق جديد أو على الأقل تغيير في المواقف القديمة أم أن المواقف التي اتخذتها تركيا وقطر هي مجرد مواقف مؤقتة وعابرة؟

تعود الفجوة في العلاقات بين تركيا وقطر مع الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده السعودية في المنطقة إلى سنوات مضت. في ذلك الوقت كان الدعم الذي تقدمه الدولتان إلى جماعة الإخوان المسلمين كحركة اجتماعية وسياسية في العالم العربي يزعج الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومن ثم فضلتا دعم انقلاب قام به قائد الجيش السابق في مصر، الجنرال عبد الفتاح السيسي، على رئيس البلاد آنذاك محمد مرسي. ومع ذلك، وبما أن السياسة الخارجية لتركيا وقطر تهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد، وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فقد تم سحبهما بطريقة ما تجاه المحور الغربي العربي الذي يعارض النظام السوري. بعد أن غيرت تركيا موقفها الرسمي من قضية سوريا عندما لم تقبل الولايات المتحدة وقف دعم إنشاء منطقة كردية مستقلة بالقرب من الحدود التركية مع سوريا، فإن المشاورات الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران لحل الأزمة في سوريا صارت أكثر جدية وأهمية. وكانت النتيجة حتى الآن عقد خمس اجتماعات ثلاثية حول سوريا، وإقرار وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات الإنسانية في  بعض مناطق الصراع المهمة مثل حلب، بالإضافة إلى إنشاء مناطق تخفيف التصعيد في سوريا.

بعد تصاعد التوتر بين قطر وبعض الدول العربية في الخليج العربي، بدأت الدوحة في الانحراف بعيدا عن المحور الغربي - العربي في حالة سوريا، واقتربت من تركيا وإيران. ويثبت هذا التطور كذلك مدى المواءمة الحقيقية الجديدة في المنطقة. والنقطة الملحوظة في هذا الصدد هي أنه مع احتفاظ تركيا بعلاقاتها السابقة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، من جهة، ومع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى، فقد اعتمدت أيضا سياسات مستقلة عن الغرب والحلفاء الإقليميين. وهذه السياسات المستقلة بالغة الأهمية لحكومة تركيا، فعلى الرغم من الاحتجاجات الصاخبة من الدول العربية، فإنها لم تغير رأيها بشأن تعزيز وجودها العسكري في قطر، وهذا يدعم موقف قطر بطبيعة الحال.

يبدو أن قرار تركيا وقطر بالابتعاد عن المحور الذي شكلته الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء واشنطن العرب قرار تكتيكي أكثر منه قرارا استراتيجيا. ومع ذلك، فإن الواقع، الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان هنا، هو أن بعض التحالفات مثل تحالف تركيا العسكري والاقتصادي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأت أولا بمثل هذه التكتيكات ومن خلال سبل التعاون ذاتها.

قطر دولة عربية لن تتمكن من الحفاظ على وضعها الحالي في غياب العلاقات مع جيرانها العرب وأيضا من دون علاقات مع الولايات المتحدة. أما  تركيا، فلديها ثاني أقوى جيش بين الدول الأعضاء في الناتو، وترتبط معظم هياكلها الدفاعية والأمنية ارتباطا وثيقا بحلف الناتو. وهناك رمز لهذه العلاقة هو قاعدة إنجرليك الجوية بالقرب من مدينة أضنة التركية، حيث تنتشر عشرات الطائرات الحربية التابعة لدول حلف الناتو، ووفقا لمصادر مختلفة فإن ما يتراوح بين 50-90 قنبلة ذرية من طراز B61 تابعة للولايات المتحدة يحتفظ بها في هذه القاعدة. لذلك، يعتقد الخبراء أنه إذا قررت تركيا الخروج من الحلف، فإن ذلك سيكون ممكنا فقط على مدى فترة طويلة تصل إلى 20 عاما. ومن ناحية أخرى، فإن ما يقرب من 60%  من التجارة الخارجية التركية تتم مع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي. ولذلك، فلن يكون بوسع تركيا تغيير رأيها بشأن العضوية في الاتحاد الأوروبي والاستعاضة عن بلدانها الأعضاء بدول أخرى كشركاء تجاريين، على المدى القصير على الأقل.

وفي ضوء الحقائق المذكورة آنفا يمكن استنتاج أنه على الرغم من أن التقارب بين تركيا وقطر مع محور مقاومة ضد الغرب ليس قرارا استراتيجيا وطويل الأمد، فإنه سيؤدي إلى توسع نوعي وكمي لوقف إطلاق النار في سوريا، وقد تقرر تركيا أيضا عدم الاكتراث بالعقوبات الغربية الجديدة على إيران وروسيا وقطر.

وعلى ذلك فإن التقارب الحالي بين تركيا وقطر، والتقارب بينهما مع المحور المعادي للغرب يمكن حسبانه نقطة تحول من وجهة نظر مصالح بعض دول المنطقة، وخاصة إيران. إن المزيد من التعاون بين إيران والمحور الذي شكلته تركيا وقطر، على الرغم من أنهما دولتان سنيتان تؤيدان جماعة الإخوان المسلمين، سوف يعطل الجهود التي يبذلها محور الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لعزل إيران. ومن ناحية أخرى، فإن تعاون إيران مع محور تركيا وقطر سيحول دون تحول هذا المحور إلى تهديد لإيران. وإذا أخذنا في الحسبان الوجود العسكري المتزايد لتركيا في قطر، فإن أهمية وضرورة وجود إيران في هذا التحالف الإقليمي ستصبح واضحة أكثر من ذي قبل.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس